تابع نشرة الأخبار، وسوف تسمع المذيع وهو يقول: “يوم تاريخي. قام الرئيس الأمريكي بزيارة آية الله هاشمي رفسنجاني، المرشد الأعلى لإيران، برفقة الرئيس الإيراني محمد جواد ظريف في طهران. وهذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها الرئيس الأمريكي بالمرشد الأعلى في إيران منذ الثورة الإيرانية في عام 1979، وهذا يشير إلى تحسن العلاقات بين البلدين بعد الاتفاق النووي الموقع قبل 10 سنوات أيام إدارة أوباما“.
هذا السيناريو المتفائل للصفقة الإيرانية يفترض أن طهران تفي بوعودها وتنفذ جميع بنود الاتفاق. العديد من الأصوات السعودية والإسرائيلية تتساءل الآن بشأن إمكانية تحول إيران من عدو للولايات المتحدة إلى حليف لها. ولكنّ السيناريو الأكثر واقعية يشبه ما حدث بعد مبادرات الرئيس نيكسون مع الصين في عام 1972.
كانت الصين عدوًا للولايات المتحدة. ولم تنتج مبادرة نيكسون حليفًا، ولكنها أدت إلى تطبيع العلاقات بين القوى العظمى. ساعد نيكسون على تعزيز فصيل براجماتي داخل القيادة الصينية أعاد تشكيل الصين إلى الدولة الحديثة التي نعرفها الآن.
بالتأكيد، لا تزال هناك نقاط خلاف بين البلدين بشأن حقوق الإنسان والهجمات الإلكترونية وتايوان والنزاعات الإقليمية في منطقة المحيط الهادئ، ولكن يمكننا القول بأنّ هناك تطورًا في العلاقة بين الصين والولايات المتحدة، والأكثر من ذلك هو مواقفهما الأولية في عام 1972.
والشيء نفسه يمكن أن يكون صحيحًا في يوم من الأيام مع إيران. إذا مات المرشد الأعلى الحالي في إيران، آية الله علي خامنئي، وتم انتخاب آية الله هاشمي رفسنجاني من مجلس الخبراء ليحل محل خامنئي، مع انتخاب وزير الخارجية الإيراني الحالي رئيسًا للبلاد، فإنّ الاستثمارات الأمريكية ستتدفق إلى إيران.
النفط والسجاد الإيراني وغيرها من المنتجات يمكن شراؤها في الولايات المتحدة. كما يمكن للطلاب الإيرانيين الدراسة في الجامعات الأمريكية، والعكس صحيح أيضًا للطلاب الأمريكان. وسيتم دعم السياحة بين البلدين مع زيادة عدد الرحلات الجوية المباشرة، وسوف تُستأنف العلاقات الدبلوماسية، وستتحسن العلاقات الإيرانية-الأوروبية كذلك. ويمكن أن يكون لدى إيران علاقات أفضل مع بعض الدول العربية.
هذا هو أفضل سيناريو، ولكنّ الشرق الأوسط لن يتحول فجأة إلى يوتوبيا. الصراع بين إيران والمملكة العربية السعودية -وعلى مستوى أصغر، مع تركيا ومصر- على النفوذ الإقليمي لن ينتهي، وستبقى العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين نقاط الخلاف.
إنّ الصراع السُني الشيعي في الإسلام لن يختفي. كما أنّ إسرائيل وإيران ستواصلان رؤية بعضهما البعض كأعداء. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ سجل إيران برعاية الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان لشعبها سيلقي بظلاله على علاقتها مع الغرب.
ولن تحوّل صفقة أوباما إيران إلى دولة ديمقراطية على النمط الغربي، ولكنها قد تفتح إيران على العالم بطرق مشابهة لما فعلته زيارة نيكسون إلى الصين قبل أربعة عقود.
في عالم بديل، يعلن مقدم الأخبار: “اجتمع الرئيس الأمريكي اليوم مع رئيس الوزراء البريطاني لتقييم نتائج الهجمات الجوية المشتركة التي أجرتها البلدان ضد إيران بعد اختبار قنبلة نووية مؤخرًا في إيران“.
يفترض هذا السيناريو المظلم أن إيران لن تمتثل للاتفاق وسوف تستمر في تطوير أسلحة نووية. وبدلًا من رفسنجاني وظريف، سيتم انتخاب المتشدد آية الله محمد تقي مصباح يزدي والجنرال قاسم سليماني، لمنصب المرشد الأعلى والرئيس، على التوالي. ومع عدم جدوى الجهود الدبلوماسية، فإنّ الرئيس القادم للولايات المتحدة سوف يشنّ غارات جوية ضد المواقع النووية الإيرانية، وسوف تشارك بريطانيا في هذه الهجمات.
