لم يكن وجود ممثلة الأمم المتحدة الخاصة في العراق جينين بلاسخارت في ساحة التحرير وسط بغداد، سبباً كافياً لتوقف انهيال قنابل الغاز المسيلة للدموع التي تطلقها قوات مكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين.
ورأت “اندبندنت عربية” عناصر فريق الحماية الخاص بالمبعوثة الأممية، ارتدوا الأقنعة الواقية من الغازات، وهم يحيطون ببلاسخارت التي دخلت وسط ساحة التحرير، لتحفز مشاعر المتظاهرين.
جولة بلاسخارت
تجولت بلاسخارت في عدد من مواقع التحرير، وأطلعها المتظاهرون على بعض آلياتهم الدفاعية في مواجهة محاولات قوات مكافحة الشغب المستمرة لتفريقهم.
شرح المتظاهرون للمبعوثة الأممية كيف أعدوا بطانيات مبللة بالمياه ونشروها في مواقع معلومة للشبان المكلفين بالسيطرة على قنابل الغاز وتحويلها نحو “فرق التعامل معها”، حتى بات أثر هذا السلاح منخفضاً للغاية، خلال اليومين الماضيين.
في هذه الأثناء دوى انفجار في مكان قريب، فأصيب حرس بلاسخارت بالهلع، لكن المتظاهرين تصرفوا فوراً، إذ جاءوا بعجلة “تكتك” وطلبوا من المبعوثة الأممية الصعود فيها، لنقلها إلى مكان آمن.
على الرغم من مشاعر الرضا التي أحاطت بلاسخارت في المواقع التي وصلتها من التحرير، إلا أن حضورها لم يكن مرحباً به على النطاق الأوسع في الساحة. إذ عبر كثير من المحتجين عن سخطهم من “الموقف المداهن” للأمم المتحدة في العراق، وقرارها الوقوف موقف “المتفرج” على قمع السلطات العراقية الواسع لحركة الاحتجاج.
ساحة التحرير
بعيداً من هذا المشهد، استمر حضور المحتجين في ساحة التحرير يوم الأربعاء بشكل متزايد بعد تظاهرة مليونية مساء الثلاثاء، كسرت مجدداً حظر التجوال الذي تحاول الحكومة فرضه منذ ثلاثة أيام من دون جدوى، تحديداً بين الساعة 12 ليلاً والسادسة مساء.
الجديد في تظاهرات الأربعاء هو الحضور اللافت لأنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي دخل في سجال مطول مع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي خلال اليومين الماضيين، مخيراً إياه بين إجراء إصلاحات جذرية في النظام السياسي أو التنحي عن موقع المسؤولية.
نصب الصدريون خيم اعتصام تحمل اسم زعيمهم وعدداً من شعاراتهم، وزادوا عدد المفارز الطبية التطوعية، وأدخلوا إلى ساحة التحرير عدداً إضافياً من عجلات التكتك، المتخصصة في نقل المصابين إلى مواقع الإسعاف وتغذية المعتصمين بالمؤن.
تصريح خامنئي
على الجانب الآخر من نهر دجلة، وتحديداً في المنطقة الخضراء، حيث مقر الحكومة ومكتب عبد المهدي، كانت المفاوضات مكوكية، على وقع الأنباء الآتية من طهران، حيث طالب المرشد الأعلى هناك علي خامنئي السلطات العراقية باحتواء ما وصفها بـ “أعمال الشغب” المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، مشيراً إلى أن مطالب المتظاهرين المشروعة يمكن تحقيقها عبر الآليات القانونية فحسب.
اقرأ المزيد
عبد المهدي وحيداً بعد خسارته أكبر كتلتين في البرلمان العراقي
إجراءات الحكومة حفزت العراقيين على التظاهر لليوم الخامس
وقالت مصادر سياسية مطلعة إن أطرافاً عدة بينها رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي وزعيم تحالف الفتح في مجلس النواب هادي العامري، بحثوا خيارات “جادة” للخروج من الأزمة، بينها استقالة رئيس الوزراء وتشكيل حكومة جديدة، على غرار السيناريو اللبناني.
حذر مراقبون من أن تفهم تصريحات خامنئي في بغداد على أنها إيذان للسلطات بفض التظاهرات، مهما تطلب الأمر، فيما تقدم عدد من المحتجين إلى الرد على المرشد الأعلى، بعدما استغرقت الحكومة في الصمت.
كتب مهند الكناني، وهو قانوني متخصص في مراقبة الانتخابات، مخاطباً خامنئي، بالقول إن “الشغب وغياب الأمن أحدثتهما العملية السياسية والأحزاب المسلحة اللصوصية”، مشيراً إلى أن طهران تصدق وتدعم الساسة العراقيين “ولا تستمعون إلى صوت جيرانكم العراقيين”.
الكناني أضاف متحدثاً إلى خامنئي، إن الساسة العراقيين الموالين لإيران “يوهمونكم بأن من في العراق (معادون) لبلدكم”، مؤكداً أن “خروج الشباب، وهم أحفاد حمورابي، مؤسس القانون الإنساني الأول… جاء لإنهاء هذا الشغب والعبث والفوضى والنهب المسيس”.