تتواصل الاحتجاجات في محافظات جنوب العراق منذ 25 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وراح ضحيتها العشرات من المتظاهرين وآلاف الجرحى بشكل غير متوقع، يأتي هذا بينما ووجهت المظاهرات بالعاصمة بغداد بطريقة أقل تصادمية مما قلل عدد الضحايا عند المقارنة بما حدث في الجنوب وخاصة في محافظتي ذي قار وميسان.
كان موعد المظاهرات التي دعا إليها الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث انطلقت مساء، بعدما احتشد الآلاف في ساحة الاحتجاج بميسان، وساحة الحبوبي وسط الناصرية (مركز محافظة ذي قار)، لتتحول جموع المتظاهرين مباشرة في الساحتين لحرق مبنى المحافظة ومجلس المحافظة ومبان حكومية ومقرات أحزاب وفصائل منضوية في الحشد الشعبي.
ورغم أن وزارة الداخلية كانت قد وجهت أفرادها بعدم استخدام السلاح والبقاء قرب المظاهرات، فإنه على يبدو أن بعض عناصر الأمن لجؤوا لاستخدام السلاح لتفريق المتظاهرين وخاصة أولئك الذين أقدموا على حرق المباني.
انحراف في الاحتجاج
وأكد ضابط كبير في شرطة ذي قار للجزيرة نت، أن خطوات وزارة الداخلية كانت واضحة بشأن إغلاق الطريق لمن يسعى إلى إثارة الفوضى بين المتظاهرين والقوات الأمنية وإثارة الشغب، بعدما شهدت أحداثا ساخنة مطلع الشهر الماضي.
وأوضح أن قوات الأمن كانت حريصة على عدم استخدام السلاح، غير أن إقدام بعض المتظاهرين على حرق المباني الحكومية ومقرات الأحزاب دفع أفراد حماية هذه المباني لإطلاق النار على المتظاهرين مما تسبب بسقوط قتلى وجرحى.
من جهتهم يقول متظاهرون إنهم كانوا حريصين على سلمية الاحتجاجات، فيقول الناشط في ذي قار أمجد العسكري إن الشباب اتفقوا على أن تكون المظاهرات في أماكن محددة وأكدوا تجنب تخريب المباني الحكومية.
وأضاف العسكري للجزيرة نت أن أعداد المتظاهرين قدرت بالآلاف حيث امتلأت الساحة بالمتظاهرين، ولكنهم مباشرة توجهوا وحرقوا مبنى المحافظة بالكامل وكذلك مجلس المحافظة ومؤسسة السجناء السياسيين، ويقول إنه شاهد حالة من الهيستريا والغضب لدى المتظاهرين.
خطف واغتيالات
بدأ سير الأحداث يتصاعد في مساء 25 أكتوبر/تشرين الأول، بعدما توجه المتظاهرون لحرق مقر عصائب أهل الحق في الناصرية، حيث أطلق أفراد من حماية المقر التابع للعصائب رصاص كثيف، سقط على إثره العشرات من المتظاهرين بين قتيل وجريح، حيث استمر إطلاق النار لأكثر من ساعة، بعدها دخل المتظاهرون وأحرقوا المقر بشكل كامل، بينما هرب أفراد الحماية خارج المكان.
وفي ميسان أحرق متظاهرون مقرا للعصائب كذلك ومقرا آخر لحركة الأوفياء المنضويتين للحشد الشعبي، كما أحرقوا مقرات حزبية أخرى، في حين تم التمثيل بجثث مسؤول العصائب في ميسان وقتله هو وأخيه في سيارة الإسعاف التي كانت تقلهما، في مشهد مرعب كما يصفه ناشطون من المحافظة.
وكانت سخونة الأحداث التي جرت في ميسان قد رفعت من أعداد الضحايا، بعد تسجيل إصابات خطرة بين المتظاهرين، حيث أكد مصدر طبي في صحة ميسان تسجيل أكثر من 40 إصابة، بينما أعلنت مفوضية حقوق الإنسان مقتل تسعة متظاهرين.
