من بين القرارات التي اتخذتها السلطات العراقية لاحتواء حركة الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، كان قرار البرلمان العراقي تجميد عمل مجالس المحافظات وإنهاء مجالس الأقضية والنواحي.
وصوت البرلمان في جلسة الثلثاء، 8 أكتوبر، من حيث المبدأ، على المضي بالإجراءات التشريعية لإنهاء أعمال مجالس المحافظات المنتخبة، إلا أن أعضاء تلك المجالس رفضوا القرار بحجة عدم دستوريته و”تشتيت الجهود الخدمية”.
خرق دستوري
واللافت أن الدستور العراقي لا يمنح البرلمان حق حل أو إنهاء أعمال مجالس منتخبة أخرى، على الرغم من أن مجالس المحافظات الحالية انتهت ولايتها القانونية في 2017، وبسبب خلاف الكتل على القانون الانتخابي والأوضاع الأمنية غير المستقرة في مناطق شمال البلاد وغربها وحالة التقشف المالي، تم تمديد عمل هذه المجالس خلافاً للدستور.
واليوم، وبعد إقرار القانون الانتخابي وتحديد أبريل (نيسان) 2020 موعداً لانتخابات مجالس المحافظات تحاول الكتل البرلمانية المعارضة وجود تلك المجالس تجميد أعمالها قبل الموعد المحدد.
ويقول رئيس لجنة الإعلام في مجلس محافظة بغداد رعد جبار الخميسي إن قرار تجميد عمل مجالس المحافظات يتعارض مع الدستور الدائم، وكذلك قانون المجالس المحلية الذي أقره البرلمان”. يضيف “لا فقرة أو إشارة في النصوص الدستورية وقانون المجالس المحلية إلى وجود صلاحيات تشريعية أو تنفيذية لتجميد عمل المجالس المحلية، بل يوجد نص صريح باستمرار عمل المجالس المحلية لحين إجراء انتخابات جديدة”.
شرعية القرار
ولعل انتهاء عمل المجالس المحلية في المحافظات العراقية منذ عام 2017، هو ما يمنح شرعية لقرار البرلمان بإنهاء حالة غير دستورية تتمثل في استمرار عمل مجالس منتهية الولاية، لا سيما أن البرلمان هو سبب تمديد عملها قبل أكثر من سنتين.
ويرى الخبير القانوني طارق حرب، أن “استمرار عمل مجالس المحافظات بعد تصويت البرلمان على تجميد عملهم مخالف للقانون، وأن جميع قرارات مجالس المحافظات في الوقت الحالي باطلة”.
ويؤكد حرب أن “بقاء أعضاء مجالس المحافظات واستمرارهم بالعمل أمر مخالف لقرار مجلس النواب الذي تم التصويت عليه بتجميد عملهم”. ويشير إلى أن “هناك مجالس قامت بعد تجميد عملها وقبول استقالة المحافظين وإقالتهم وصوتت على بعض الفقرات والمشاريع وهذا الأمر يعد باطلاً”.
قرار غير مؤثر
وبما أن جميع قرارات مجالس المحافظات غير قانونية في الوقت الحالي، ومن الممكن إن يُطعن بها أمام المحكمة الإدارية، فإن تلك المجالس لا تزال تمارس عملها بصورة اعتيادية ولم تتأثر بقرار السلطة التشريعية، حتى أن وزارة المال الاتحادية نفت، الأحد 13 أكتوبر، المعلومات المتداولة في الأوساط الإعلامية بشأن وجود قرار لقطع أو إيقاف رواتب أعضاء مجالس المحافظات.
وقال المكتب الإعلامي لنائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير المال فؤاد حسين، في بيان، إن “وزارة المال تنفي المعلومات المتداولة في الأوساط الإعلامية حول قطع أو إيقاف رواتب أعضاء مجالس المحافظات”.
أما المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، فاعتبرت أن “تصويت مجلس النواب على تجميد مجالس المحافظات، هو قضية ثانية، ليس لها أي علاقة بإجراء الانتخابات المحلية في (نيسان) أبريل 2020. فالتصويت على مجالس المحافظات، باعتبارها تجاوزت المدة القانونية ودخلت في السنة السابقة”.
وبينت أن “مفوضية الانتخابات مستمرة في استعداداتها لإجراء عملية انتخابات مجالس المحافظات في 1 أبريل 2020، ولا توجد إي مشكلة بعمل المفوضية ونحن مستمرون بإكمال الاستعداد ولا يوجد أي تغيير في موعد إجراء الانتخابات المحلية”.
مخرج قانوني
ولحل هذا الإشكال القانوني وتجنب اللجوء إلى المحاكم لحسم الخلاف حول قرار تجميد المجالس المحلية تقترح كتلة “الفتح” البرلمانية تعديل قانون الانتخابات الجديد بدلاً من قرار التجميد أو الإلغاء.
ويعتبر النائب عن “الفتح” عباس الزاملي أن “هناك تخريجة قانونية لتجميد وإنهاء عمل مجالس المحافظات، من خلال التعديل الأخير لقانون مجالس المحافظات لعام 2019”.
ويقترح “التركيز على قانون مجالس المحافظات وتعديله وقراءته قراءة أولى من أجل التمكن لإنهاء عملها في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، بدل الأول من مارس (آذار) 2020”.
ويؤكد الزاملي أن “موضوع وجود مجالس المحافظات من عدمها يحتاج إلى تعديل دستوري، والتعديل الدستوري إجراءاته صعبة ويحتاج إلى عرضه على الشعب ويكون هناك استفتاء”. ويلفت إلى أن “المتاح حالياً هو العمل من خلال الفقرة الأولى في قانون مجالس المحافظات والتي تتيح تقليص عدد أعضاء المجالس، والفقرة الثانية التي تتيح إنهاء عملها في الأول من الشهر المقبل”.
لكن، وعلى ما يبدو إن مشكلة مجالس المحافظات تحتاج إلى تعديل دستوري ينهي الصراع بين الجهات التي ترى عدم وجود فائدة حقيقية لهذه المجالس وأن وجودها يزيد من الأعباء المادية للدولة ويزيد من الإجراءات البيروقراطية، وبين الجهات التي ترى ضرورة وجود مجالس حكم محلية تحدد الأولويات الضرورية في كل محافظة وتخفف العبء عن كاهل السلطات الاتحادية.
وبين هذا الرأي وذاك، تبقى المجالس المحلية محل صراع بين الأحزاب والكتل السياسية الكبيرة التي تجد في السيطرة على مجلس كل محافظة فرصة لتوسعة النفوذ وتحقيق المكاسب الاقتصادية الحزبية من دون أن تكون هناك نتائج ملموسة على الأرض. وهو ما يزيد من نقمة الجماهير الغاضبة التي تتجه نحو مبنى المجلس المحلي في تظاهرة تشهدها البلاد.
اندبندت العربي