دخلت المظاهرات الاحتجاجية في العاصمة بغداد ومدن عدة بجنوبي العراق شهرها الثاني، وتخللتها محطات عديدة وأحداث دموية أسفرت عن سقوط نحو 350 قتيلا وجرح 17 ألفا لحد الآن منذ انطلاقها بادئ الأمر مطلع الشهر الماضي.
ففي الأول من أكتوبر/تشرين الأول خرجت مظاهرات في العاصمة بغداد تطالب بتحسين الظروف المعيشية ومحاربة الفساد وتوفير فرص عمل، وتم قمعها بالقوة، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى وآلاف الجرحى. وفي ليلة 24 من الشهر ذاته بدأت الموجة الجديدة من المظاهرات وبأعداد مضاعفة ومواقع امتدت من العاصمة بغداد إلى العديد من المدن جنوبي البلاد.
“قررنا الاعتصام بعد مقتل أصدقائنا أمام أعيننا”، هكذا قال المتظاهر المصور علي عبد الكريم. وأكد أنه “من أول يوم بالاعتصام، استخدموا الرصاص الحي ليقمعونا، ثم بعدها تم استعمال القنابل المدمعة والقنابل الصوتية”.
وأشار عبد الكريم إلى أن “هذه القنابل المدمعة، وهي بحجم 40 ملم، غير صالحة للاستخدام ضد التجمعات البشرية، لأنها تخترق الرأس وتؤدي إلى القتل”، مبينا أن “معدل إطلاق القنابل تقريبا عشر إطلاقات في الدقيقة”.
المطعم التركي
المطعم التركي، الذي أطلق عليه اسم “جبل أحد”، أصبح مقرا للمتظاهرين بسبب مكانه الإستراتيجي الذي يطل على ساحة التحرير، حيث كانت الحكومة تستغله لقمع المظاهرات قبل أن يسيطر عليه المتظاهرون، كما تمت السيطرة على أغلب الجسور المرتبطة بالساحة، وأقاموا عليها حاجز صد لمنع قوات مكافحة الشغب من الوصول للساحة وإيذاء المحتجين.
تحت “جبل أحد” نصبت الخيام وتم تنظيم الساحة، بحسب عبد الكريم، كما نظم المتظاهرون ممرات سير عجلات التكتك لنقل الجرحى، إضافة إلى تنظيم أقسام أخرى كفرق الإسعاف وخيم التموين والطبخ وخيم غسل الملابس، فضلا عن وجود فرق خاصة لتنظيف للساحة، وهناك أيضا نشاطات أخرى مثل الرسم على الجدران والعزف وسباق الماراثون وسباق عجلات التكتك.
ولفت عبد الكريم إلى أن “المعتصمين مستمرون ولن يعودوا إلى منازلهم حتى تتحقق أبسط مطالبهم مهما طالت المدة، لأنهم يعتبرونها الفرصة الوحيدة لتغيير النظام”، مؤكدا “لن نعود لأن أصدقاءنا قتلوا هنا، ولا يمكن التفريط في دمائهم”.
ورجح أن يتم “قمع المظاهرات بالقوة في الفترة المقبلة”، موضحا أن “ذلك سيكون قرارا خاطئا لأن المعتصمين لن يعودوا حتى وإن حدث حمام دم، وحتى وإن قمعت هذه المظاهرات فلن يعود أي شيء كما كان بالسابق، سيولد غضب أكبر من الموجود، وهذا ما سيؤدي إلى حرب أهلية”.
اهتزاز الطبقة السياسية
ورغم الحديث المستمر عن عدم وجود أي مكسب للاعتصامات حتى بعد مرور نحو شهر، أكد الصحفي عمر الشاهر أن “الاعتصامات حققت أهم مكسب، وهو اهتزاز الطبقة السياسية لأول مرة منذ عام 2003 بهذه الشدة، وتعمد اتخاذ إجراءات غير مسبوقة، ومعظمها استثنائي، لكن المعتصمين لا يهتمون بقرارات الحكومة”.
أما عن مصير هذه الاحتجاجات، فقال الشاهر “لا يوجد مصير محدد الملامح لهذه المظاهرات”، مبينا أن “هناك أجواء سياسية متغيرة، ووعي الشارع متغير، هناك نضج بالمطالب، فالأمر لم يعد يقتصر على الخدمات وفرص العمل، أصبح الحديث عن وطن وكرامة، هذه المصطلحات لم تكن جزءا من أدبيات السجال الشعبي”.
ولفت إلى أن مطالب المتظاهرين معقدة، لأنهم يعتقدون أن حركتهم الاحتجاجية ستنتهي إذا ارتبطت بمطالب محددة، كما حدث في تجارب أخرى، مشيرا إلى أن “هذه المظاهرات صرخة ألم وشعور بالظلم والغبن، فالناس تعتقد أنها استعادت شيئا من كرامتها المهدورة منذ 16 سنة بخروجهم للاحتجاج”.
وأكد أن “المنتصر في نهاية المطاف هو الطرف الذي سيتحلى بأكبر كمية من الصبر، هل ستتحمل الحكومة هذا الضغط المستمر؟ إذا تحملت واستطاعت التطاول، فستربح، هل سيصبر المحتجون ويرابطون في الساحات؟ إن فعلوا فسيربحون حتما”.
أما المحلل السياسي مازن العقابي فأكد أن “المطالب لا يمكن أن تتحقق دون وعي وإرادة سياسية للتغيير الحقيقي بإقالة أو استقالة الحكومة وتشكيل حكومة مؤقتة مهمتها إيجاد قانون انتخابات منصف وعادل، إضافة إلى قانون مفوضية مستقلة جديد، وفتح ملفات الفساد”.
وتوقع العقابي “هروب عدد من السياسيين واختفاء الكثير منهم من المشهد السياسي الجديد في الفترة القادمة”.
وأما المحلل السياسي نجم القصاب فقد قال إن “كل المؤشرات والمعطيات تشير إلى صعوبة تراجع المظاهرات عن الأماكن المحددة، المظاهرات استطاعت أن تتمدد وتصل إلى ميناء أم قصر ومحافظات الوسط والجنوب، حتى في مدينة بغداد استطاعت الوصول إلى جسر السنك وجسر الأحرار، فضلا عن دعم المرجعية لها، حيث أطلقت عليها ثورة الإصلاح”.
القصاب أكد أن “التدخل الإقليمي أصبح اليوم أكثر ضعفا، خصوصا من الطرف الإيراني الذي كان يعوّل على أن يضعف نفوذ المظاهرات إذا نجحت”.
الموقف الحكومي
وفي المقابل، قال المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد إن “الحكومة، وبسبب ضغط المظاهرات، أقرت ثلاث حزم إصلاحية تلبية للمطالب، هناك نسبة منها نفذت، أما الإصلاحات التي تعتمد على الأموال فهي قيد التنفيذ حتى إقرار الموازنة المقبلة”.
وبيّن أن “من ضمن الحزم الإصلاحية المنفذة، فقد تمت إعادة المفسوخة عقودهم من وزارتي الداخلية والدفاع، ومن مؤسسة الحشد الشعبي وجهاز مكافحة الإرهاب، وأيضا تم تعيين المهندسين وحملة الشهادات العليا، وتخصيص قطع أرضية لشريحة المشمولين بالرعاية الاجتماعية وذوي الاحتياجات الخاصة”.
المصدر : الجزيرة