تواصل تركيا الإعراب عن خيبة أملها من مستوى تعاون الولايات المتحدة معها في إقامة “المنطقة الآمنة” في شمالي سورية، ملوحة مجدداً بالتحرك الأحادي في حال تبين لها أن واشنطن تماطل في إقامة هذه المنطقة. وأرفقت تركيا تهديداتها بمزيد من التحركات على الأرض، وإرسال التعزيزات العسكرية إلى المنطقة الحدودية المقابلة للمنطقة المزمع إقامتها.
وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، في مقابلة تلفزيونية، إن بلاده “لم تر جدية من جانب الولايات المتحدة، وباتت على قناعة بأن هذه العملية الجارية مع الولايات المتحدة لن تأخذنا إلى النقطة التي نريد الوصول إليها. المعلومات الواردة من الميدان تثبت ذلك”. من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن جهود إقامة “المنطقة الآمنة” مع الولايات المتحدة ستتوقف، في حال تبين لأنقرة وجود مماطلة، مشدداً لنظيره الأميركي مارك إسبر، خلال اتصال هاتفي بينهما، على استعداد بلاده لكل الاحتمالات. وحسب بيان لوزارة الدفاع التركية، فإن أكار أكد ضرورة “إقامة منطقة آمنة خالية من الأسلحة الثقيلة والإرهابيين على طول الحدود، بعمق 30 كيلومتراً شرقي الفرات”. كما طالب الوزير التركي نظيره الأميركي بالتوقف عن دعم “وحدات حماية الشعب” الكردية، التي تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً وذراعاً لحزب “العمال الكردستاني” المحظور في تركيا.
”
اعتبر أكار أن جهود إقامة المنطقة الآمنة مع الولايات المتحدة ستتوقف في حال تبين لأنقرة وجود مماطلة
”
واتفقت أنقرة وواشنطن، في أغسطس/ آب الماضي، على إقامة “منطقة آمنة” على الحدود السورية مع تركيا، والتي ترغب أنقرة في أن تصل إلى عمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وأن يخرج منها المقاتلون الأكراد بغية توطين ما بين مليونين وثلاثة ملايين لاجئ سوري في المنطقة. لكنها لوّحت مراراً بعمل عسكري من جانب واحد إذا لم تصل الجهود مع الولايات المتحدة إلى مستوى توقعاتها، أو إذا تعثرت العملية. وقامت القوات الأميركية والتركية حتى الآن بـ6 طلعات جوية مشتركة فوق شمال شرق سورية و3 دوريات برية في إطار هذا الاتفاق.
من جهتها، اتهمت “الإدارة الذاتية”، التي تدير المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية، روسيا بتحريض تركيا على الهجوم على مناطق سيطرتها. وقال المتحدث الرسمي باسم “الإدارة الذاتية” لقمان أحمي، في تصريحات لوكالة “هاوار” المحلية، إن “روسيا، من خلال تصريحاتها، لا تريد الحل السلمي للأزمة السورية، وتريد إبقاء الوضع على ما هو عليه لتتمكن من الاستمرار في التدخل بالشأن السوري، وتُبقي قواتها العسكرية، ما يُمكّنها من السيطرة على القرار السياسي في سورية”. وأضاف أحمي أن “اتفاقية أمن الحدود (بين واشنطن وأنقرة) وقفت سداً أمام أحلام روسيا بأن يكون هناك هجوم تركي على الأراضي السورية لخلط الأوراق، وخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لتدخل روسيا وإيران والنظام إلى المنطقة كما يحلمون ويروجون لذلك”.
وجاءت تصريحات أحمي رداً على تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حول عمل بلاده على اتفاق بين النظام السوري والجانب التركي حول ترتيبات المنطقة الحدودية. وقال لافروف، في منتدى “فالداي” للحوار الاستراتيجي في مدينة سوتشي، إن “موسكو تعمل لإبقاء هذا الملف موضع تفاعل بين سورية وتركيا. كما أعتقد أن الطرفين قد يتفقان على ذلك، وسوف نساهم في التوصل إلى ذلك بكل الطرق الممكنة”. وكان النظام السوري قد رفض التفاهمات الأميركية – التركية حول “المنطقة الآمنة”، واعتبرها “اعتداءً على سيادة سورية”.
