انتفاضة العراقيين تضع حكومة عبدالمهدي على المحك

انتفاضة العراقيين تضع حكومة عبدالمهدي على المحك

بغداد ـ دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني الجمعة، المتظاهرين من انزلاق البلد إلى العنف والفوضى خلال الاحتجاجات التي تشهدها العاصمة بغداد ومحافظات جنوبية.

جاء ذلك في خطبة تلاها ممثله عبدالمهدي الكربلائي في مدينة كربلاء (جنوب)، ودعا السيستاني المتظاهرين وقوات الأمن إلى “الالتزام التام بسلمية التظاهرات وعدم السماح بانجرارها الى استخدام العنف وأعمال الشغب والتخريب”.

كما دعا إلى تحقيق قضائي مستقل في أحداث العنف التي رافقت الاحتجاجات التي شهدها البلاد مطلع الشهر الجاري. وقال إن نتائج التحقيق الحكومي فيها لم يكشف كل الحقائق، محذرا من جعل البلد ساحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية.

وقال السيستاني إن لجوء المتظاهرين إلى العنف يبعدهم عن تحقيق مطالبهم المشروعة ويعرضهم للمحاسبة، مضيفاً أن “الإصلاح الحقيقي والتغيير المنشود في إدارة البلد ينبغي أن يتم بالطرق السلمية، وهو ممكن اذا تكاتف العراقيون ورصّوا صفوفهم في المطالبة بمطالب محددة في هذا الصدد”.

وتابع بالقول، إن “البلد يعاني من تعقيدات كثيرة يخشى معها من أن ينزلق بالعنف والعنف المقابل الى الفوضى والخراب، ويفسح ذلك المجال لمزيد من التدخل الخارجي، ويصبح ساحة لتصفية الحسابات بين بعض القوى الدولية والاقليمية”.

وأشار إلى أن “هناك العديد من الاصلاحات التي تتفق عليها كلمة العراقيين وطالما طالبوا بها، ومن أهمها مكافحة الفساد وإتّباع آليات واضحة وصارمة لملاحقة الفاسدين واسترجاع أموال الشعب منهم، ورعاية العدالة الاجتماعية في توزيع ثروات البلد”.

وأوضح أن هذا يتحقق عبر “إلغاء أو تعديل بعض القوانين التي تمنح امتيازات كبيرة لكبار المسؤولين واعضاء مجلس النواب ولفئات معينة على حساب سائر أبناء الشعب، واعتماد ضوابط عادلة في التوظيف الحكومي بعيداً عن المحاصصة والمحسوبيات”.
وطالب بـ”اتخاذ إجراءات مشددة لحصر السلاح بيد الدولة، والوقوف بحزم أمام التدخلات الخارجية في شؤون البلد، وسنّ قانون منصف للانتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية ويرغّبهم في المشاركة فيها”.

وفي مؤشر على احتدام الأوضاع قالت الشرطة العراقية ومصادر طبية إن متظاهرا لاقى حتفه في بغداد الجمعة بعد إصابته في وجهه بعبوة غاز مسيل للدموع.

واستخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت لصد الحشود التي بدأت في السير صوب المنطقة الخضراء شديدة التحصين ببغداد.

وانطلقت، منتصف ليل الخميس الجمعة، الموجة الجديدة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في بغداد وعدة محافظات وسط وجنوبي البلاد.

وصدت القوات الأمنية بوابل من القنابل المسيلة للدموع الجمعة آلاف المتظاهرين المحتشدين في وسط بغداد، في تصعيد جديد مع استئناف الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي أسفرت مطلع أكتوبر عن مقتل أكثر من 150 شخصاً.

ووُضِعت جميع القوّات الأمنية في حالة تأهب منذ مساء الخميس من قبل حكومة عادل عبدالمهدي التي أكملت الجمعة عامها الأول في الحكم.

وبالتالي، عاد المتظاهرون إلى ساحة التحرير الرمزية، التي يفصلها عن المنطقة الخضراء جسر الجمهورية.

وقال النقيب أحمد خلف (شرطة)، إن “المئات من المتظاهرين تمكنوا من اقتحام بوابة المنطقة الخضراء من جهة وزارة التخطيط بعد تمكنهم من إزالة جميع الحواجز التي وضعتها قوات الأمن على جسر الجمهورية”. وأوضح خلف أن “المتظاهرين يطالبون بإستقالة الحكومة”. وأشار إلى أن “القوات الأمنية لجأت إلى خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، لكن دون جدوى”.
وقال إن “قوات الأمن عززت تواجدها داخل المنطقة الخضراء وتجري مفاوضات مع المتظاهرين لاقناعهم بالانسحاب”.
وفي محافظات ميسان والبصرة وذي قار احتشد المئات من المتظاهرين فجر الجمعة في الساحات العامة وأمام مقار الادارات المحلية معلنين اعتصاما مفتوحا بالتزامن مع احتجاجات بغداد.
وقال مجيد الحسيني أحد منسقي الاحتجاجات في جنوب العراق، إن “المئات من المظاهرين بدأوا التوافد فجر الجمعة على ساحات الاعتصام التي حددناها سابقا في محافظات ميسان وذي قار والبصرة”، مشيرا الى ان “المتظاهرين اتفقوا على اعلان الاعتصام المفتوح حتى تحقيق المطالب”.
وأوضح الحسيني أنهم “يطالبون بتشكيل حكومة جديدة على شرط ان تكون خالية من أي شخصيات تابعة للأحزاب السياسية والدينية التي حكمت البلاد طيلة السنوات الماضية”.
وتابع الحسيني “حتى اللحظة تتعامل قوات الأمن بمهنية مع المتظاهرين”.

