ندد وزراء خارجية عرب في اجتماع طارئ عقدوه السبت الماضي في العاصمة المصرية القاهرة بـ«العدوان التركي» على الأراضي السورية وطالب عدد منهم، كوزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم، ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، بإعادة مقعد نظام الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجامعة.
بسرعته في الانعقاد، وبحدّة الخطابات التي ألقيت فيه، وبالحديث عن السيادة السورية المنتهكة، وصولا إلى اتخاذه منصّة لتبرئة النظام السوري من المسؤولية عن الوضع الذي آلت إليه البلاد، والتمحور الهجومي ضد تركيا، يفتح اجتماع الجامعة العربية الكثير من الأسئلة السياسية المزعجة.
تفترض السرعة الكبيرة التي عقد خلالها الاجتماع، أن الدول الداعية إليه ترفل في نعيم السيادة هي نفسها (ولا ضرورة بالطبع أن نسائلها عن غياب الأمن والاستقرار والعدالة والتنمية في بلدانها) لا أن تكون الدولة المستضيفة، مصر، على سبيل المثال، لم تتعاف بعد من آثار المظاهرات والاحتجاجات المقموعة منذ 20 أيلول/سبتمبر، والتي خلّفت آلاف المعتقلين والمغيبين قسرياً (الذين كان آخر من سمعنا بهم الناشطة إسراء عبد الفتاح التي اختطفها الأمن المصريّ بطريقة جيمس بونديّة أمس)، فيما تستمر عمليات البطش والإرهاب والترحيل في سيناء المنكوبة، ويستمر انتهاك سيادة ليبيا المجاورة عبر طرق التسليح المفتوحة لدعم الجنرال الدموي خليفة حفتر.
وبما أننا ذكرنا موضوع السيادة، فلا يمكننا أن نتجاهل دور الإمارات أيضاً في انتهاك السيادة الليبية والتآمر على حكومتها المعترف بها دوليا، وكذلك لعب دور الشريك ـ المضارب مع المملكة العربية السعودية في تهشيم السيادة اليمنية، واستهداف الحكومة الشرعية عبر تسليح وتمويل وقيادة الميليشيات الانفصالية في جنوب اليمن، وكذلك دعم ميليشيات خاصة لمواجهة حكومة هادي ولتنفيذ أجندات الاغتيال والاعتقال والتعذيب في مناطق أخرى من اليمن.
يجب التنويه أيضاً بالمفارقات التي يشكّلها الموقف السعودي الذي تعرّض مسؤولوه إلى أشكال من الإهانات البالغة لسيادتها هي نفسها من قبل إيران وحلفائها الحوثيين في اليمن، والتي كان آخر فصولها تعرّض موقعين لشركة أرامكو للقصف، مما أدى إلى تعطيل قرابة نصف إنتاج المملكة من النفط، وقبلها إلى أشكال عديدة من المهانة العسكرية والسياسية شارك فيها، بشكل ضمنيّ، حلفاؤها في أبو ظبي، الذين تفاوضوا مع إيران وأعلنوا، إرضاء لها، سحب قواتهم من اليمن، ثم غدروا بالرياض واستولت ميليشياتهم على عدن طاردة الحكومة الشرعية منها!
وما دام اللغو يدور حاليا حول «السيادة» المزعومة لدولة تحتل 7 دول أراضيها، وكان للسعودية والإمارات، منذ بدء الثورة على النظام السوري عام 2011 دور فاعل في التأثير على تلك السيادة عبر دعم أطراف من المعارضة السورية، وما دامت تركيا الآن هي موضع الهجوم القاسي ضمن صيغة «رفض الغزو»، فجدير بالذكر أن البرلمان التركي رفض عام 2003 فتح بلاده للقوات الأمريكية لغزو العراق بينما فتحت السعودية الباب لتدمير العراق وفتح الطريق للسيطرة الإيرانية الحاليّة عليه، وهو ما تحصد السعودية ودول الخليج آثاره الآن.
جدير بالذكر أيضاً أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، أقفلت الأبواب أمام هجرة اللاجئين السوريين إليها في الوقت الذي استقبلت فيه تركيا ثلاثة ملايين ونصف المليون منهم.
تفيد أيضا المقارنة، ما دام الأمر يتعلق بـ«غزو»، أن الرياض لم تفعل رغم مرور سنوات على دخولها حرب اليمن، سوى إضافة المزيد من الكوارث والمآسي والمصائب التي جعلت اليمن مثالا للدولة الفاشلة والمؤهلة لتكون الأكثر مرضا وفقرا بين بلدان العالم، وهو ما لا يمكن مقارنته أبدا (رغم الانتقادات المحقّة لبعض ممارسات فصائل المعارضة السورية والجيش التركي في المناطق التي يسيطر عليها شمال سوريا) بسيطرة الجيش التركي في محافظته على البنى التحتيّة للمدن والقرى التي يفتحها خلال قتاله منظمة يعتبرها الاتحاد الأوروبي و«حلف الأطلسي» إرهابية.
يفيد أيضا اقتباس آخر تصريح أطلقه السيناتور الأمريكي الجمهوري الشهير حول العملية التركية حيث قال إنها «ستخلق كابوسا لإسرائيل».
القدس العربي