في تموز/يوليو قبل ثلاث سنوات، قام «حزب الله» بتفجير حافلة للسياح في بلغاريا، أعقبها قيام الاتحاد الأوروبي بحظر الجناح العسكري لـ «الحزب». لكن وبالرغم من إدراجه على القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي ومن انخراطه بشدة في الحرب السورية، ما زال «حزب الله» يخطط لتنفيذ هجمات في جميع أنحاء العالم، مع التركيز على أوروبا بشكل خاص.
لقد تم الكشف عن المخططات الأخيرة لـ «حزب الله» في أماكن بعيدة مثل بيرو وتايلاند، ولكن المخطط الأخير أُحبط في قبرص، حيث خزّن المواطن اللبناني-كندي حسين بسام عبدالله، 8.2 أطنان من مادة نترات الأمونيوم المستخدمة كثيراً لصنع المتفجرات. وفي الأسبوع الماضي، اعترف عبدالله بالتهم الثمانية الموجهة إليه – ومن ضمنها الانتساب إلى منظمة إرهابية (أي: «حزب الله»)، وحيازة متفجرات، والتآمر لارتكاب جريمة. وكانت هذه هي المرة الثانية في غضون ثلاث سنوات تحكم فيها محكمة قبرصية على عنصر في «حزب الله» بالسجن بتهمة التخطيط لتنفيذ هجوم في قبرص. ولكن المخطط الأخير كان مختلفاً، ويعود ذلك جزئياً لأنه يكشف أن إنذارات الاتحاد الأوروبي لـ «حزب الله» بعدم التحرك على الأراضي الأوروبية لم تردعه إطلاقاً.
وفي تموز/يوليو 2012، راقبت السلطات القبرصية المواطن اللبناني-السويدي والعنصر في «حزب الله» حسام يعقوب، وهو يجري عمليات رصد لمجموعة من السياح الإسرائيليين، وقامت بإلقاء القبض عليه في غرفته في الفندق بعد ساعات قليلة من تتبعه (وتمت محاكمته وسجنه في النهاية). وبعد أيام قليلة، فجرت مجموعة عناصر من «حزب الله» – بينهم مواطن فرنسي – حافلة تنقل سياحاً إسرائيليين في بورغاس، بلغاريا. وقد واجه التحاد الأوروبي واقع قيام «حزب الله» بإرسال عملاء أوروبيين لتنفيذ عمليات على الأراضي الأوروبية.
وبعد أشهر من المداولات التي غالباً ما كانت عاصفة، اجتمع عدد من كبار المسؤولين الأوروبيين في بروكسل في تموز/يوليو 2013، للإعلان أن جميع الدول الـ 28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد وافقت على إدراج الجناح العسكري لـ«حزب الله» – وليس التنظيم نفسه – على لائحة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية المحظورة. وفي ذلك الوقت، اعتبر المسؤولون الأوروبيون أن إدراج الجناح العسكري لـ «الحزب» في القائمة السوداء هي بمثابة تحذير له. وحذر وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله إنّ ذلك “إشارة للمنظمات الإرهابية: ‘ إذا هاجمتم إحدى الدول الأوروبية [الأعضاء في الاتحاد]، فسوف تتلقون رداً من باقي الدول ‘ “.
وبعد ذلك بعامين، أظهرت أدلة جديدة أن جناح الحزب العسكري ما زال يخطط لتنفيذ هجمات في جميع أنحاء أوروبا. ونحن نعرف الآن أن المواد المتفجرة التي تم العثور عليها مؤخراً في قبرص كانت مخزنة في الطابق السفلي من منزل في حي سكني في مدينة لارنكا في وقت ما من عام 2011. بعبارة أخرى، لم يكن المخططان القبرصيان متتاليين، بل متداخلين ويحتمل أنهما كانا مرتبطين ببعضهما البعض. وعندما حظر الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لـ «الحزب»، كانت المواد المتفجرة التي تم العثور عليها مؤخراً مخزنة في البلاد لأكثر من عام، وربما عامين. وقام حسين عبدالله بحوالي 10 رحلات إلى قبرص لمعاينة مخزون المواد المتفجرة، بدءً من عام 2012. وقد تلقى مبالغ مالية سخية لكي يعمل كحارس لحماية تلك المتفجرات، وعندما أُلقي القبض عليه كان بحوزته 9400 يورو، اعترف بأنها كانت آخر دفعة قدمها له «حزب الله».
واعترف عبدالله بأن «حزب الله» كان يخطط لتنفيذ هجمات ضد المصالح الإسرائيلية أو اليهودية في قبرص، إلا أن نطاق العمليات لم يقتصر على ذلك إطلاقاً. وفي الواقع، كانت كمية المتفجرات التي خزنها الحزب تسمح بتنفيذ العديد من الهجمات. ووفقاً للمحققين الإسرائيليين، كان «حزب الله» يستخدم قبرص كـ «نقطة تصدير» يهرّب عبرها المتفجرات إلى أماكن أخرى لتنفيذ سلسلة من الهجمات في أوروبا. وكان هذا المخطط قد دخل بالفعل حيز التنفيذ، إذ يعتقد المحققون أن المتفجرات التي استُخدمت في تفجير الحافلة في بورغاس عام 2012 ربما قد أتت من مخزون المواد الكيميائية في قبرص.
