يخوض المتظاهرون العراقيون حرباً إلكترونية شرسة ومتواصلة على مدار الساعة ضدّ جيوش إلكترونية، يعتقد أن أغلبها يتبع قوى وأحزابا سياسية تبث الإشاعات ومقاطع الفيديو والصور المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ انطلاق الاحتجاجات الأكبر في البلاد في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكانت عشرات الصفحات الممولة أُنشئت على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً “فيسبوك” الأكثر استخداماً في العراق، وتروج لنظرية المؤامرة والدعم الخارجي للمتظاهرين، عبر الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وتبث أخباراً زائفة على مدار الساعة.
يقول الناشط المدني صفاء الحسن في هذا السياق: “أثناء تواجدنا في (ساحة التحرير) تردنا اتصالات كثيرة تسألنا عن أخبار زائفة، وبعد التقصي والتتبع نكتشف أن الصفحات التي تبث هذه الأخبار المضللة تابعة للجيوش الإلكترونية، فنردّ بهجمات إلكترونية مضادة”. ويوضح الحسن لـ”العربي الجديد” أن “الهجمات الإلكترونية المضادة تتضمن أولاً تفنيد الأخبار الكاذبة عبر مقاطع فيديو حية من ساحات التظاهر وتنبيه المتابعين، ثم رصد هذه الصفحات الحكومية ومتابعتها والتبليغ عنها أو اختراقها”.
واستغلت الجيوش الإلكترونية غياب التغطية للقنوات الفضائية عن ساحات التظاهر في العراق، بعد حملة تهديد وترهيب سابقة وتقييد غير مسبوقة نفذت، في الأسابيع الماضية، على مكاتب ووسائل إعلام مختلفة، فضلاً عن اقتحام مسلحين أربعة مقرات لقنوات فضائية، وإغلاق ثلاثة أخرى، بحجة مخالفتها قوانين النشر أو التحريض على التظاهر والعنف، ليعتمد المواطنون بشكل كامل على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويفيد أحمد الشويلي الذي اكتسب مهارات كبيرة على شبكة الإنترنت والتعامل مع تلك الصفحات بأنه “منذ انطلاق التظاهرات رصدنا أكثر من مائة صفحة على (فيسبوك) تبث أخباراً كاذبة وتحرض على المتظاهرين وتحاول تشويه سمعتهم، بأخبار مزيفة منافية لما يجري في الواقع. وتمكنا من اختراق وإغلاق بعضها، ولا نزال نلاحق الصفحات الأخرى”. وعن آلية التصدي لهذه الهجمات الإلكترونية الحكومية يقول الشويلي لـ”العربي الجديد”:” شكلنا فرقاً من مجموعات كبيرة من الشباب نزودهم بأي خبر تنشره تلك الصفحات للتبليغ عنه وحذفها، فضلاً عن فريق آخر متخصص بالاختراق للتصدي لهذه الصفحات الممولة حكومياً”.
وفي السياق نفسه، يقول المهندس حازم المياحي إن أول من اخترع الجيوش الإلكترونية في العراق هو رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، محملاً إياه مسؤولية “اللعنة الأولى، فهناك ضحايا بسبب تحريض تلك الصفحات على المتظاهرين السلميين”. ويرى المياحي أن “الجيوش نفسها تعمل اليوم بصفحات تحمل أسماء وهمية أو ثورية، لكنها تبث الأخبار المزيفة بهدف التضليل من جانب وإرباك الشارع من جانب آخر، إلا أنها تقابل بهجمات إلكترونية مضادة من فرق شبابية متخصصة من المتظاهرين”.
وتلاحق الجيوش الإلكترونية الصفحات النشطة للكتّاب والصحافيين والإعلاميين والمتظاهرين الذين ينقلون الأخبار والتسجيلات على مدار الساعة لاختراقها أو إغلاقها. ووفقاً لرافد علي فإن “الناشطين الشباب اشتكوا من حظر صفحاتهم أو قرصنتها مع انطلاق التظاهرات بسبب الجيوش الإلكترونية، ما اضطرهم إلى إنشاء صفحات جديدة كل مرة، مؤكداً “نحن في حرب إلكترونية مستمرة ضد أحزاب السلطة، وسنكسبها”.
وظهر مصطلح الجيش الإلكتروني في العراق خلال حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، بين عامي 2006 و2014، حين بدأت تكشف معالم عناصره مع كل احتجاجات تشهدها البلاد ضد السياسات الحكومية. وحول ذلك يقول مسؤول في وزارة الداخلية العراقية إن “أغلب مكونات الطبقة السياسية تمتلك جيوشاً إلكترونية لها مهام عدة، منها الترويج لسياسي معين وإسقاط سياسيين آخرين أو كتلة أو حزب محدد، واختراق والتبليغ عن صفحات الكتّاب والناشطين والصحافيين والإعلاميين”.
ويضيف لـ”العربي الجديد” أن “هذه الجيوش الإلكترونية مشكلة من شباب موالين لهؤلاء السياسيين ويتقاضون رواتب شهرية مقابل إدارة صفحات وهمية على (فيسبوك) و(تويتر)، فمثلاً يكلّف كل فرد بإدارة خمس صفحات مهمته نشر أخبار ترويجية أو مزيفة حسب التوجيه الذي يتلقاه، فيما توكل المهام الإلكترونية المعقدة إلى آخرين متخصصين بأعمال الاختراق. ولعبت هذه الجيوش الإلكترونية دوراً كبيراً في بث الطائفية والعنف والتحريض في السنوات الماضية”. ووفق التسريبات فإن ما يتقاضاه كل فرد من الجيوش الإلكترونية الحكومية لا يقل عن 500 دولار أميركي شهرياً”، يكمل المصدر نفسه معتبراً أن المتورطين بها تحت طائلة “قانون جرائم المعلوماتية”، لكن حتى الآن لا تقنيات تمكّن السلطات الأمنية من تحديد تلك الصفحات ومكان تواجد أصحابها للقبض عليهم.
العربي الجديد