وفي محاولة لطمأنة المحتجين ولنزع فتيل الأزمة، طرح رئيس الحكومة العراقية، عادل عبدالمهدي، حزمة إصلاحات جديدة من ضمنها حصر السلاح بيد الدولة، والعمل على دمج فصائل الحشد الشعبي الشيعية بأجهزة الدولة في مسعى لتهدئة الاحتجاجات التي استأنفت ضد حكومته.
وقال عبدالمهدي في خطاب متلفز إن “على القوى السياسية أن تدرك أن المعادلات السياسية السابقة تغيرت، ونحن أمام أزمة نظام، لم تدركها القوى لكن أدركها الشعب”.

ويكافح عبدالمهدي للتصدي للاستياء العام منذ اندلاع الاحتجاجات التي شابها العنف في بعض الأحيان ثم امتدت إلى المدن الجنوبية. ويتهم المتظاهرون مسؤولين فاسدين والنخبة السياسية بالفشل في تحسين معايشهم.

وقال عبدالمهدي في كلمته يوم الخميس إن انهيار الحكومة سيزج بالعراق في مزيد من الفوضى، مضيفا أن “استقالة الحكومة الآن دون البديل الدستوري معناه الدخول في الفوضى”.

وجدد التأكيد على إصلاحات أُعلنت بعد اندلاع الاحتجاجات، وتشمل تعديلا وزاريا وتوفير وظائف للشبان العاطلين وإنشاء محكمة لمحاكمة المسؤولين الفاسدين.

وأعلن رئيس الوزراء أيضا خفض أجور كبار المسؤولين إلى النصف تدريجيا على أن يعاد توجيه الأموال إلى صندوق للضمان الاجتماعي لصالح الفقراء.

ويعتقد مراقبون أن احتجاجات الجمعة ستشكل ضغطا متزايدا على حكومة عبدالمهدي وقد تؤدي في النهاية إلى الإطاحة بها.من جهتها، دعت السفارة الأميركية في بغداد، رعاياها بتجنب السفر الى العراق وتجنب أماكن التظاهرات بالتزامن مع استئناف الاحتجاجات في العاصمة بغداد وعدة مدن.
وذكرت السفارة في تنبيه، نشرته ليلة الخميس/الجمعة، إنه “وفقا للتقارير، من المتوقع أن تجري تظاهرات واسعة النطاق يوم الجمعة 25 تشرين الاول 2019، وستبدأ بعد صلاة الجمعة، قد يرى المواطنون الأميركيون تواجدا مكثفا للشرطة”.
وأضاف التنبيه أنه “كما حصل في التظاهرات السابقة، من المحتمل إغلاق الطرق في جميع المدن الكبرى، بما في ذلك المنطقة الدولية (الخضراء) في بغداد”.

واستؤنفت الاحتجاجات المناهضة للحكومة العراقية، مساء أمس الخميس، في 9 محافظات جنوبي البلاد.
ومحافظات الجنوب ذات الغالبية الشيعية هي: البصرة وميسان وذي قار وواسط والنجف وكربلاء وبابل والديوانية والمثنى.

وبدأت الاحتجاجات في بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات جنوبية ذات أكثرية شيعية، وتستمر لمدة أسبوع.
ولاحقا رفع المتظاهرون سقف مطالبهم، ودعوا لاستقالة الحكومة، إثر لجوء قوات الأمن للعنف، فيما أصدرت الحكومة حزمة قرارات إصلاحية في مسعى لتهدئة المحتجين وتلبية مطالبهم، بينها منح رواتب للعاطلين عن العمل والأسر الفقيرة، وتوفير فرص عمل إضافية ومحاربة الفساد وغيرها.
ووفق تقرير حكومي فإن 149 محتجاً و8 من أفراد الأمن قتلوا خلال الاحتجاجات التي استخدمت فيها القوات الحكومية العنف المفرط والرصاص الحي ضد المتظاهرين.
ويعتبر العراق من بين أكثر دول العالم فسادا على مدى السنوات الماضية، حسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية.
وقوض الفساد المالي والإداري مؤسسات الدولة العراقية التي لا يزال سكانها يشكون من نقص الخدمات العامة من قبيل خدمات الكهرباء والصحة والتعليم وغيرها، رغم أن البلد يتلقى عشرات مليارات الدولارات سنويا من بيع النفط.

العرب