آسيا الوسطى في ميزان التوتر بين واشنطن وطهران

آسيا الوسطى في ميزان التوتر بين واشنطن وطهران

مع ارتفاع حدة التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، اتجهت الأنظار إلى دول آسيا الوسطى التي تمتلك موقعا جيواستراتيجيا مهما، وأي منها سيتأثر أكثر، إذا ما حصل تصعيد إضافي في العلاقات بينهما، لا سيما إذا أخذت حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية أبعادا مختلفة.

بدأ الاهتمام الأميركي بمنطقة آسيا الوسطى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، خاصة مع وجود ثروة نفطية ضخمة بها، وموقعها المتاخم لروسيا والصين وإيران، ما جعلها هدف صراع القوى الكبرى حول الموارد الاقتصادية، وخطوط نقل النفط والغاز.

كما تمثل عددا من الدول المتاخمة لآسيا الوسطى خصوما أو منافسين لواشنطن، وفي مقدمتها إيران، ومحاولات الولايات المتحدة التغلغل فيها يشكل عاملاً مهماً في إضعاف الدول المناوئة.

وظهرت الأهمية الجيوسياسية للمنطقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، مع الحملة العسكرية الأميركية على أفغانستان، وأصبحت واشنطن بحاجة كبيرة إلى دول آسيا الوسطى، بسبب الجوار المباشر لأفغانستان، للتمكن عبرها من توفير الإمداد للقوات الأميركية.

كما برزت أهميتها مرة أخرى مع بدء الولايات المتحدة غزوها العراق عام 2003، عندما رفض البرلمان التركي السماح باستخدام الأراضي التركية في العملية العسكرية، لتتجه الأنظار نحو آسيا الوسطى والقواعد العسكرية الأميركية هناك.

وعادت اليوم من جديد الأنظار نحو جمهوريات آسيا الوسطى الخمس (كازاخستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان)، مع بدء مرحلة جديدة من التوتر بين واشنطن وطهران، حيث يربط المراقبون أهمية المنطقة للولايات المتحدة الأميركية التي تجمعها علاقات عسكرية وسياسية واقتصادية مع معظم دولها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية مدى تأثر تلك الدول إذا أخذ التصعيد الأميركي الإيراني منحى أشد تعقيداً، لا سيما أن إيران هي الجوار القريب لآسيا الوسطى.

يمكن وصف العلاقات الإيرانية- الأوزبكستانية طوال فترة حكم الرئيس الأوزبكي السابق إسلام كريموف، بأنها متوترة وغير ودية بشكل عام، ووفقاً للكثير من الخبراء، فإن النبرة حددها إلى حد كبير التصريحات القاسية المتكررة للزعيم الأوزبكي الراحل، فيما يتعلق بعدم قبول النموذج الإيراني، وتصديره للمنطقة، وتهديد التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لعدة بلدان بآسيا الوسطى.

إلا أن العلاقات بين طهران وطشقند تحسنت، بشكل ملحوظ بعد تولي شوكت ميرزاييف السلطة في أوزبكستان ديسمبر (كانون الأول) 2016، وفي نهاية عام 2018، بلغت التجارة بين البلدان 306 ملايين دولار، منها 172 مليون دولار تمثل الصادرات الأوزبكية، و133 مليون دولار الواردات، تصدر أوزبكستان إلى إيران القطن والمعادن الحديدية وغير الحديدية والأسمدة المعدنية والألياف الكيماوية وتستورد مواد البناء والمعدات الكهروميكانيكية والفواكه، والفواكه المجففة والمنتجات البلاستيكية، ويوجد حالياً 120 مشروعا مشتركاً بمشاركة مستثمرين إيرانيين في أوزبكستان، بعضهم برأس مال إيراني مئة في المئة.

وما يخص باقي جمهوريات آسيا الوسطى، أخذت الأمور منحى متفاوتا بين حذر وبين علاقة خيّم عليها المصالح المتبادلة بعيداً عن أي تجاذبات أو الدخول في تحالفات أو حتى اتفاقات ثنائية تستهدف أطرافا أخرى، حتى التصريحات السياسية كانت حساسة جدا في التعامل مع أي شأن إيراني متداخل مع أطراف ثالثة.

وكانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال طاجيكستان، حيث لعبت اللغة وانتماء الطاجيك إلى العرقية الفارسية (باقي دول آسيا الوسطى تنتمي إلى جذور تركية) دور كبير في تقريب شعبي البلدين، وبدعم من طهران، بُنيت محطة Sangtuda-2 الكهرومائية في طاجيكستان، واستثمرت إيران بالعديد من المشروعات الحكومية الأخرى، كما يعمل في طاجيكستان العديد من الشركات الإيرانية الصغيرة في مجالات الطاقة والبناء والزراعة والنقل.

