سأفشي لكم سراً روسياً في قاعدة حميميم السورية

سأفشي لكم سراً روسياً في قاعدة حميميم السورية

لن يغريني حوار رئيس النظام السوري مع تلفزيون “روسيا اليوم” الإنكليزي رغم كل ما فيه من تضليل وكذب وإحراجات، وضع المحقق الروسي بشار الأسد فيها، فغدا مختلاً كذوباً حتى من نظر حواضنه ومؤيديه.
وسبب عدم وقوعي في ذاك الإغراء، رغم شهيته ليكون مادة ساخرة، تصلح ربما لمسرحية “ميلودراما” تتفوّق على “زبال” ممدوح عدوان، بتصويرها أوجاع السوريين، بعد بلواهم بوريث غلب عليه “الفصام واضطراب الوجدان ثنائي القطب” حتى بات، فضلاً عن كونه مريضاً نفسياً ناكراً، خطيراً على كل من حوله.

إذ هناك ما هو أشهى، وربما أكثر دلالة وإيلاماً في آن، إنها قاعدة حميميم الروسية في جنوب مدينة اللاذقية السورية، والتي أجّرها الرئيس المناضل بشار الأسد لداعمه المناضل فلاديمير بوتين، مع ميناء طرطوس، لمدة 49 عاماً فقط! طبعاً قابلة للتمديد، بهدف حماية الأسد واسترداد بعض أموال روسيا وخسائرها، تحت عنوان فضفاض وعريض، وهو إعادة التوازن الإقليمي والدولي.

ولأن “باطل الأباطيل باطل” لن أدخل بقانونية ذاك “الاحتلال” وتوسع سيطرة روسيا الاتحادية إلى خارج قواعدها، بل سنحاول الدخول إلى قاعدة حميميم، علنا نُخرج للقارئ بعض ما يحاول الروس إخفاءه، وراء جدران يُمنع، حتى على بشار الأسد الوصول إلى ما وراءها.

ولعل من مشهدين، سربتهما روسيا متعمدة، وضوح لا يحتمل التأويل، لمكانة وسطوة وصلاحية بشار الأسد، في تلك القاعدة.

إغراء أجر الروس في حميميم جعل من الخدمة بالقاعدة محط تسابق بين الجنود البوتينيين، بل ومساعٍ ورشى لتمديد الخدمة إلى أطول مدة ممكنة

المشهد الأول في ديسمبر/ كانون الأول 2017، وقتما توقف بوتين بقاعدة حميميم، خلال زيارته إلى مصر وتركيا وقتذاك، وكان الأسد ضمن مستقبليه ومودعيه، وتم منعه بلقطة شهيرة من اللحاق بالرئيس الروسي المتجه لطائرته.

والمشهد الثاني في أغسطس/ آب 2019، حينما ظهر بشار الأسد مقابلاً لوزير الدفاع الروسي بحميميم، في مشهد ذي دلالات كثيرة، أولاها انتفاء صفة الرئيس عن الأسد وربما آخرها أنه ضيف وغير مرحب به في بلده.

ولأن القاعدة جوية ومن فيها جنود، فحبذا ألا نغرق في ما هو خارج حياة العساكر الروس اليومية، من دون أن ندخل في خصوصيات الجنود طبعاً واحتياجاتهم الجسدية وكيف تتم تلبيتها ومع من، فهذا من الإسفاف، ما قد يخرجنا عن لب الموضوع ويوقعنا بالتدخل بشؤون البشر وحقوقهم الشخصية، وذاك ليس من الديمقراطية والتحضّر في شيء.

كذلك سأعتبر زيارة عشرات الفتيات المقربات من “عائلة الأسد” منذ مارس/ آذار 2016 إلى قاعدة حيميم، وإقامتهن “تكريمية واحتفالية” للطيارين الروس المتمركزين في القاعدة، وكل ما قيل ويقال عن مجموعة “صبايا عطاء”، التي تقودها “عليا خير بك” الحاملة للجنسية الروسية، محض افتراء وكلام عزال.

رقم واحد وأول القول سؤال، كم يتقاضى الجندي الروسي بقاعدة حميميم، وكم يتقاضى الجندي الروسي ببلده، والأهم كم يتقاضى الجندي الذي يقاتل إلى جانب بشار الأسد، فيما يسمى زوراً وبهتاناً “الجيش العربي السوري”؟

بحسب صحيفة “أرفومنتي إي فاكتي” وليس من اختراعي، يتقاضى الجندي الروسي بقاعدة حميميم راتباً شهرياً قدره 1800 دولار أميركي مقابل 26 ألف روبل (400 دولار) يتقاضاه الجندي في روسيا.

