تواجه مخططات هندسة المناخ، والتي تعنى بإدارة الإشعاعات الشمسية للحفاظ على برودة الأرض وتهدف إلى مكافحة الاحتباس الحراري، الكثير من الجدل. إذ يرى البعض أنها قد تكون ذات خطورة كبيرة، في حين يتجه علماء يدعمون البحوث المتعلقة بالهندسة الجيولوجية الشمسية إلى الدبلوماسية لتعزيز عملهم.
أوسلو – في 1965 حث المستشارون العلميون للرئيس الأميركي ليندون جونسون على إجراء بحث في انعكاس ضوء الشمس للحفاظ على برودة الأرض وسط توقعات تنذر بتراكم غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي نتيجة حرق الوقود الأحفوري.
وبعد ستة عقود تقريبا، لم تحرز الأبحاث تقدما كبيرا، فهي تجتذب أقل من 1 في المئة من ميزانيات علوم المناخ، وسط مخاوف من أن العبث بالثرموستات العالمي يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير متوقعة ويصرف الانتباه عن الحاجة الملحة لإجراء تخفيضات كبيرة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
لكن الحكومات تواجه خيارات أكثر صرامة من أي وقت مضى حيث يزحف الاحترار العالمي نحو 1.5 درجة مئوية وهي العتبة المحددة في اتفاقية باريس لسنة 2015، التي وافقت عليها حوالي 200 دولة، لتجنب المزيد من الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات وذوبان الجليد.
منتدى باريس يُعين لجنة للنظر في الهندسة الجيولوجية الشمسية وطرق استخراج الكربون من الهواء وخيارات أخرى
وتتصاعد هذه التأثيرات بالفعل مع درجات حرارة تتجاوز الآن 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وفي العام الماضي أجبرت معارضة الشعوب الأصلية على إلغاء اختبار خارجي رفيع المستوى لتكنولوجيا الهندسة الجيولوجية الشمسية أجرته جامعة هارفارد.
وصُمّمت رحلة المنطاد المخططة فوق السويد كخطوة أولى نحو إطلاق جزيئات عاكسة صغيرة على ارتفاع 20 كم في الغلاف الجوي، لمعرفة ما إذا كان يمكن أن تشكل ضبابا كوكبيا يحاكي ثورانا بركانيا.
ويمكن للانفجارات الكبرى (مثل ثوران جبل بيناتوبو في الفلبين عام 1991) أن تخفض درجات الحرارة العالمية لأكثر من عام.
ويتجه داعمو البحث في مخاطر وفوائد الهندسة الجيولوجية الشمسية إلى الدبلوماسية لتعزيز عملهم.
وقال ديفيد كيث أستاذ الفيزياء التطبيقية في كلية هارفارد للهندسة والعلوم التطبيقية، الذي شارك في مشروع البالون المعروف باسم سكوبإكس، “ليس هناك شك في أنه في المعركة العامة، إذا كانت هارفارد ضد الشعوب الأصلية، فلا يمكننا المضي قدما. هذا هو الواقع”.
وكانت جامعة هارفارد تدرس مواقع إطلاق بديلة، وقال كيث “يمكننا أيضا إنهاء المشروع. نحن حقا لا نعرف”.
أرسل لارسون – بليند نائب رئيس مجلس الساميين (اللابيين) لرعاة الرنة، الذي قاد معارضة الاختبار، خطابا مفتوحا إلى جامعة هارفارد في يونيو يحث فيه على إنهاء المشروع.
وقالت المجموعة إنه ينتهك مبادئ الشعوب الأصلية في العيش في وئام مع الطبيعة، مضيفة “لم نسمع أي رد حتى الآن”.
وقال جانوس بازستور المدير التنفيذي لمبادرة إدارة المناخ في كارنيغي إن تركيز جهود أبحاث الهندسة الجيولوجية الشمسية يتحول إلى كسب دعم أوسع لهم.
وقال إنه يشك في أنه ستكون هناك أي تجارب خارجية في الغلاف الجوي العلوي هذا العام.
وأضاف “هناك عمل دبلوماسي وراء الكواليس، لا ترى الكثير من هذا على تويتر”.
ويتمثل أحد أهداف الدفع في مناقشة الهندسة الجيولوجية الشمسية لأول مرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي أعلى هيئة لصنع السياسات في الأمم المتحدة، في جلسة تبدأ في سبتمبر 2023.
وقال بازستور إن مخاطر الهندسة الجيولوجية (مثل الانحراف المحتمل لأنماط الطقس العالمية والأمطار الموسمية) يجب الحكم عليها في ضوء تأثيرات التغير المناخي التي تزداد سوءا.
وتساءل “هل أن مخاطر عالم أكثر دفئا أسوأ من مخاطر الهندسة الجيولوجية؟”.
وهذا سؤال من المتوقع أن يبرز على الأجندة الدبلوماسية العالمية.
يخطط منتدى باريس للسلام، وهو مجموعة غير حكومية، لتعيين لجنة من قادة حكوميين سابقين في الأسابيع المقبلة للنظر في الخيارات إذا تجاوزت درجات الحرارة العالمية أهداف اتفاقية باريس.
وستتكون “اللجنة العالمية المعنية بالمخاطر الحاكمة من التجاوزات المناخية”، التي يرأسها باسكال لامي الرئيس السابق لمنظمة التجارة العالمية، من 12 إلى 15 عضوا وتقدم تقريرها في أواخر العام المقبل.