ويبقى السؤال: ماذا ستفعل إيران ردًا على مثل هذه الضربات؟ تشاركت الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية على مدى عقود في حرب سرية مع إيران. الجمهوريون والإسرائيليون والسعوديون الذين يروجون لعمل عسكري مباشر ضد إيران بحاجة إلى معرفة الفارق بين الرقص مع الشيطان وملاكمته.
سيكون رد فعل إيران الأول عنيفًا ضد القوات والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وربما في بلدان أخرى. وقد يهاجم حزب الله إسرائيل. وربما تهاجم الميليشيات الشيعية العراقية “عصائب أهل الحق” القوات الأمريكية في العراق – إذا كانت هناك أي قوات بالأساس. وقد يهاجم الحوثيون السفارة الأمريكية في اليمن. وربما تهاجم الميليشيات الشيعية المصالح الأمريكية في المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين. كما يمكن الهجوم على السفارتين الأمريكية والإسرائيلية في العديد من البلدان.
ويمكن أن تنطوي الجولة الثانية من الانتقام الإيراني على محاولة إغلاق مضيق هرمز لمنع تدفق النفط من الخليج ومهاجمة إسرائيل بصواريخ متوسطة المدى. وسيتعين على الولايات المتحدة إقناع إسرائيل بالتراجع بنفس الطريقة التي فعلتها بعد هجمات صدام حسين خلال حرب الخليج عام 1991. وفي ظل الأزمة التي يعاني منها الشرق الأوسط، يمكن أن تتجاوز أسعار النفط الخام المستوى القياسي الذي وصلت له في يوليو عام 2008 حين وصل سعر البرميل إلى 144 دولارًا. تخيل تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي.
الهجمات المباشرة على المواقع النووية الإيرانية يمكن أن تؤدي إلى مجموعة متنوعة من النتائج. في عام 1981، وفي عام 2007، دمر سلاح الجو الإسرائيلي المفاعلات النووية العراقية والسورية. الفرق بين إيران وتلك الحالات هو أن إيران أكبر ثلاث مرات من العراق، سواء من حيث مساحة الأرض أو السكّان. كما تمتلك إيران نظام دفاع جوي أقوى بكثير وقدرات عسكرية وتكنولوجية أفضل بكثير مما كانت تمتلكه العراق في عام 1981 أو سوريا في عام 2007.
قد يؤدي الهجوم على إيران إلى حرب شاملة، وهو آخر ما يتمناه الشعب الأمريكي بعد فقدان 4500 جندي وتريليون دولار من خلال المشاركة في حرب العراق. إنّ أي هجوم على إيران قد يعزز المتشددين في طهران ويُسكت مخيم الإصلاحيين. ومن شأن إيران النووية تحفيز المملكة العربية السعودية لبدء برنامج السلاح النووي الخاص بها.
يفترض السيناريو المعتدل استمرار النهج الحالي مع إيران، وإظهار المرونة والحزم. وبدلًا من الأمل في مستقبل أفضل أو الخوف من الأسوأ، يمكننا التنبؤ بقدوم مرشد أعلى متشدد مع رئيس إصلاحي أو العكس. وبدلًا من توقع الامتثال الكامل للاتفاق التفاوضي أو إطلاق إيران للقنبلة النووية، فإن النتيجة الأكثر احتمالًا من الصفقة هي حدوث عدة خلافات في المستقبل ضمن الاتفاقية الحالية؛ لأنه، كما نتوقع جميعًا، “الشيطان يكمن في التفاصيل”.
في ظل هذا السيناريو الأكثر واقعية، ربما تفعل إيران كل ما في وسعها لتجنب فتح مواقعها العسكرية لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وربما يهدد الرئيس المقبل أو يعيد النظر في العقوبات الأمريكية على إيران، وستكون النتيجة عبارة عن مواجهات وتهديدات وأزمات لن تصل إلى مستوى التدخل العسكري.
إذا كان هذا هو السيناريو الأكثر واقعية، فإنّه يتضمن العديد من المخاطر، وبذلك تصبح النتيجة الممكنة من الصفقة الإيرانية هي زيادة التطرف بين السُنة والشيعة في الشرق الأوسط. يجادل الجنرال سليماني بأنّ “الفوضى التي بدأتها إيران في العراق عام 2003 ومن ثم التوسّع في لبنان وسوريا واليمن أدت إلى الامتثال الأمريكي معنا”.
ويقول نبراس الكاظمي، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد هدسون: “ليس لدينا أي خيار سوى الاستمرار في طريقنا حتى النهاية. ومن ناحية أخرى، تنظيم داعش، العدو الرئيس لإيران، يقول بأنّ الفوضى التي بدأتها إيران في عام 2003 في العراق وتوسيع نطاقها في لبنان وسوريا واليمن هي السبيل الوحيد لردع جشع الشيعة. يعتمد الحكام العرب الضعفاء على الولايات المتحدة، التي تخلت عنهم من الضربة الأولى. ليس لدينا أي خيار آخر سوى السير في طريقنا حتى النهاية“.
زنس إنسايدر
التقرير