ماذا حصّلت تركيا من الاتفاقين مع روسيا وأمريكا؟

ماذا حصّلت تركيا من الاتفاقين مع روسيا وأمريكا؟

يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن أمريكا وروسيا لم تلتزما بإبعاد القوى الكردية عن الحدود التركية، وإن «نبع السلام مستمرة»، ويؤكد ذلك وزير الدفاع التركي خلوصي أقار، الذي قال ايضا «إن تنظيم YPG/PKK الإرهابي انتهك الاتفاقات المبرمة مع الولايات المتحدة وروسيا، ولم ينسحب من المنطقة».
إذن القوى الكردية لم تنسحب من المنطقة الآمنة، حسب الاتفاقين اللذين وقعتهما تركيا، الأول مع الولايات المتحدة، ونص على وقف فوري لإطلاق النار لخمسة أيام، بشرط «وعود» بانسحاب الأكراد من كامل المنطقة الآمنة، ولم تنفذ القوى الكردية أيضا انسحابها، حسب اتفاق ثان مع موسكو، ينص على السماح بدخول قوات النظام السوري (حرس الحدود) مع القوات الروسية (الشرطة العسكرية) للمناطق الحدودية، عدا شريط تل أبيض وراس العين الخاضع للسيطرة العسكرية التركية، مقابل وقف تركيا لعمليتها العسكرية.
في الاتفاقين، حصل الأمريكيون والروس على ما يريدونه مباشرة وفورا، الأمريكيون حصلوا على وقف فوري لإطلاق النار، والروس حصلوا على انتشار فوري لقوات النظام السوري مع قواتهم، في مناطق ظلت خارج نفوذ دمشق لسنوات طويلة، في المقابل، لم تحصل تركيا سوى على «كلام على الورق»، اعترف قادتها اليوم بأن الوعود الأمريكية والروسية لم تنفذ! قد يكون هذا مفاجئا لمن أسهب بالاحتفاء بالاتفاق التركي الأمريكي والروسي لاحقا، ووصفه بعبارات مثل «تركيا حصلت من القوى العظمى على ما تريده تماما من دون رصاصة واحدة»، رغم أن الشيء الوحيد الذي لم تخسره تركيا في هذين الاتفاقين، هو ما حصلت عليه بالرصاص وبالقوة العسكرية، شريط حدودي ضيق يصل بين تل أبيض وراس العين. لم تكن هناك حاجة لقراءة بنود الاتفاقين، قبل قراءة واقع توازنات القوى في سوريا، الذي يؤشر لهامش ضئيل لأنقرة في التحرك داخل سوريا، وهو تحرك، إن تم، لا بد من أن يكون موافقا لمصالح الأطراف الأقوى، أو على الأقل لا يعاكس مصالحها، وهم أولا محور النظام وإيران وروسيا، والمحور الأمريكي ثانيا في جيوبهم الشمالية، والأكراد ثالثا، كقوى تملك هيمنة عسكرية على معظم شمال شرق سوريا، لكنهم لا يملكون وحدهم مواجهة تركيا .

بعد توقيع الأكراد الاتفاق مع النظام السوري بالانتشار العسكري شمالا، يحاولون المماطلة ورفع سقف مطالبهم في التفاوض مع دمشق

وها هم الأكراد، وبعد توقيع الاتفاق مع النظام السوري بالانتشار العسكري شمالا، يحاولون المماطلة ورفع سقف مطالبهم في التفاوض مع دمشق، ويقول مظلوم عبدي، إنهم مصرون على شرطين لإنجاح التفاوض مع دمشق، أولا، تجنب دمج قواتهم كأفراد في الجيش السوري الحكومي، بل يريدون منح قوات سوريا الديمقراطية خصوصية ما، بل إنه وصفها بالاستقلالية، ضمن قوات النظام. وثانيا، بقاء الإدارة الذاتية الكردية جزءا من الدولة السورية وفق تشريع دستوري. وتواصل قسد، مع قوات النظام، عملياتهما محاولين استعادة ما يمكن استعادته من قرى سيطرت عليها الفصائل الموالية لأنقرة، فقد استعادت قسد، السيطرة على قرية «أم شعيفة» الواقعة على الطريق بين تل تمر وأبو راسين في محافظة الحسكة، وكذلك منعت قوات الجيش الوطني المعارض، من التقدم على قرية شراكوك قرب عين عيسى، وهي كلها معارك ضمن عمق الثلاثين كيلومترا المنصوص عليها في الاتفاقين.
وتبدو تلك المواجهات المستمرة رغم التنسيق المشترك الروسي التركي في سوريا، وإن كانت مواجهات محدودة، تبدو رسالة واضحة من روسيا، أن وجود تركيا العسكري شمال سوريا، سيبقى مصدرا للقلق حتى انسحابها بالكامل من هذا الشريط ومعه عفرين، لكن لن يكون هذا في المستقبل القريب، بل بعد حسم الوضع في إدلب، وانتفاء الحاجة لتلك المنطقة كملجئ للنازحين من معارك إدلب، المتوقع عودة زخمها لأقصى درجاته، تمهيدا لهجوم جديد للنظام السوري في الاسابيع القليلة المقبلة.