القوات العراقية تواجه ثورة الشباب بالرصاص الحي

القوات العراقية تواجه ثورة الشباب بالرصاص الحي

بغداد – تجددت الاحتجاجات في العاصمة العراقية بغداد وبعض المدن في جنوب البلاد، رغم الاستنفار الأمني الكثيف للقوات الأمنية، وقطع جزئي لخدمة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وإغلاق بعض الطرق العامة.

وتحرك المحتجون في مجموعات صغيرة، لإغلاق التقاطعات والطرق الرئيسية في مركز وأطراف العاصمة. كما أغلقوا أحياء الكمالية والزعفرانية والشعب وطريق ديالى وطريق المطار والكاظمية وشارع الربيع.

وقاد الرد الحكومي العنيف إلى سقوط سبعة قتلى بينهم شرطي خلال يومين، وسط تقارير عن اشتباكات بالأسلحة اندلعت بين المحتجين وقوات الأمن في الناصرية، حيث قتل محتجان بالمدينة.

وأصيب العشرات من المحتجين خلال هذه التظاهرات بينهم متظاهر أصيب بطلق ناري في النجف، حيث حاول المئات من المتظاهرين الغاضبين اقتحام مقر محافظتها.

ودخل الجيش على خط الأزمة، معززا انتشاره في مناطق عديدة من بغداد، معلنا حالة الإنذار القصوى “ج” في مواجهة الاحتجاجات بعد عجز القوات الحكومية عن السيطرة ووقف تقدم المحتجين.

وحث النائب أحمد الجبوري عن الموصل الرئيس العراقي برهم صالح على الدعوة إلى جلسة طارئة في البرلمان لمناقشة الأوضاع، مطالبا بإقالة حكومة عادل عبدالمهدي.

وتقدمت العشرات من النساء المتظاهرين، في محاولة منهم للحفاظ على سلمية التظاهرة لاسيما، في ساحتي الأندلس والخلاني، فيما اتسعت التظاهرات لتشمل أحياء الأعظمية وشارع القناة وجسر ديالى والنعيرية والزعفرانية.

ولم يمنع استخدام القوات الأمنية للرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، من خروج تظاهرة كبيرة غداة سقوط خمسة قتلى والعشرات من الجرحى.

وتجمعت العشرات من النساء في محافظة النجف في تظاهرة تلقائية مساندة للمحتجين في بغداد، فيما ذكرت مصادر أن المظاهرات انطلقت في محافظات الناصرية والسماوة وديالى وواسط والحلة وكركوك والديوانية وبابل في ظل انتشار غير مسبوق للقوات العراقية.

وفي البصرة كبرى المدن الجنوبية، رفع متظاهرون دعوات إلى إسقاط النظام.

ورافق هذه المظاهرات إحراق الإطارات وتصاعد سحب سوداء في سماء هذه المناطق والمدن، ما دفع الحكومة المركزية إلى مطالبة المحافظين بالامتناع عن منح التراخيص للتظاهرات، وذلك بعد اجتماع عقده مجلس الأمن الوطني بحضور رئيس الوزراء.

وأكد المجلس في بيان له ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة وتسخير الجهود الحكومية لتلبية المتطلبات المشروعة للمتظاهرين .

ولليوم الثاني على التوالي، تستمر الاحتجاجات الغاضبة في العراق، ضد فساد الطبقة السياسية، والبطالة، وسوء الإدارة، ونقص الخدمات، لكنها جوبهت بعنف حكومي غير مسبوق، أوقع قتلى ومصابين في صفوف المتظاهرين.

وتميز موسم الاحتجاج الجديد في العراق، بخروجه عن المألوف في أمرين، إذ لم يرتبط كالعادة بشهور الصيف الحارة، حيث يتدنى عادة معدل تجهيز السكان بالكهرباء، متسببا في غضب شعبي واسع يدفع الناس إلى الشوارع، ولم يستند إلى أي رافعة حزبية أو سياسية، بل جاء عفويا بشكل كامل.

وكان نشطاء مستقلون أطلقوا دعوات للتظاهر خلال الشهور الماضية، محددين مطلع أكتوبر موعدا لها، وهو ما تحقق فعلا، في تطور فاجأ القوى التي عرفت بقيادة الأنشطة الاحتجاجية خلال الأعوام الماضية، مثل التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، والتيار المدني، الذي يحتل الحزب الشيوعي العراقي موقعا قياديا فيه.

وبرغم أن الصدر دعا الرئاسات العراقية الثلاث، البرلمان والجمهورية والحكومة، إلى “فتح تحقيق عادل” في أسباب سقوط قتلى ومصابين خلال الاحتجاجات، إلا أنه لم يحدد موقفا منها، ما فتح الباب أمام أنصاره للالتحاق بها، من دون أن يلعبوا دورا قياديا فيها.

ومع أن استقلالية التظاهرات الحالية عن الأحزاب السياسية منحتها انتشارا أوسع، إلا أنها في الوقت نفسه، شكلت مدخلا مثاليا لضربها، إذ استغلت الحكومة غياب الغطاء السياسي عن حركة الاحتجاج الجديدة لقمعها بقسوة.

