عادة ما يُعتبر افتتاح اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وحضور الرئيس الأمريكي هناك فرصةً لطرح جدول أعمال عالمي من خلال إلقاء الرئيس خطاب رئيسي وعقد اجتماعات تلقي الضوء على أولويات الإدارة الأمريكية. وبعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، استخدم الرئيس بوش حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لحث المجتمع الدولي على التعامل بجدية مع تهديد الإرهاب. (تأخر افتتاح اجتماعات الجمعية العامة في ذلك العام حتى تشرين الثاني/نوفمبر بسبب أحداث 11 أيلول/سبتمبر).
وفي الخطاب الأول الذي ألقاه الرئيس أوباما في الأمم المتحدة ركّز على مكافحة انتشار الأسلحة النووية وتغير المناخ، وهما مسألتان ساعدتا في تحديد معالم رئاسته وتتوجتا في الاتفاق النووي مع إيران («خطة العمل الشاملة المشتركة») و”اتفاق باريس للمناخ”. وقبل عامَين، طرح الرئيس ترامب مبادئه القائمة على فكرة “أمريكا أولاً” من على منصة الجمعية العامة، معلناً أنه “لم يعد بالإمكان استغلال الولايات المتحدة أو إبرام اتفاق أحادي الجانب لا تحصل بموجبه الولايات المتحدة على شيء في المقابل”. واستمر في تهديد “رجل الصواريخ الصغير” في كوريا الشمالية، وشكك في إمكانية بقاء النظام الإيراني.
وهذا العام، سيترقّب العالم – والأسواق العالمية – بفارغ الصبر ما سيقوله الرئيس ترامب حول إيران وكيف تعتزم الولايات المتحدة الردّ على التوترات المتصاعدة في الخليج العربي. وفي أيار/مايو، بدأت إيران في تعطيل ناقلات النفط واعتراضها وأسقطت طائرة أمريكية بدون طيار في 20 حزيران/يونيو. وفي الآونة الأخيرة، كانت إيران مسؤولة عن الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات بدون طيار على حقل نفطي سعودي ومنشأة نفط رئيسية في بقيق في 14 أيلول/سبتمبر.
ومن المفارقات أن ترامب أمضى الفترة التي تسبق أسبوع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في بناء تكهنات حول ما إذا كان سيلتقي بالرئيس الإيراني حسن روحاني. وسيتمثل السؤال الآن حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستردّ على استفزازات إيران وكيف ستقوم بذلك، وهي الاستفزازات التي جوبهت بردّ أمريكي محدود وليس فرض المزيد من العقوبات – مما يضيف إلى ما يُسمّى بحملة “الضغط الأقصى” التي تتبعها الولايات المتحدة.
وفي أعقاب الهجوم على السعودية، غرّد ترامب قائلاً بأن الولايات المتحدة “على أهبة الاستعداد” ولكنه سينتظر سماع ما سيقوله السعوديون “حول الجهة التي تقف برأيهم وراء هذا الهجوم، وبأي شروط سنمضي قدماً”. وقد أشار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مباشرة إلى إيران، مغرداً بأن “إيران شنّت الآن هجوماً غير مسبوق على إمدادات الطاقة في العالم”. وحتى الآن، أعلن السعوديون أن الطائرات بدون طيار والصواريخ المستخدمة في الهجوم كانت إيرانية، ولكنهم لم يجزموا بأن إيران هي من نفّذت الهجوم، ملمّحين إلى احتمال أن يكون أحد وكلائها قد شنّ الهجوم في محاولة لتخفيف الضغوط على أنفسهم للردّ على إيران عسكرياً.
ورغم الحب الذي يكنّه الرئيس ترامب للتحميس الدرامي، إلا أنه من غير المرجح أن يستخدم منصة الجمعية العامة ليقوم بأمر يشبه ما فعله أدلاي ستيفنسون (حين عرض صوراً لمواقع الصواريخ السوفيتية في كوبا أمام العالم). فمن جهة، قد يربط هذا الأمر الرئيس الأمريكي بردٍّ عسكري أو يجعل موقفه يبدو ضعيفاً إذا انسحب دون أي تنازلات إيرانية واضحة. لكن من المرجح إلى حدٍّ كبير أن يطلق ترامب تهديدات، كما فعل مع كوريا الشمالية في عام 2017، ويقدّم مخرجاً مبهماً: “إذا أُرغمت الولايات المتحدة على الدفاع عن نفسها أو عن حلفائها، فلن يكون أمامنا خيار آخر سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل… إنّ الولايات المتحدة مستعدة وراغبة وقادرة على ذلك، لكن نأمل ألا يكون هذا الأمر ضرورياً”. ومنذ ذلك الحين، اجتمع ترامب مرتين مع كيم جونغ أون، بينما تواصل كوريا الشمالية تجاربها الصاروخية.