وقال أدريان آبيكاسيس منسق العمل في منتدى باريس للسلام إن اللجنة ستنظر في كل من الهندسة الجيولوجية الشمسية وطرق استخراج الكربون من الهواء إلى جانب خيارات مثل المزيد من تمويل المناخ لمساعدة الدول النامية على التكيف مع تغير المناخ.
وتدرس سويسرا أيضا تقديم قرار إلى جمعية البيئة التابعة للأمم المتحدة التي من المحتمل أن تجتمع في أبريل، للسعي للنظر على مستوى الأمم المتحدة في تقنيات وتدابير تغيير المناخ.
وقال فيليكس فيرتلي رئيس قسم الشؤون العالمية في المكتب الفدرالي السويسري للبيئة، عبر البريد الإلكتروني إن “سويسرا ترى أن تقريرا موثوقا من منظومة الأمم المتحدة هو المفتاح لتمكين نقاش مستنير حول إدارة الكوارث الطبيعية وحوكمتها”.
وسحبت سويسرا، بدعم من 10 دول أخرى، قرارا مشابها في جمعية البيئة التابعة للأمم المتحدة في 2019 بعد أن فشلت في الحصول على دعم كاف.
يقول بعض العلماء البارزين المعارضين للهندسة الجيولوجية إنه لا توجد حاجة لدفع النظر في مثل هذه التقنيات كطريقة لمعالجة تغير المناخ الجامح.
وكتب فرانك بيرمان من جامعة أوتريخت في مجلة نيتشر العام الماضي نيابة عن 17 عالما، بعد أن طالبت المجلة بالمزيد من البحث “من الخطر تطبيع أبحاث الهندسة الجيولوجية الشمسية”.
وبدلا من ذلك، قال إن “هناك حاجة إلى وقف عالمي”.
وأطلق بيرمان وأكثر من 60 من علماء المناخ وخبراء الحوكمة نداء من أجل “اتفاقية دولية لعدم استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية”، تهدف إلى وقف تطوير ونشر التكنولوجيا.
وجادلوا بأن الاقتصادات التي تعمل على إزالة الكربون يجب أن تكون هي الأولوية العالمية، واصفين الهندسة الجيولوجية الشمسية بأنها ليست أخلاقية ولا قابلة للحكم سياسيا.
وقالت ليلي فور رئيسة السياسة البيئية الدولية في مؤسسة هاينريش بيل الألمانية، التي تعارض أبحاث الهندسة الجيولوجية، إن “أي مرحلة تالية من البحث ستنزلق بشكل أساسي إلى منحدر زلق نحو الانتشار. نحن نعرف ما يكفي عن مخاطره بحيث لا يمكننا استخدامه أبدا”.
وفي هذا العام أيضا من المتوقع أن تقدم اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة تحديثا علميا لأبحاث الهندسة الجيولوجية كجزء من تقرير من المقرر إصداره في أوائل أبريل حول طرق مكافحة تغير المناخ.
يتزايد أيضا بحث العلماء في الدول النامية عن خيارات الهندسة الجيولوجية من قبل.
وتشمل المشاريع التي تُنجز في إطار صندوق يعرف باسم ديسيمالز كيف يمكن أن تؤثر “إدارة الإشعاع الشمسي” (وهو مصطلح آخر للهندسة الجيولوجية الشمسية) على معدلات الإصابة بالملاريا في بنغلاديش والعواصف الترابية في الشرق الأوسط.
ويبحث فريق بقيادة إيناس كاميلوني من جامعة بوينس آيرس في كيفية تأثير الإشعاع الشمسي على هطول الأمطار في حوض نهر لابلاتا في أميركا الجنوبية، موطن 160 مليون شخص.
وقالت “إن أحد المجالات الرئيسية للقلق هو عدم كفاية المعرفة حول التأثيرات المحتملة على المستوى الإقليمي وبهذا المعنى هناك حاجة إلى المزيد من البحث”.
وقال آندي باركر الذي يرأس مبادرة الدرجات والذي ساعد في إنشاء مشروع الكسور العشرية، إن البحث في تأثير الإشعاع الشمسي في البلدان النامية “يمكن أن يكون مرغوبا فيه”.
وأطلِقت مبادرة دغريز، وهي مجموعة غير ربحية في المملكة المتحدة، في عام 2010 في إطار شراكة بين الجمعية الملكية في المملكة المتحدة والأكاديمية العالمية للعلوم ومقرها إيطاليا وصندوق الدفاع عن البيئة الأميركي.
وتقول إنها تريد مساعدة الدول النامية في تقييم “التكنولوجيا المثيرة للجدل” المرتبطة بتأثير الإشعاع الشمسي.
وقال باركر إنه في ستينات القرن الماضي لم يكن لدى مستشاري الرئيس جونسون العلميين سوى القليل من الدلائل بأن الاحترار العالمي سيصبح شديدا للغاية في القرن الحادي والعشرين.
وتوقع أن عتبة 1.5 درجة مئوية التي تلوح في الأفق ستجبر الناس على مواجهة ما أسماه “السؤال الكبير: ما هي خياراتنا إذا ثبت أن تخفيضات الانبعاثات غير كافية؟”.
العرب