كانت أوروبا تواجه تهديداً حقيقياً. فلم يكن «حزب الله» يمتلك مخزوناً من المواد المتفجرة في قبرص فحسب، بل احتفظ بالعناصر والبنية التحتية والمدى الكافية لتنفيذ عمليات في مختلف الدول الأوروبية. فخلال الفترة التي كان عبدالله يحمي فيها المتفجرات في قبرص، بقي «حزب الله» ناشطاً في أنحاء أوروبا، ومن بين الأدلة على ذلك إحباط محاولة تفجير في اليونان في عام 2012 واعتقال عنصر في الحزب في الدانمارك وترحيله في عام 2013، بعد أن وصل إلى البلاد على متن سفينة تجارية لأهداف ما زالت غير معروفة. وبعد قيام الاتحاد الأوروبي بإدراج الجناح العسكري للحزب على القائمة السوداء بأربعة أشهر، أي في أواخر عام 2013، أُلقي القبض على مسافريْن لبنانييْن في إحدى مطارات بروكسل، وفي حوزتهما حوالى 770 ألف يورو. ووفقاً لوكالة الشرطة الأوروبية «يوروبول»، يُعتقد أن بعضاً من هذا المبلغ على الأقل كان موجهاً إلى جيوب «حزب الله»،. وبعد بضعة أشهر، اقتحمت الشرطة الألمانية مقر «مشروع الأطفال اليتامى اللبنانيين» في مدينة إسن، متهمة الجمعية بتوفير غطاء لجمع الأموال لصالح «حزب الله». وذكرت وكالة الاستخبارات المحلية الألمانية مؤخراً إن الحزب يمتلك حوالى 950 عنصراً فاعلاً في البلاد.
كذلك، استمرت عمليات شراء الأسلحة والتكنولوجيا لصالح الحزب في أوروبا. ففي تموز/يوليو 2014، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية شركة الإلكترونيات الاستهلاكية اللبنانية «ستارز غروب هولدنغ»، بالإضافة إلى مالكيها، والشركات التابعة لها، على القائمة السوداء، فضلاً عن “بعض المدراء والأفراد الذين يدعمون الأنشطة غير المشروعة للشركة والشركات التابعة لها والمالكين”. وكانوا جميعاً يشكلون “شبكة مشتريات رئيسية تابعة لـ «حزب الله»” كانت قد اشترت التكنولوجيا من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من أوروبا، لتطوير الطائرات بدون طيار التي يرسلها «حزب الله» إلى الأجواء الإسرائيلية والسورية.
لقد كانت مهمة عبدالله الأخيرة هي العثور على مستودع لتخزين المواد المتفجرة، الأمر الذي يشير إلى أن خطة نقل المتفجرات بحزمات صغيرة إلى أوروبا ربما كانت قيد التنفيذ. وبينما كان عبدالله يستخدم جواز سفره الكندي الأصلي للسفر، زوده «حزب الله» ببطاقة هوية بريطانية مزورة لاستخدامها محلياً في قبرص لاستئجار هذا المستودع. وقد يكون هذا الأمر هو الذي أدى إلى كشفه، إذ إن طريقة العمل المفضلة لـ «حزب الله» أصبحت تقضي بالسفر بمستندات أصلية وباستخدام بطاقات مزورة لإجراء أعمال محلية لا تتعلق بالحكومة. ولو لم يستخدم عبدالله بطاقة الهوية المزورة، لكان من المحتمل ألا تشكّ السلطات في الشحنات، ذلك أن «حزب الله»، وفقاً للتقارير، يستخدم شركات تجارية وهمية بشكل سري جداً – بعضها في مناطق بعيدة مثل الصين ودبي – لشحن مواد كيميائية ذات استخدام مزدوج لصنع المتفجرات.
وعندما حظر الاتحاد الأوروبي، الجناح العسكري لـ «حزب الله»، تعهد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بأنه “من المستحيل أن تقبل أوروبا بوجود منظمات إرهابية على أراضيها”. أما اليوم، وبينما تُحيّي أوروبا الذكرى الثالثة لتفجير حافلة السياح – الحادثة التي وقعت في 18 تموز/يوليو في بلغاريا، هناك أدلة وافرة على أن «حزب الله» يقوم تماماً بما تعهد وزير الخارجية الفرنسي بمنعه، أي: انخراطه في أنشطة إرهابية في أوروبا.
وبعبارة أخرى، حظر الاتحاد الأوروبي أحد أجنحة «حزب الله» ووجه إليه تهديداً لوقف أنشطته في أوروبا، غير أن «الحزب» سرعان ما تحدى التهديد الأوروبي. لذا، يبقى السؤال الذي طرحه السيد فابيوس: هل سيقبل الاتحاد الأوروبي نشاطات منظمة إرهابية على أراضي أوروبا؟
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن