يطغى التشاؤم على الأجواء داخل البرلمان العراقي، بشأن موازنة العام المقبل 2020 التي بدأ أعضاء في لجان الشؤون المالية والقانونية والاقتصادية بمراجعة واسعة لها مع الحكومة، استعدادا لتسلمها بشكل رسمي من قبل البرلمان خلال الشهرين المقبلين على أقصى تقدير بهدف التصويت عليها.
ويأتي ذلك وسط تشاؤم اقتصاديين وبرلمانيين في ظل توقعات بزيادة العجز العام الجاري وتحذيرات من تفاقم الأزمة المالية العام المقبل.
وبعد تقارير البرلمان عن وجود بذخ كبير من قبل الحكومة وانفتاح على التوظيف والمشاريع غير المهمة، بشكل يهدد بعجز مالي ضخم سيكون الأول من نوعه في البلاد منذ عام 2003، يؤكد أعضاء برلمان لـ”العربي الجديد” أن هناك تراجعا بإيرادات البلاد المالية النفطية وغير النفطية هذا العام محذرين من أزمة مالية خانقة ستضرب العراق ووجوب العمل على مراجعة شاملة لخطة الإنفاق في البلاد.
عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي أنعام الخزاعي، كشفت في بيان لها، أول من أمس الاثنين، عن “انخفاض حاد في إيرادات الدولة النفطية وغير النفطية”، محذرة من احتمال “حدوث أزمة اقتصادية خانقة، في البلاد، على عكس ما جاء في البرنامج الحكومي الذي ركز المحور الرابع منه على تعظيم الإيرادات غير النفطية ومراقبة الدين العام لضمان بقائه ضمن حدود الاستدامة المالية”، بحسب البيان.
وتسبب تراجع إيرادات النفط والاتفاقات الجمركية الأخيرة مع إيران في تكبيد الموازنة العامة الجارية خسائر فادحة، خصوصاً مع منح هذه الدولة إعفاءات جمركية وإلغاء رسوم سمات الدخول بشكل أدى إلى تراجع الإيرادات غير النفطية بشكل كبير”.
وتابعت “الأرقام الرسمية تشير إلى هبوط الإيرادات غير النفطية من 8.6 ترليونات دينار في شهر أغسطس/ آب من عام 2018 الى قرابة 3 ترليونات دينار في شهر آب من العام 2019 (ترليون دينار عراقي = 800 مليون دولار).
وحول المشكلة، قال فالح الخزعلي عضو البرلمان العراقي عن تحالف “الفتح”، الداعم لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي، إن العراق هذا العام شكل النفط من مجموع وارداته المالية الغالبية العظمى لذا الحكومة بشكل عام تحتاج إلى ثورة لإعادة إحياء عدة قطاعات وتقليل الاستيراد وتحقيق اكتفاء في عدة مجالات وإلا فإن الأزمة ستقع. وأضاف أن “تشجيع الاستثمار وتنشيط قطاع الصناعة وإعادة الحياة للزراعة وتقليل الإنفاق على مجالات غير مهمة ومحاربة الفساد بشكل حقيقي هو ما تحتاج الدولة إليه هذا العام بشكل ملح”. وتابع: حتى الآن البرنامج الحكومي لم ينفذ منه سوى نحو 40 في المائة، واللقاءات مستمرة مع الحكومة ونبحث معها موازنة 2020 بما يعززها.
النائبة البرلمانية آلا الطالباني قالت إن “مناقشة الموازنة الجديدة تركز على أهمية إيجاد بدائل أخرى غير النفط فالأرقام الحالية تؤكد أن 96 في المائة من واردات العراق السنوية تأتي عن طريق النفط فقط، ومع الأزمات والمشاكل في المنطقة فإن الاعتماد على النفط وحده غير صحيح”.
وأكدت الطالباني لـ”العربي الجديد”، أن عدم نجاح الحكومة في الحصول على إيرادات غير نفطية يعتبر تراجعا وتخلفا في البرنامج الحكومي وتتحمل المسؤولية وحدها. واعتبرت أن عدم خوض الحكومة بشكل جدي في هذا الموضوع أو التصريح حول أرقام العجز المتوقع يعتبر تراجعا في برنامجها الحكومي ووعودها بإيجاد بدائل أخرى غير النفط”.
وزارة المالية العراقية بدورها ذكرت أن الأرقام التي يتم تناقلها حاليا حول عجز موازنة العام المقبل بسبب تراجع الإيرادات غير صحيحة وسابقة لأوانها. وأوضح بيان للوزارة أن “وزارة المالية دأبت منذ مطلع العام الحالي على عقد أكثر من ستة عشر اجتماعا لمناقشة استراتيجية إعداد الموازنة للأعوام القادمة وبحضور اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي وممثلين عن جميع الوزارات والهيئات والمحافظات. وأكد البيان، أن “الارقام التي تطرح حول نسبة العجز في الموازنة سابقة لأوانها ولا أساس لها من الصحة”.
وتوقع نواب ارتفاع العجز إلى 30 مليار دولار العام المقبل، مقابل 23.3 مليار دولار خلال العام الحالي. مراقبون عراقيون اعتبروا أن تقارير نواب في البرلمان تبقى أرقاما تقريبية ووزارة المالية وحدها يجب أن توضح كثيرا من الحقائق حول سبب تراجع واردات العراق المالية. ووفق الخبير الاقتصادي العراقي منعم الدليمي، فإن الحكومة الجديدة خلقت عشرات آلاف الوظائف وأطلقت مشاريع ومخصصات كبيرة يضاف لها حلول موعد سداد كثير من القروض التي أخذتها بغداد من بنوك ودول عدة خلال الحرب على داعش في السنوات الماضية. وأضاف الدليمي في حديثه لـ”العربي الجديد” أن “الحكومة أقدمت على إلغاء رسوم تأشيرات الدخول لأكثر من 5 ملايين إيراني كانوا يدخلون البلاد سنويا ويدفع كل زائر منهم 40 دولارا، إضافة إلى توقيع اتفاقيات مع الأردن وتركيا وإيران بخصوص رسوم الجمارك مع تذبذب أسعار النفط وفشل وعود الاكتفاء الذاتي من الغاز بشكل سمح بالاستمرار بالشراء من إيران وهي كلها عوامل وأدلة تشير إلى أن العام المقبل سيكون صعبا.
ولفت إلى أن بدء مناقشة الموازنة من الآن يعتبر دليلا إضافيا على أن المسؤولين يستوعبون حرج المشكلة ويحتاجون لمناقشات ومعالجات لها.
العربي الجديد