ولأول مرة، توصف حركة احتجاج في العراق بأنها بلا آباء سياسيين، ما منحها زخما كبيرا، ترجم إلى خشية شديدة في أوساط الطبقة السياسية والمسؤولين.

وتنوعت الشعارات التي رفعها المتظاهرون بين المطالبة بإسقاط النظام السياسي الحاكم كله، وعزل رئيس الوزراء المتهم بقتل المتظاهرين، فضلا عن الاحتجاج على شيوع البطالة في أوساط حملة الشهادات، والفساد المتفشي في المؤسسات الحكومية.

وخلال يومين لاحقت قوات الأمن المتظاهرين في أزقة بغداد وشوارعها الرئيسية، مستخدمة الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريقهم، فيما اعتقلت عددا من الصحافيين لساعات، وحطمت الأجهزة التي كانوا يحملونها.

وحاول رئيس الوزراء العراقي تهدئة الأوضاع من خلال الإشارة إلى أن الحكومة لا تفرق بين المتظاهرين وعناصر القوى الأمنية، لكنه ذهب إلى الحديث عن مندسين، وهي عبارة أغضبت المحتجين.

وروجت أطراف سياسية عديدة لفكرة أن التظاهرات، تقف خلفها جهات بعثية أو على صلة بتنظيم داعش، فضلا عن اتهام المحتجين بالتبعية لرجل الدين الشيعي، محمود الحسني الصرخي، المناوئ لجميع الأحزاب الشيعية التقليدية.

لكن هذه التهم جوبهت بسخرية واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ نشر مدونون صورا لمحتجين من الشيوخ والنساء والشبان غير المسيّسين، وتساءلوا إن كان هؤلاء ليسوا شيعة، مستهزئين باتهامهم بالعمالة للبعث أو غيره.

ويقول المعلق السياسي المستقل إبراهيم الصميدعي إن الطبقة السياسية لم يعد بإمكانها شيطنة المحتجين عبر اتهامهم بالصلة مع البعث، “فقد انتهى البعث، ولا وجود لإرهابيين فقد كسرت شوكة الإرهاب، ولا سنة يريدون استعادة السلطة تحت ستار التظاهرات، ولا حتى صدريين يريدون الضغط بجماهيرهم لكي يلووا أذرع حكوماتكم”، مشيرا إلى أن المتظاهرين هم “شباب الشيعة الذين دافعوا عن نظام سياسي خذلهم ودافعوا عن وطن لم يكن لهم من خيره نصيب”.

ونصح الصميدعي “شيعة السلطة” بعدم الخوض بدماء أولادهم.

من جهتها، قالت السفارة الأميركية في بغداد إنها “تأسف” لـ”استخدام العنف” خلال الاحتجاجات، ودعت إلى “تخفيف حدة التوتر”.

وأوضحت السفارة أنها تواصل “مراقبتها عن كثب للاحتجاجات الأخيرة”، مشيرة إلى أن “التظاهر السلمي هو حق أساسي في جميع الأنظمة الديمقراطية ولكن لا مجال للعنف في التظاهرات من قبل أي من الأطراف”.

ويقول مراقبون إن حركة الاحتجاج العراقية المستقلة توفر فرصا للعديد من الأطراف للضغط على الحكومة، وفي مقدمتها ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، إذ سبق لهما أن أعلنا ذهابهما نحو خانة المعارضة.

وتوقع الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف استمرار التظاهر في مقابل استمرار أعمال العنف من قبل الأجهزة الأمنية، الأمر الذي قد يؤدي إلى سقوط حكومة عبدالمهدي، وهو ما تفكر فيه الطبقة السياسية المهيمنة حلا لمشكلاتها.

وقال يوسف في تصريح لـ”العرب” إنه بعيدا عن المآلات السياسية لحركة الاحتجاج، فإن البعد الاجتماعي والخدمي الذي تميزت به مطالب حركة الاحتجاج هذه المرة من خلال عدم استنادها إلى أي نوع من التمثيل الحزبي أو النقابي يشير إلى نقلة مهمة في الوعي السياسي لدى فئات مهملة ومهمشة ومغيبة من الشباب العراقي الذين يعانون من مشكلات تأكدوا أن النظام السياسي القائم لن يجد لها حلولا وفي مقدمتها مشكلة البطالة والفقر.

واستبعد يوسف أن يشكل سقوط حكومة عبدالمهدي نهاية لحركة الاحتجاج، مشددا على أن ما صار جليا بالنسبة إلى الجزء الأكبر من الشعب العراقي هو أن أي حكومة تنبثق من النظام السياسي القائم ستكون عاجزة عن تفكيك ماكنة الفساد وإلغاء قوانين “التمييز” التي منحت فئات حزبية محددة امتيازات هي أساس الانهيار الاقتصادي الذي يقف حائلا دون الالتفات إلى مشكلات الشباب وطموحاتهم.

العرب