وقد ينتهي المطاف بتحدّث ترامب بنبرة عالية من دون أي تهديد فعلي، وخاصة لأن الرئيس الأمريكي لا يرغب في خوض حرب، لا سيما وأنه على وشك الدخول في عام الانتخابات. لكن ثمة حسناتٌ لتبجحه طالما يعتقد حلفاء أمريكا في أوروبا أن الولايات المتحدة قد ترد فعلياً على إيران باستخدامها وسائل سرية أو متناسبة مع الخطر. وقد ساهم التهديد باستخدام القوة من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد البرنامج النووي الإيراني في إرغام الأوروبيين وغيرهم على فرض عقوبات مالية دفعت بإيران في النهاية إلى طاولة المفاوضات في عام 2014. ينبغي على الأوروبيين أيضاً أن يشعروا بالقلق من الوقاحة في تصرفات إيران وإمكانية حدوث اضطرابات كبيرة في سوق النفط في المستقبل.
ومن الناحية التقليدية، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو مَن يضخّم التهديد باستخدام القوة ضد إيران، حيث استخدم مشاركاته السنوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة لتسليط الضوء على برنامج إيران النووي وغيره من تصرفاتها المهدِّدة. غير أن نتنياهو لن يحضر إلى نيويورك هذا العام بسبب تركيزه على مفاوضات تشكيل الائتلاف في بلاده حيث يواجه معركة شاقة للبقاء في منصبه. وحتى إن لم يكن نتنياهو في مركز القيادة، من المرجح أن تتواصل الهجمات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية في سوريا، ومؤخراً في العراق، في ظل حكم أي رئيس وزراء إسرائيلي. وهناك دائماً احتمال في أن يثأر «حزب الله» إذا أودت تلك الهجمات بحياة عدد كبير من عملاء «فيلق القدس» الإيراني، مما قد يؤدي إلى نشوب حربٌ إقليمية أوسع.
من هنا، يتعين على ترامب وفريقه استغلال أسبوع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة لبناء تحالف يدين السلوك الإيراني، ويكون مستعداً لاتخاذ خطوات ضد إيران، بشكل متناسب بل مباشر، إذا شنت طهران هجوماً آخر يمكن تقفّي أثره ضد ناقلة نفط أو أراضٍ أجنبية. يجب أن يكون المجتمع الدولي مستعداً للقيام بذلك ليس انطلاقاً من حبه الكبير للسعودية أو لولي العهد محمد بن سلمان، بل لمنع ممارسة إيران المزيد من الإرهاب والأعمال العدائية في المنطقة.
يجب أن تصبح حملة “الضغط الأقصى” الأحادية الجانب ضد إيران حملةً متعددة الجوانب، على أن تُعطى إيران متنفساً كبديل عن رعاية الإرهاب وإطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار واستهداف السعودية. وقد يكون هذا المتنفس هو الوعد بتخفيف محدود للعقوبات أو إعادة تطبيق الإعفاءات على بعض مبيعات النفط مقابل وقف نشاطها الإرهابي في منطقة الخليج بشكلٍ يمكن التحقق منه.
قد يقلل ترامب من قيمة الحلفاء – ويعتبر أنهم لا يدفعون ثمناً مناسباً للحفاظ على أمن أمريكا أو أسواقها – لكنه بحاجة إلى شركاء دوليين أكثر من أي وقت مضى من أجل فك التصعيد الذي يشهده الصراع مع إيران. يجب أن يستخدم خطابه في الأمم المتحدة واجتماعاته في نيويورك لتقديم عروض مناسبة للشركاء الأوروبيين التقليديين للولايات المتحدة والسعي إلى الحصول على تعاونهم إذا ما أراد وضع الأساس لـ “اتفاق أفضل” مع إيران في المستقبل يتناول برنامجها النووي وأنشطتها الإرهابية.
معهد واشنطن