شهدت المظاهرات الأخيرة في العراق المطالبة بالقضاء على الفساد والمفسدين وتوفير الخدمات الأساسية وتحسين الاقتصاد تخلي معظم العراقيين عن رمزية ساحة التحرير، والتظاهر في مناطقهم أو بالمنطقة الخضراء بدلا عنها.
تقع ساحة التحرير في منطقة الباب الشرقي وسط بغداد، وتحتوي على نصب كبير للفنان جواد سليم أنشئ عام 1961، وتحول بعد العام 2003 إلى مكان لتجمع المحتجين والمتظاهرين المؤيدين والمعارضين للحكومة العراقية.
وقابلت الجزيرة نت مجموعة من المتظاهرين في العاصمة بغداد للاستفسار عن أهمية ورمزية ساحة التحرير في بغداد، وهل فقدت بريقها؟ فقال المتظاهر ستار شهيد (30 عاما) “إن مكانا واحدا يعني لدي شيئا مهما، وهو الوصول إلى المنطقة الخضراء التي يسكنها المترفون من الفاسدين وسراق المال العام والذين لا يهتمون لعامة الناس، مشيرا إلى أن التظاهر في ساحة التحرير أو في منطقتي هو واحد ولا يفرق عندي بشيء”.
المنطقة الخضراء
وأكد شهيد أن أغلبية المظاهرات التي وقعت مطلع الشهر الجاري في ساحة التحرير كان الهدف منها العبور إلى المنطقة الخضراء من خلال جسر الجمهورية وبين محاولة وأخرى قد تفشل أو تنجح.
وأضاف أن المظاهرات التي شهدتها المنطقة الخضراء في 2015 واقتحام البرلمان كانت الأكثر فعالية من جميع المظاهرات التي حصلت في ساحة التحرير والمناطق الأخرى، لأنها نتجت عن تأثير كبير هو تغيير الوزراء واتخاذ إجراءات إصلاحية حقيقية، مثل تقليص المناصب ومحاسبة بعض الفاسدين.
ويتفق المتظاهر علي هاشم مع زميله شهيد على أن المسؤولين في الدولة العراقية لا يمكنهم سماع صوت المتظاهرين في ساحة التحرير وتلبية المطالب، لأنها بعيدة عن مقراتهم لذلك فساحة التحرير فقدت رمزيتها لدى المتظاهرين باحثين عن مطالب تخدم الشعب عامة.
مناطق متفرقة
وقال هاشم للجزيرة نت إن الحل الأمثل في هذه المظاهرات بعد منع الوصول إلى المنطقة الخضراء هو التظاهر في مناطقنا، لأن هذا سيرعبهم ويجعل بغداد مشتعلة، والهدف منها فصل بغداد عن بقية المحافظات وكذلك فصل منطقة عن أخرى، مما يضعفهم جميعا ويجعل مليشياتهم مشتتة بين منطقة وأخرى، ومن يعتدي فسيكون معروفا.
وأكد أنه سيتظاهر يوم الجمعة المقبل في منطقته بعيدا عن ساحة التحرير، وإذا تمكن المتظاهرون من الوصول إلى المنطقة الخضراء فسيلتحق بهم من أجل إيصال صوته لتحقيق الإصلاح.
أما الكاتب والصحفي عمر الشمري فرأى أن ساحة التحرير فقدت رمزيتها الكبيرة مؤخرا بعد تنظيم مظاهرات واعتصامات عدة في مناطق مختلفة بدلا من ساحة التحرير.
وعن أسباب فقدان ساحة التحرير رمزيتها، بين الشمري إن وراء ذلك أسبابا عدة، منها أن المظاهرات التي شهدها العراق مؤخرا تستهدف العملية السياسية والمنطقة الخضراء، وما عاد المكان يعني شيئا للمتظاهرين لأنهم يبحثون عن حلول لمشاكلهم من خلال التظاهر في الأماكن العامة، مثل مطار بغداد الدولي والشوارع الرئيسية مثل خط السريع والقناة.
وأشار إلى أن “تكتيك المتظاهرين الآن هو التظاهر في مناطقهم، ولم يعد الهدف الوصول إلى ساحة التحرير، مما قلل من مكانتها”، مؤكدا أنه كلما ارتفعت مطالب الناس ضد النظام السياسي الحالي فإن ذلك يعني الابتعاد عن ساحة التحرير.
وعلى العكس من ذلك، قال هتّاف ساحة التحرير مرتضى جعفر للجزيرة نت إن “ساحة التحرير تبقى رمزيتها الكبيرة في قلوب جميع المتظاهرين الذين يطالبون بحقوقهم المسلوبة من السلطة”، مشيرا إلى أن “الحكومة العراقية منعت المتظاهرين من الوصول إليها لذلك تحولت المظاهرات إلى مناطقية، مما جعل هناك زخما ورفضا لسياسة الدولة”.
ساحة التحرير لم يعد المحتجون يقصدونها في المظاهرات الأخيرة (رويترز)
ساحة التحرير لم يعد المحتجون يقصدونها في المظاهرات الأخيرة (رويترز)
واعتبر أن ساحة التحرير هي خيمة كل المنتفضين ضد الفساد والمفسدين والساعين لتحقيق الإصلاح، مضيفا أن “بعض المتظاهرين في الفترة الأخيرة يفضلون التظاهر في المنطقة الخضراء لأنها تعتبر قصور الفاسدين المحصنة، والتظاهر فيها يعني إسقاط هذه الطبقة الفاسدة”.
وأكد أن ساحة التحرير لا يمكن أن يخفت بريقها في الفترة الحالية أو المقبلة باعتبار أنها “مكان للأحرار”.
لكن الخبير الأمني هشام الهاشمي قال إن “مظاهرات بغداد الأخيرة افتقرت إلى أماكن احتجاجية لها رمزية كساحة التحرير، ولم تختر مناطق لها ميزات محـددة ذات طابع سياسي أو اجتماعي أو ديني في باقي المحافظات، وهو ما تلقفه الخطاب الإعلامي الأمني والحكومي محاولا أن ينفي عنها السلمية، ويحصرها في مظاهرات لصناعة الفوضى وتحدي قانون الدولة”.
الجزيرة