وتحذر واشنطن باستمرار من عواقب أي تحرك عسكري تركي لإقامة “المنطقة الآمنة” بشكل منفرد. وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أول من أمس الخميس، عن مسؤولين أميركيين تخوفهم من “توغل تركي كبير” في شمالي سورية، وهو إجراء من شأنه أن يدفع إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى سحب القوات الأميركية من المنطقة. وقال هؤلاء المسؤولون، بحسب الصحيفة، إنهم لاحظوا هذا الأسبوع أدلة متزايدة على أن تركيا تستعد لإدخال قوات إلى شمال شرقي سورية، وهي خطوة قد تُعرض القوة الأميركية المتبقية هناك للخطر. ونقلت عن أحد المسؤولين قوله “يمكن أن تختار تركيا إدخال عدد صغير من القوات، ما قد يؤدي إلى رد فعل كردي محدود، لكن في حال نفذت تركيا عملية توغل واسعة النطاق، باستخدام الأسلحة الثقيلة والقوات، فقد لا يكون أمام الولايات المتحدة خيار سوى سحب قواتها، البالغ عددها أكثر من ألف جندي، من سورية، لتفادي أي صراع محتمل مع أحد حلفاء الناتو”، مضيفاً أنه ستكون لذلك عواقب ضارة بشأن الموثوقية الأميركية لشركاء الولايات المتحدة الحاليين والمحتملين الآخرين في جميع أنحاء العالم.
”
اتهمت “الإدارة الذاتية” روسيا بتحريض تركيا على الهجوم على مناطق سيطرتها
”
وعلى الرغم من أجواء عدم الثقة هذه بين واشنطن وأنقرة، فقد سيّر الجانبان، أمس الجمعة، الدورية البرية الثالثة المشتركة في مناطق شرق الفرات بموجب الاتفاق بينهما حول “المنطقة الآمنة”. وذكرت وزارة الدفاع التركية، في بيان أمس، أن عسكريين أتراكاً وأميركيين سيّروا الدورية البرية الثالثة في المنطقة الواقعة شرق مدينة تل أبيض، على الحدود الشمالية لسورية، بالتزامن مع تحليق لطيران من دون طيار في أجواء شمالي سورية. وفي الوقت نفسه، أرسل الجيش التركي تعزيزات دفاعية جديدة تضم كتلاً إسمنتية إلى قواته المنتشرة على الحدود الجنوبية مع سورية. وذكرت وكالة “الأناضول”، الخميس الماضي، أن التعزيزات وصلت إلى منطقة الريحانية التابعة لولاية هاتاي قبالة منطقة عفرين قرب حلب، شمالي سورية، وتضم 21 شاحنة محملة بالكتل الإسمنتية، تزن الكتلة الواحدة 11 طناً، فيما يبلغ طولها 4 أمتار. وتواصل تركيا إرسال تعزيزات عسكرية ولوجستية إلى قواتها المنتشرة على طول الحدود السورية، لا سميا قبالة مناطق سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، شمالي شرقي سورية. من جهته، أرسل التحالف الدولي، ليل الخميس – الجمعة، تعزيزات عسكرية جديدة إلى قاعدته العسكرية في بلدة عين عيسى، شمال مدينة الرقة، شمالي شرقي سورية. وقالت مصادر محلية إن التعزيزات تشمل 25 شاحنة محملة بأسلحة ومعدات عسكرية دخلت إلى قاعدة التحالف في بلدة عين عيسى، قادمة من قاعدته في منطقة تل بيدر بمحافظة الحسكة المجاورة، من دون معرفة سبب إرسال هذه التعزيزات.