لا تشمل مبادرة الصين المسماة “الحزام والطريق”، أو ما باتت تُعرف اصطلاحاً بـ”طريق الحرير الجديدة”، أي دولة عربية بشكل رسمي في مساراتها الستة الأساسية، استثناء لافت لا سيما وأن الصين تستورد 40 في المئة من نفطها من المنطقة العربية. وللتذكير، فإن “الحزام والطريق” تربط 65 دولة ببعضها عبر شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية والموانئ وخطوط أنابيب النفط والممرات البحرية، فضلاً عن شبكات الاتصالات.
وتمتد الطريق الأولى من العاصمة الصينية مروراً بآسيا الوسطى، قبل أن تجتاز حدود أوروبا من إسطنبول التركية باتجاه الأراضي الروسية لتعود مجدداً نحو وجهتها الأخيرة في أوروبا، على شكل حزام. وبموازاة ذلك، تُنشئ الصين ممراً بحرياً عابراً للمحيطات والقارات، وهذا الممر أطول من الطريق البرية وأكثر حيوية، نظراً إلى ما يحويه من إمدادات للطاقة، إلى جانب كونه حاملة للتبادل التجاري.
المبادرة الصينية
معهد “راند” الأميركي الشهير درس، في أحد تقاريره البحثية، إفرازات المبادرة الصينية في غرب آسيا على أكثر من صعيد، خصوصاً في قطاعات النقل والتجارة والطاقة. وخلصت دراسة “راند” إلى احتمال حصول زيادة في التجارة في مصر بنسبة لا تتجاوز 10 في المئة، في مقابل تأثير شبه معدوم في بقية الدول العربية، بما في ذلك دول شمال أفريقيا.
ومع أن الصين تكرّر دائماً رغبتها في تعزيز الشراكة مع الدول العربية، فإن مخطط “الحزام والطريق” لا يعكس هذه الرغبة، وقد يؤشر إلى اتجاه عالمي للتقليل من الاعتماد على مصادر الطاقة، تحديداً من الشرق الأوسط في المديين المتوسط والبعيد.
تكامل عربي؟
ومع ذلك، فقد سارعت الدول العربية بشكل فردي إلى توقيع اتفاقيات للتعاون مع الصين على هامش المبادرة للاستفادة من مشاريعها، إلاّ أنّ طبيعة المبادرة ذاتها تفرض تكاملاً عربياً على تحوّل المنطقة العربية إلى موقع جذب للاستثمارات الخارجية، في موازاة التحديات التي ستفرضها المعطيات الجديدة الناجمة عن المشروع الصيني الضخم، والذي يحول دولاً أخرى في آسيا الوسطى إلى مركز ثقل مهم للربط بين دول المبادرة الـ 65.
وعلى الرغم من أن حجم التجارة الصيني العربي قد ناهز 191 مليار دولار في نهاية عام 2017، إلاّ أنّ هذا الرقم ليس بالقياسي مقارنة بما سينتج من مشاريع استثمارية صينية، كلفة تأسيسها فقط 900 مليار دولار.
ولعلّ التحدي الأساس بالنسبة إلى الدول العربية هو في أن الصين، التي تستورد حاجاتها من النفط من مجلس التعاون الخليجي، تبحث عن موارد من خارج الشرق الأوسط، وتعوّل على خط أنابيب يمتد بين الصين وروسيا، مروراً بآسيا الوسطى كبديل لتأمين حاجاتها.
ما الإجراءات الممكنة لتفادي الواقع الجيوسياسي والاقتصادي الذي سينشأ عن المبادرة الصينية؟
تمتلك الدول العربية بالتأكيد الفرصة في الوقت الراهن لممارسة مزيد من الضغوط على الصين كي تكون ملحوظة بشكل مباشر جغرافياً ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، لكن هذه الخطوة يجب ألاّ تقتصر على عنصر الجذب النفطي، بل الأساس لنجاحها يكمن في توفير رؤوس أموال لمشاريع المبادرة.
وهذا يقودنا إلى ضرورة مسارعة الدول العربية إلى تشكيل إطار تجاري فعال قادر على تأمين سلع وخدمات ضمن معايير متكاملة عالمياً، أو بكلمات أخرى، الانتقال من الاعتماد على الثروات الطبيعية إلى منظومة تجارية قائمة على الخدمات، وخطوة كهذه لا تُعنى فقط بالمبادرة الصينية، بل هي ضرورة مع التغيرات الحاصلة في الاقتصاد العالمي.
وبمقدور الدول العربية التحذير ممّا تترتب عليه المبادرة الصينية من نتائج سلبية على المنطقة في المدى المنظور، بهدف تحسين شروط تفاوضها وللتخفيف من هذه الآثار، علماً أن إحدى قنوات التغيير الممكنة هي تقاطع المبادرة الصينية مع أهداف التنمية المستدامة الصادرة عن الأمم المتحدة، فضلاً عن العامل الأمني الشديد الأهمية بالنسبة لـ”بكين”، كون جميع طرق المبادرة وخطوط الربط في ما بين عناصرها تحتاج إلى توافر الأمن غرب آسيا.
في العالم القديم، كانت طريق الحرير، المسار الذي حمل معه ثقافات الشعوب ومعتقداتها وحضاراتها إلى أقصى أطراف الأرض. المنطقة العربية مطالبة بأن تكون في قلب الطريق الجديدة التي تعيد تشكيل جزء مهم من خريطة العالم، وهي قادرة على لعب دور مؤثر، شرط تغيير الذهنية القائمة على استثمار الثروات الطبيعية فقط.
علي شهاب
اندبندت عربي