بالتزامن مع إعلان وزارة الداخلية العراقية حالة الاستنفار استعدادا للتظاهرات المرتقبة في العراق، أعلنت اللجنة المكلفة بالتحقيق في أحداث العنف والقمع التي تعرض لها المتظاهرون، بين الأول والثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عن نتائج التحقيق، والذي تضمن تبرئة للحكومة العراقية ورئيسها، وكذلك الحشد الشعبي، أبرز الأطراف المتهمة بالقمع، مع توصية بإقالة قادة أمنيين وإحالة آخرين إلى القضاء.
اللجنة التحقيقية، التي يرأسها وزير التخطيط العراقي نوري الدليمي، أكدت في نتائج تقريرها أن عدد من قتل في التظاهرات بشكل إجمالي في عموم مدن العراق بلغ 157 قتيلا، بينهم 8 من أفراد الأمن، عدا عن نحو 6 آلاف جريح في بغداد وبابل والقادسية والنجف وذي قار وواسط وميسان.
كما أشارت اللجنة إلى أنه لم يثبت وجود أي توجيهات رسمية من الحكومة في قمع التظاهرات، أو استخدام العنف ضد المتظاهرين.
كما لم يورد التحقيق أي ذكر للحشد الشعبي أو الفصائل المنضوية تحته، وهو المتهم الأبرز في سلسلة قمع التظاهرات، خاصة في بغداد، وهو ما اعتبر تبرئة للحكومة والحشد الشعبي، في حين ألقى المسؤولية على الشرطة وقوات الجيش فقط.
وأوصى التحقيق بإعفاء قادة شرطة النجف والقادسية وذي قار وواسط وميسان وبغداد، وكذلك قائد قوات الجيش في ذي قار (عمليات الرافدين)، وقائد قوات الجيش في بغداد (عمليات بغداد)، فضلا عن إعفاء قائد الفرقة 11 بالجيش العراقي، وقائد الفرقة الأولى بالشرطة العراقية، وقائد اللواء 45 بالجيش العراقي، إضافة الى إحالة ضباط وعناصر أمن للقضاء لتورطهم المباشر بقتل متظاهرين.
كما وأوصى التحقيق بإحالة ملف قمع التظاهرات ككل إلى القضاء العراقي بشكل عاجل، مؤكدا أن التحقيق أكد “وجود تقصير واضح لدى الأجهزة الأمنية في محافظات بغداد وبابل والنجف وميسان والديوانية، وتم استخدام العتاد الحي والاستخدام المفرط للقوة”، وأن “70 بالمائة من الإصابات كانت بالرأس والصدر”.
وبحسب التحقيق، فإنه تم تشخيص مهاجمي مقرات ومكاتب القنوات والفضائيات في بغداد وإطلاق سراحهم بكفالة، دون أن يذكر التحقيق إلى أي جهة يتبعون، رغم وجود تأكيدات سابقة على أنهم ينتمون لما يعرف بـ”أمنية الحشد الشعبي”.
تشكيك
وفي أول رد فعل، شكك المرصد العراقي لحقوق الإنسان، الثلاثاء، بنتائج التحقيق في قمع المتظاهرين، معتبراً أن “التقرير لم يشخص الجناة الحقيقيين”، وطالب رئيس الوزراء بـ”إعادة النظر في التحقيق”.
وقال المرصد، في بيان صحافي، إن التقرير الحكومي “مُخيب للآمال وفيه تغييب للحقائق”، مؤكدا أنه “لم يُنصف الضحايا، وابتعد عن تشخيص الجُناة الحقيقيين”.
واعتبر المرصد التقرير الحكومي محاولة لـ”امتصاص الغضب الشعبي على حساب أرواح الضحايا”، مشددا على أنه “على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أن يكون له موقف من هذا التقرير”.
وأشار إلى أنه “لا يُمكن تصديق ما جاء في التقرير لعدم تعزيزه بالأدلة”، متسائلا: “كيف للضباط المتهمين أن يستمروا بإطلاق الرصاص الحي دون أن يوقفهم قادتهم”.
ونقلت وكالة أنباء عراقية محلية عن متحدث حكومي عراقي قوله إن رئيس الحكومة عادل عبد المهدي سيعتمد على نتائج اللجنة التحقيقية الخاصة بأحداث التظاهرات، والتي أظهرت استخدام القوة المفرطة من القوات الأمنية ضد المحتجين.
وأكد المتحدث باسم مكتب عبد المهدي أن الأخير “سوف يعتمد هذا التقرير في اتخاذ جملة قرارات في ما يخص مساءلة ومحاسبة وملاحقة كل جهة وشخص ثبت في التقرير أنه ارتكب مخالفات قانونية أو قصر في الأحداث التي وقعت خلال التظاهرات، أو ارتكب أي شكل من أشكال الجرائم ضد المتظاهرين، أو ضد أفراد القوات الأمنية، أو ضد المال العام أو الخاص”.
عضو التيار المدني أحمد عبد الحمزة أوضح، في اتصال هاتفي من الناصرية، جنوبي العراقي، بأن “التحقيق غير مقنع”.
وأضاف عبد الحمزة، في حديث لـ”العربي الجديد”: “التحقيق يمكن الأخذ به في ما لو كان القمع يوما أو اثنين، لكن 8 أيام قتل وتنكيل واعتقال فلا يمكن أن يكون مقنعا لأحد، وخاصة ذوي الشبان الذين قتلوا في التظاهرات، أو الذين فقدوا سيقانهم بنيران القناصة وقوات الأمن”، مؤكدا أن “الحكومة ضحت بقادة أمنيين بطريقة الإعفاء، ويمكن أن تنقلهم أو تعيد تدويرهم في ما بعد، وهو ما يمثل استفزازا كبيرا للمتظاهرين وللعراقيين كافة”.
واعتبر المتحدث ذاته أن “الحكومة مسؤولة عن القمع والقتل والاضطهاد، والنأي بنفسها عنه غير صحيح، وإن كان رئيس الحكومة لا يعلم بما جرى في العراق بالأيام الثمانية فالأفضل له أن يستقيل”.
العربي الجديد