«داعش» يجني مكاسب الانسحاب الأميركي من سوريا

«داعش» يجني مكاسب الانسحاب الأميركي من سوريا

كانت القوات الأميركية برفقة شركائها من القوات الكردية في سوريا ينفذون ما يصل إلى 12 مهمة لمكافحة الإرهاب في اليوم الواحد ضد مقاتلي تنظيم «داعش» الإرهابي، كما أفاد به عدد من المسؤولين. غير أن ذلك الزخم قد توقف الآن.

كما كان الشركاء أنفسهم؛ «قوات سوريا الديمقراطية»، قد أطلقوا سراح بعض عناصر «داعش» المعتقلين لديهم وأدرجوهم ضمن صفوفهم، وسيلةً من وسائل مواصلة مراقبتهم. ولقد شارفت تلك الممارسات على التوقف الآن.

وعبر الحدود السورية – العراقية سهلة الاختراق، يشن مقاتلو «داعش» حملة اغتيالات ضد زعماء القرى المحلية، في جزء من تكتيكات إرهاب وإخافة المخبرين التابعين للحكومة هناك.

وعندما أعلن الرئيس الأميركي خلال الشهر الحالي عن قراره بانسحاب القوات الأميركية من شمال سوريا مع التمهيد للتوغل التركي على شمال شرقي سوريا ثم الهجوم على القوات الكردية، وهم حلفاء واشنطن في المنطقة، حذر كثير من المراقبين بأن الرئيس الأميركي يكسر بنفسه رأس الحربة الوحيدة المتبقية لهزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي هناك.

والآن، يقول المحللون إن انسحاب القوات الأميركية قد منح تنظيم «داعش» أكبر انتصار تمكن من تحقيقه خلال السنوات الأربع الماضية وعزز من آفاق المستقبل بالنسبة للتنظيم الإرهابي. ومع اندفاع القوات الأميركية صوب المغادرة، قال المسؤولون الأميركيون الأسبوع الماضي إنهم بدأوا يفقدون بالفعل قدرتهم على جمع المعلومات الاستخبارية الحاسمة بشأن عمليات التنظيم الإرهابي على الأرض.

تقول لينا خاطب، مديرة «برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» لدى مؤسسة «تشاتام هاوس» في لندن: «ليس هناك من شك في أن (داعش) من أكبر الرابحين مما يحدث الآن في سوريا».

وأسفر وقف الدعم عن «قوات سوريا الديمقراطية» عن شلل في قدرات الولايات المتحدة وشركائها السابقين عن تعقب فلول تنظيم «داعش» الإرهابي.

واستقبل أنصار التنظيم الإرهابي أنباء الانسحاب الأميركي بالفرح والبهجة والشديدة التي ظهرت واضحة عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي وشبكات الدردشة المشفرة. كما أدى الأمر إلى تعزيز الروح المعنوية لدى عناصر التنظيم من المقاتلين والأنصار الموزعين عبر الأذرع البعيدة للتنظيم في ليبيا ونيجيريا على سبيل المثال.

وساهم انسحاب القوة المضادة الحاسمة في إعادة ظهور التنظيم الإرهابي كشبكة إرهابية، أو حركة تمرد أكثر تقليدية وأطول أمداً تتمركز فيما بين العراق وسوريا.

ورغم بيانات الانتصار المتكررة التي صدرت عن الرئيس الأميركي بشأن هزيمة تنظيم «داعش»، لدرجة أنه تباهى أمام زعماء الكونغرس الأسبوع الماضي بأنه «استولى شخصيا على (داعش)»، فإنه لا يزال يشكل تهديداً بصورة من الصور. وبعد فقدان التنظيم الإرهابي في مارس (آذار) الماضي آخر قطعة أرض كان يسيطر عليها في أنحاء سوريا والعراق كافة، صدرت الأوامر من التنظيم الإرهابي بتفريق المقاتلين والأنصار والأتباع للاندماج بين صفوف السكان أو تلمس الاختفاء في الصحارى والجبال البعيدة.

ويضم التنظيم الإرهابي نحو 18 ألفاً من عناصره في العراق وسوريا، فضلاً عن نحو 3 آلاف مقاتل من البلدان الأجنبية، وفقاً لتقديرات أشير إليها في تقرير أخير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية. ولا يزال أبو بكر البغدادي؛ الخليفة المزعوم للتنظيم الإرهابي، مُطلق السراح لا يعلم أحد مكانه على وجه التحديد.

