بعد يوم من إلقاء الرئيس اللبناني ميشال عون خطابا لا يقدّم فيه للمحتجين اللبنانيين بمئات الآلاف أي شيء ذي معنى غير وعود لا يضمن أحد تطبيقها ودعوة خلّبية للمتظاهرين «لمشاركته هواجسهم»، ظهر حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، ليرفع سقف الرفض لاستقالة الرئيس أو الحكومة أو الانتخابات المبكرة أو بإسقاط النظام الطائفي، مفضلا التركيز على الهموم المعيشية، واتهم المحتجين بأن «جهات معروفة» تقودهم. وردا على مطالب كشف السرّية المصرفية للمسؤولين، طالب «الجهات المعروفة» التي تقود الاحتجاجات بـ«كشف السرية المصرفية» خاصتهم، رابطا الحراك بسفارات أجنبية، خالصا في النهاية إلى التهديد المبطن بـ«جر البلد إلى حرب أهلية».
في اليوم نفسه لخطاب نصر الله، ألقى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي خطابا وعد فيه، كما لمّح عون، بإجراء تعديلات وزارية بعيدا عن المحاصصة، كما وعد، كما فعل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في «الورقة الإصلاحية» التي اقترحها، تقليص رواتب المسؤولين والوزراء والنواب والدرجات الخاصة والوكلاء والمدراء العامين، إضافة إلى وعود أخرى من وزن الريشة يعود – كزملائه في لبنان ـ لاستخدام المسطرة الحقيقية فيدافع عن لجنة التحقيق بأحداث التظاهرات الأخيرة، ويرفض إجراء انتخابات مبكرة باعتبارها «مغامرة»، ويعتبر استقالة الحكومة «ذهابا نحو الفوضى ومعاداة للإصلاح» ويحمّل الحكومات السابقة مسؤولية الديون الكبيرة التي يحملها العراق، ويرفض قيام تظاهرات «من دون موافقة وزارة الداخلية» الخ.
بعد وقت قصير من إلقاء عبد المهدي خطابه المذكور، والذي وعد فيه بإطلاق سراح جميع المتظاهرين المعتقلين وعدم ملاحقة وسائل الإعلام والاعتراف بخطأ زج القوات المسلحة، كانت آلة القتل تعاود حصد المتظاهرين حيث وقع أكثر من ألف جريح وما زال رقم القتلى غير معروف، وهو ما يعني أن الخطاب كان ستارا دخانيا، وأن المقدمة الافتتاحية عن «ضمان الحريات والأمن وفرص العمل»، والاعتراف بـ«أزمة النظام» كانت كلمة السرّ لـ«خلية الأزمة» التي انكشف سرّها مؤخرا للاستمرار بقتل الحريات والحفاظ على نظام البطش والاستهزاء بالشعب العراقي.
على المستوى اللبناني، فقد نفّذت «بروفة» جديدة لطريقة التعامل مع الاحتجاجات، تمثّلت بظهور مناصرين لـ«حزب الله» في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، قبل ساعة من خطاب نصر الله، حيث قاموا بمحاولات لترهيب المحتجين والاعتداء على الإعلاميين، ورشقهم بالحجارة كما اعتصموا أمام مبنى إحدى القنوات التلفزيونية احتجاجا على نقلها المباشر لحركة التظاهرات وأطلقوا الشتائم ضدها، وهكذا فقد قام الخطاب بتجريم الاحتجاجات الشعبية فيما قام المناصرون بمحاولة ترويعها.
يجمع بين الخطابات الرسمية في العراق ولبنان الوعود المعسولة مع رفض التغيير الحقيقي وعرض حلول ترقيعية مؤقتة إضافة إلى تأثيم الحراك الشعبي، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، والتحريض بالتالي على إنهائه بطرق عنفيّة، وهو أمر تتكفّل به قوات الأمن في العراق بطريقة وحشيّة، فيما يتمرّن أنصار «حزب الله» وحركة «أمل» و«التيار الوطني» على إظهار قوّتهم لشق الشارع وتذريره مجددا إلى جهات طائفية وأحزاب تعد بتوزيع الرشاوى على محازبيها وأنصارها.
ومقابل محاولات التقسيم والتجزئة والتهشيم التي تتم ممارستها ضد المحتجين، فإن الجمهور، في لبنان والعراق، يقوم بالتمسك براية وطنه، ويعيد نسج السرديّة الوطنيّة التي ضربتها الأحزاب الطائفيّة، ولا يتردد من أجل ذلك في مواجهة الموت.
القدس العربي