وأما الجندي الأسدي، فيتقاضى، وبعد الزيادة التي منّ بها القائد الأسد على العسكريين العام الماضي، 41715 ليرة سورية (أي نحو 60 دولاراً) في حين يتقاضى ما يعرف بالضباط الأمراء، يعني أعلى الرتب العسكرية، وبعد عطاء الزيادة، 81605 ليرات (نحو 115 دولاراً).

وإغراء أجر الروس بحميميم جعل من الخدمة في القاعدة محط تسابق بين الجنود البوتينيين، بل ومساعٍ ورشى لتمديد الخدمة إلى أطول مدة ممكنة، فهنا بسورية الأسد، يوجد، بحسب عضو المجلس الاجتماعي لوزارة الدفاع الروسية العقيد فاليري فوستروتين، خلال حديث لكالة “تاس” الروسية ” حياة مثالية، الطعام متنوع، وكامل السعرات الحرارية، وصحي.

ولدى الجنود كابينات استحمام، وغسالات، وصالات رياضية مزودة بأجهزة رياضية، وغرف التفريغ النفسي. وفي حميميم السورية سابقاً ساحة يزرع فيها الضيوف البارزون الأشجار. وأيضاً توجد نافورة جميلة، إنه الفردوس، وبالإضافة إلى الكنيسة هناك فرن للخبز والمعجنات الروسية، وملاعب رياضية ومكتبات.

ولئلا يشعر بواسل الجيش الروسي بالغربة، تحولت قاعدة حميميم إلى مدينة عسكرية روسية متكاملة، بشوارعها وساحاتها التي تحمل أسماء الجنود والضباط الروس الأبطال. يوجد شارع باسم بطل روسيا أوليغ بيشكوف، وآخر باسم بطل روسيا الطيار رومان فيليبوف، وثالث باسم بطل الاتحاد السوفييتي الجنرال فاسيلي مارغيلوف ورابع باسم الطيار رومان فيليبوف، وساحة بطل روسيا الجنرال فاليري أسابوف.

ولأن الأسد حول سورية، بمن فيها، إلى ساحة تدريب وحقل تجارب للسلاح الروسي، قالت وزارة الدفاع الروسية خلال بيان في أغسطس العام الماضي إن أكثر من 63 ألف جندي روسي اكتسبوا خبرة قتالية في سورية، بينهم 26 ألف ضابط و434 جنرالاً. وجرّب الجيش الروسي وطور أكثر من 300 نوع من الأسلحة بالاستفادة من الميدان السوري.

وبيان وزارة الدفاع الروسية كان قبل التوسعة لتستطيع “حميميم” استقبال الطائرات العسكرية الضخمة وتركيب أجهزة تستطيع مسح كامل الأراضي السورية، بالإضافة إلى لبنان وإسرائيل والعراق وإيران.

ووصل الأمر، وبحسب مسؤولين في غرفة المراقبة، إلى “هذا خيالي بشكل عام، كما في أفلام الخيال العلمي. كل أراضي سورية على شاشات ضخمة، إذا لزم الأمر، يتم تكبير المكان لرؤية أي مكان حتى لو كان محلاً صغيراً، والكهف حيث يوجد المسلحون”.

نهاية القول: ربما ما غاب عن الرئيس الروسي أن بناء الثقة وتأسيس العدالة عبر قواعد اجتماعية أهم من القواعد العسكرية وأبقى، فالشعب الذي خرج على الأسد الابن بعد توريثه سلطة ممتدة لنصف قرن، فيها من طرائق وأدوات القمع والتنكيل، ما لم يدخل قاعدة حميميم بعد، لن يخنع للمحتلين الجدد.

بل وعلى الأرجح، أن حلم “القيصر” التوسعي سيسقط بسورية، والذي لم يخفه وإن ساقه مزاحاً خلال إجابته عن سؤال الطفل ميروسلاف أوسكيركو “9 سنوات”: أين تنتهي الحدود الروسية، أثناء حفل توزيع الجوائز للفائزين بجائزة الجمعية الجغرافية الروسية، نهاية 2016: لا تنتهي حدود روسيا عند مضيق بيرينغ، حيث تقع الولايات المتحدة، حدود روسيا لا تنتهي في أي مكان.

العربي الجديد