التدخّل الإيراني القائم بالفعل على الساحة العراقية قد يتضاعف في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي مع القوى العالمية، والذي سيمنح إيران المزيد من أسباب القوّة مكرّسا اختلال التوازن بينها وبين العراق المنهك عسكريا واقتصاديا والمشتت سياسيا.
لم يحجب الترحيب الرسمي العراقي بالاتفاق الذي تمكنت إيران من إبرامه مع القوى العالمية بشأن برنامجها النووي، قلق نخب سياسية تتخوّف من أن يفتح الاتفاق الطريق لمزيد من التدخل الإيراني في العراق المنهك اقتصاديا وعسكريا والمشتّت سياسيا، فيما يمكن لإيران أن تستفيد من رفع العقوبات الاقتصادية، وأيضا من إمكانية إنهاء حظر مدّها بالأسلحة، لتمتلك بذلك المزيد من أسباب القوّة التي تمكّنها من فرض ذاتها لاعبا أهم على الساحة العراقية.
ويرى هؤلاء أن الاتفاق يكرّس اختلال التوازن بين العراق وإيران بعد أن كانا ندّين حتى تسعينات القرن الماضي حين بدأ العراق يتراجع تحت وقع الحصار الدولي، لينتهي الأمر إلى احتلاله سنة 2003 من قبل الولايات المتحدة التي حوّلته دون وعي منها ساحة مفتوحة أمام التدخل الإيراني عن طريق طبقة سياسية شيعية يعتبر أغلب رموزها وكلاء لطهران.
كذلك لا يتردّد عراقيون في تحميل بعض من القوى الغربية التي فاوضت إيران على ملفها النووي مسؤولية تكريس اختلال التوازن في القوة بين إيران والعراق.
ومن المفارقات التي يثيرها هؤلاء أن تلك القوى التي سمحت لإيران بامتلاك برنامج نووي باتت الآن تستخدمه للمساومة في عدة ملفات سياسية وعسكرية واقتصادية هي ذاتها التي ساهمت في إجهاض البرنامج النووي العراقي في بدايته حين تعاونت الولايات المتحدة وفرنسا مع إسرائيل في تحديد مكان مفاعل تموز وقصفه بالطيران سنة 1981.
واقترنت كثير من مواقف الساسة العراقيين من الاتفاق النووي بالأمل في أن تبادر طهران بفعل موقعها الجديد على الساحة الدولية إلى تغيير سياستها تجاه العراق.
وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي والقيادي في اتحاد القوى الوطنية ظافر العاني “نرجو من هذا الاتفاق أن يجعل إيران تتجه إلى عقلنة سياستها الخارجية تجاه جيرانها وأن يكون بداية لتصفير مشكلاتها مع كل الاطراف المتخاصمة معها، وأن ينعكس على هجر سياسة التدخل الأمني في ملفات المنطقة وفتح صفحة جديدة قائمة على التعاون الإقليمي وليس الاستقطاب والمحاور التي تضرر منها الجميع ورسمت صورة سلبية في الأذهان عن حكومة طهران” .
وأضاف العاني في بيان “إننا في اتحاد القوى إذ نبارك للدبلوماسية الإيرانية هذا النجاح بعد جولات مفاوضات عسيرة، ليحدونا رجاء بأن إيران التي استطاعت أن تعقد اتفاقا سلميا مع من تسميه الشيطان الأكبر حري بها أن تسوي خلافاتها وديا مع جيرانها المسلمين الذين ترتبط وإياهم بوشائج الحضارة والجوار والمصلحة في منطقة آمنة تساعد على النماء بما فيه خير شعوبها، وأن يكون حل الخلافات بالوسائل السلمية هو منهج دائم في سياستها الخارجية وليس انتقائيا، وهذا ما ننتظره منها في قادم الأيام”.
أمّا عن الموقف الرسمي العراقي من الاتفاق فتميز بالترحيب المطلق بالاتفاق، وهو أمر منطقي بالنسبة لحكومة يحتل المناصب القيادية فيها قادة أحزاب دينية شيعية موالية لطهران.
ورحّبت الرئاسات الثلاث في العراق؛ الجمهورية، والوزراء، والبرلمان بالاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، واصفة إياه بـ”بداية إنهاء التوتر الأمني في المنطقة وتجنيبها كوارث الصراعات والحروب”.
وقال الرئيس العراقي فؤاد معصوم معلقا على الاتفاق النووي، إن الأخير “سيساعد في إمكانية تعزيز الأمن والاستقرار في منطقتنا، ويسهم في إنهاء التوترات على أسس الحوار واحترام الخصوصيات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”، بحسب بيان صادر عن مكتبه.
فيما وصف نوري المالكي النائب الأول للرئيس العراقي، التوقيع على الاتفاق بـ”الانتصار لكل محبي السلام في المنطقة والعالم”، وأعرب في بيان صادر عنه، عن أمله في أن “يعزز هذا التفاهم بناء الثقة بين الشعوب وإرساء أسس السلام والعلاقات الودية بين جميع دول العالم”.
من جهته، دعا أسامة النجيفي النائب الثاني للرئيس العراقي في بيان أصدره، الحكومة العراقية إلى “استغلال نتائج الاتفاق في حماية سيادة العراق الكاملة والاستفادة من الجوانب الأمنية والاقتصادية بشكل فعال، وعبر التزامات تحترم إرادة الشعب العراقي ومصلحته، وعدم السماح مطلقا بتحقيق تمدد او مصلحة لطرف دولي او إقليمي على حساب طرف آخر ليس لشعبنا خيار أو مصلحة فيه”.
بينما قال إياد علاوي نائب الرئيس العراقي لشؤون المصالحة إن “الاتفاق، وإن كان يواجه في المستقبل القريب صعوبات وتحديات حقيقية، إلا أنه يظل مهما لجهة الحد من انتشار السلاح النووي المدمر”.
وبدوره قال حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي في بيان رسمي صادر عنه، “نتطلع إلى غايات الاتفاق في تجنيب المنطقة ويلات وكوارث الحروب والصراعات، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى الأمن والسلام، وإلى مزيد من العمل والتعاون في محاربة الإرهاب، ولا سيما في مواجهة عصابات داعش، التي تهدف الى تمزيق المنطقة والعالم وإغراقهما بالفتن والدماء”.
فيما عبّر سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي عن أمله بأن “يحقق هذا الاتفاق مزيدا من التعاون الاقتصادي والتجاري، ومنح الشعوب فرصتها للعيش بسلام وأمان، والنظر الى المستقبل بتفاؤل وأمل عبر التعامل مع الملفات العالقة بطريقة الحوار البناء من أجل إنهاء كافة المشاكل العالقة”.
صحيفة العرب اللندنية