ومع ذلك، تدهورت العلاقات بين البلدين عام 2016، عندما دُعي زعيم حزب النهضة الإسلامي المحظور في طاجيكستان محيي الدين كبير، إلى مؤتمر دولي في طهران. وفي أوائل عام 2019 ، تم تعيين دبلوماسيين ذوي خبرة بمناصب رؤساء البعثات الدبلوماسية لطاجيكستان في طهران وإيران في دوشانبيه، وما يمكن اعتباره رغبة الجانبين في تحييد أي حساسية سياسية بينهما لصالح المنافع التجارية.

ووفقاً للإحصاءات الرسمية الطاجيكية، انخفض حجم التجارة الثنائية الطاجيكية الإيرانية على مدار الأعوام الخمسة الماضية تقريباً ثلاث مرات: من حوالي 295 مليون دولار عام 2013 إلى 97 مليون دولار عام 2018، وبلغ حجم التبادل التجاري بين إيران وطاجيكستان لمدة 11 شهراً من عام 2019 حوالي 58 مليون دولار فقط، أي بانخفاض قدره 35% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

ولم تكن هناك أي علاقات مميزة بين كازاخستان وإيران، على الرغم من أنهما تتجاوران في بحر قزوين، وحاولت كازاخستان دوما عدم إزعاج الولايات المتحدة الأميركية في علاقاتها مع إيران. وبنظرة اقتصادية، ومن غير المرجح أن يشكل الصراع بين إيران والولايات المتحدة تهديداً خطيراً لكازاخستان، إن لم يكن العكس، بسبب التصريحات الحربية من طهران والبيت الأبيض في الآونة الأخيرة، ما أسهم في ارتفاع أسعار النفط بشكل غير مباشر، الذي صب بدوره بمصلحة كازاخستان.

لم تتوقف العلاقات الاقتصادية بين البلدين حتى خلال سنوات العقوبات، وبقيت التجارة عند مستوى جيد، حتى أن البلدين تمكنا من إقامة تعاون استثماري، وبلغ حجم التجارة الإيرانية – الكازاخستانية عام 2018 حوالي 520 مليون دولار، منها حوالي 83 في المئة تم تصديرها من قبل كازاخستان، وتعمل العشرات من الشركات المتوسطة والصغيرة ذات الاستثمارات الإيرانية في كازاخستان، وينفذ رجال الأعمال الكازاخ أيضاً مشروعات استثمارية بإيران، واستثمرت مجموعة أوراسيا غولد حوالي 70 مليون دولار في أحد رواسب التعدين الإيرانية، وهو أكبر استثمار أجنبي باقتصاد هذا البلد خلال سنوات العقوبات.

كما لم تكن في العلاقات بين قيرغيزستان وإيران منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1992 تطورات ملحوظة. في الوقت نفسه، حرص الجانب الإيراني على عدم فقدان وجوده في قيرغيزستان، وفقاً للدبلوماسيين القيرغيزيين، بسبب الحدود المشتركة بين جمهورية آسيا الوسطى والصين، ووقع الطرفان اتفاقيات تعاون بمجال النقل والجمارك والعلاقات التجارية والاقتصادية، وشاركت الشركات الإيرانية في بناء طريق سريع يربط بيشكيك العاصمة القيرغيزية مع أوش جنوبي البلاد.

وفي عام 2018، نمت التجارة بين البلدين إلى 47 مليون دولار من 15 مليون دولار عام 2016، وتقوم إيران بشكل أساسي بتوريد الملابس والمكسرات والطلاء إلى قيرغيزستان، وتستورد اللحوم والحبوب. واليوم، تعمل 180 وحدة صناعية على أراضي قيرغيزستان بدعم من طهران.

ويعتقد الخبراء أن العلاقات الإيرانية التركمانية لها خصوصية مميزة، لا سيما بالمقارنة مع الأوزبكية الإيرانية، فإنهم يظهرون انفتاحاً كبيراً. وبالمقارنة مع الكازاخستانية الإيرانية، فهي أقل اعتماداً على مواقف شركاء التعاون الآخرين، ويمكن اختصاراها بأنها مبنية على أساس الضرورة الاقتصادية، وتتجاهل الاختلافات السياسية تقريباً بالكامل.

وهناك فرق آخر أعمق، ويتمثل في أن النسخة التركمانية – الإيرانية للعلاقات الثنائية تحددها بشكل كبير المنفعة المتبادلة للطرفين في غياب أي خيار آخر، وكلا البلدين محكوم بعلاقات ثنائية قوية، وإيران هي أكبر شريك تجاري لتركمانستان بعد روسيا، والتبادل التجاري بينهما يتجاوز المليار دولار، وتعتبر إيران من المستوردين الرئيسيين للنفط والغاز التركماني، وكذلك البتروكيماويات والمنتجات النسيجية، وتم بناء حوالي 150 شركة على أراضي تركمانستان بمساعدة إيران.

باسم الحاج جاسم

اندبندت العربي