في حين سجلت ذي قار، وفق مسؤولين أمنيين، 90 إصابة و11 قتيلا، بينهم أربعة متظاهرين حاصرتهم النيران خلال محاولاتهم حرق أحد المقار الحزبية، لتسجل بذلك ذي قار وميسان كأعلى محافظتين من حيث عدد القتلى.
اعلان
وبمرور الأيام، شهدت الأجواء في المحافظتين هدوءا نسبيا، بعد جولة من الحرائق للمباني الحكومية، حيث استقر المتظاهرون في ساحات الاعتصام ونصبوا الخيام، لكن الوضع تطور لاحقا حينما اتجهت مجاميع من المتظاهرين لحرق بيوت عدد من النواب وأعضاء بمجلس المحافظة، تلا ذلك فرض حظر التجوال بمعظم المناطق في ذي قار.
وسقط خلال مظاهرات حرق المنازل نحو أربعة قتلى وأصيب أكثر من 50 متظاهرا في قضاء الشطرة بذي قار، في حين اعتقل أكثر من مئتين آخرين، في حين شهد مركز المحافظة اشتباكات عنيفة سقط خلالها أربعة قتلى آخرين وأصيب 144 شخصا، بينهم أفراد من القوات الأمنية وذلك خلال محاولات إغلاق الدوائر الحكومية ومنع الموظفين من الوصول إلى دوائرهم.
ومنذ بدء الاحتجاجات، اختطف المحامي والناشط المدني علي الهليجي، واتهمت عائلته مليشيات مسلحة بخطفه، وقبل أيام اغتيل الناشط المدني أمجد الدهامات وسط ميسان، بينما جرح الناشط المدني مجيد الزبيدي في محاولة اغتيال فاشلة.
تعطيل المدارس
شهد الأسبوع الثاني من الاحتجاجات في الناصرية وميسان إغلاقا للمؤسسات الحكومية، وتعطيل للمدارس بعد الإعلان عن إضراب نقابة المعلمين، حيث بدت الحياة في المدينتين اللتين تعانيان من مشاكل خدمية كبيرة كأنهما مدينتا أشباح، في حين اقتصرت الاحتجاجات في أماكن محددة بعد أن توقف حرق منازل المسؤولين.
ورصدت مفوضية حقوق الإنسان منشورات تحرض على عدم الدوام في المؤسسات الحكومية والمدارس، في حين اكتظت مباني المؤسسات بعناصر من الشرطة، خشية إحراقها من قبل محتجين.
وأكد مسؤول مفوضية حقوق الإنسان في ذي قار داخل عبد الحسين للجزيرة نت، توثيق 34 حالة اعتقال لناشطين ومتظاهرين في المحافظة بعد محاولات لإغلاق المباني الحكومية.
كما دانت المفوضية الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، ودعت كافة الأطراف إلى الابتعاد عن الاحتكاك والتصادم والالتزام بسلمية المظاهرات، بعد محاولات محتجين الدخول إلى مقر فوج المهمات الخاصة في الناصرية وحرقه.
وحتى مساء الخميس 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، شهد قضاء الغراف في ذي قار محاولات محتجين لحرق مركز للشرطة، بعد يومين من حملة قادها شباب أحرقوا فيها منزل رزاق محيبس النائب عن كتلة الفتح، وعدد من المنازل الأخرى في القضاء، لتفرض السلطات حظرا للتجول فيها.
وفي آخر تطور لافت للأحداث في ذي قار أصيب 11 متظاهرا وسط ساحة الحبوبي بعد انفجار عبوة صوتية محلية الصنع، مساء أمس الجمعة، في تشهد الساحة اعتصاما مفتوحا لعدد كبير من المحتجين.
المصدر : الجزيرة