وأعلن البغدادي في رسالة مصورة صدرت في أبريل (نيسان) الماضي قائلاً: «إن معركتنا اليوم معركة استنزاف وإطالة لأمد الصراع مع العدو»، وكان يبدو فيها مرتاحاً وفي صحة جيدة، ويجلس على أرضية غرفة مجردة تماماً من كل أنواع الأثاث، ومحاطاً بمجموعة من المقاتلين، وإلى جانبه بندقية هجومية من طراز معروف.

واستدرك البغدادي في الرسالة المصورة يقول لأنصاره: «الجهاد ماضٍ حتى يوم القيامة»، وفقاً للنص المترجم من قبل موقع «سايت» المعني بالشؤون الاستخبارية.

وعلى خلفية المجريات السابقة وسيطرة التنظيم فيما سبق على مساحات كبيرة من الأراضي في العراق وسوريا، فإن أي احتمالات لاستعادة مكاسب الماضي المهدرة هي من الأحلام بعيدة المنال.

فلقد أسفرت التغييرات الكبيرة في السياقات السياسية في سوريا والعراق عن تقليص هائل في قدرات التنظيم الإرهابي على إشعال نيران العداوات الطائفية بسبب حالة الإحباط الشديدة التي يعاني منها المسلمون السنّة بشأن السلطات الحاكمة ذات الصلة بالشيعة في سوريا أو في العراق، وهي العلامة التجارية التي تميز الميليشيات المسلحة هناك.

وكانت الحكومة العراقية في بغداد قد وسعت من دعمها في صفوف السنة العراقيين. كما أسفرت الحملة العسكرية الدامية التي شنها نظام بشار الأسد في سوريا عن تقلص واضح في قدرات المقاتلين السنّة على التعبئة وتنظيم الصفوف. أيضاً، فإن كثيراً من السوريين والعراقيين الذين عاشوا تحت نير الحكم القاسي والغاشم لتنظيم «داعش» الإرهابي يعارضون وبشدة محاولات عودة التنظيم إلى الواجهة.

ولكن بوصف التنظيم حركة تمرد سرية، يبدو أن «داعش» بات يتخذ مسار الرجوع التصاعدي.

وواصل المسلحون المتطرفون التابعون للتنظيم الإرهابي تنفيذ علميات الاغتيال، والهجمات الانتحارية، والاختطاف، وحرق المحاصيل في كل من العراق وسوريا، وذلك وفقاً لتقرير صادر الصيف الماضي عن مكتب المفتش العام للعمليات ضد «داعش» في وزارة الدفاع الأميركية. وجاء في التقرير: «يواصل التنظيم الإرهابي إنشاء خلايا الانبعاث (معاودة الظهور) في سوريا، في محاولة لتوسيع نطاق مراكز القيادة والسيطرة التابعة له في العراق».

وكان المسلحون يحرقون المحاصيل ويضطرون سكان قرى بأكملها إلى المغادرة. ويحاول عناصر التنظيم جمع الأموال من خلال الاختطاف بغية الحصول على فدية، وفرض الضرائب والإتاوات على المسؤولين المحليين، وذلك بعد اقتطاع جزء من تعاقدات إعادة البناء الممنوحة للسكان هناك.

وكان الرئيس الأميركي قد أعلن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أنه يعتزم سحب آخر ألفي جندي أميركي في سوريا، وقد قامت وزارة الدفاع بتقليص الرقم ونفذت انسحاب نصف عدد القوات المذكور من البلاد.

وقال المسؤولون العسكريون، رغم ذلك، إن معاونة «قوات سوريا الديمقراطية» في تعقب «الخلايا النائمة»، والمقاتلين الهاربين، يستلزم مزيداً من التدريب ودعم الاستخبارات أكثر من المساعدات العسكرية عبر العمليات المفتوحة على الأرض. وحتى الانسحاب الجزئي، كما خلص إليه تقرير مكتب المفتش العام في البنتاغون، يمكن أن يُلحق الأضرار بالمهمة العسكرية الأميركية في العراق وسوريا.

الشرق الأوسط