الصراع الدولي في سوريا

الصراع الدولي في سوريا

121338_0

جاء الروس إلى سوريا لمساعدة الرئيس بشار الأسد، ولأهداف خاصة بهم أيضاً. وقد صار واضحاً منذ أربع سنوات أنّ الرئيس بوتين أشدّ أنصار النظام السوري حماساً بعد خامنئي. وفي السنوات الماضية (2012- 2015) كان للروس على الأرض السورية زُهاء ستة آلاف مقاتل ومستشار وخبير تدريب. المقاتلون كانوا مختصين بحماية القاعدة البحرية في طرطوس، والسفارة الروسية، ومراكز مصالح روسية مهمة في البلاد. أما الآخرون، وكلُّهم ضباط من رُتَب عالية، فكانوا وما يزالون في غُرَف عمليات الجيش السوري بالمنطقة المركزية وسائر المناطق، وبمراكز التدريب على الأسلحة الجديدة، وخاصة سلاح الطيران والإلكترونيات العالية التي ما عاد همها مراقبة «داعش» والمعارضة السورية فقط، بل ومراقبة الأتراك والقوى الغربية التي تقاتل «داعش» بسوريا والعراق، وتقدم لقوى المعارضة مساعدات. ويقدّر الخبراء التكاليف التي حصل عليها الروس من سوريا خلال السنوات الماضية بحدود العشرين مليار دولار، دفعت نصفها إيران والمالكي.

في كل اندفاعة روسية أو مجادلة مع الولايات المتحدة، يعود بوتين ومعه لافروف إلى النموذج الليبي، والذي يعتقد الروس أن الأميركيين خدعوهم بشأنه عام 2011. لذلك لن يسمحوا بتكراره في سوريا. أي أنّ زيادة تدخلهم إنما جاءت بعد تجدد خوفهم من انهيار النظام كما حدث عام 2013. ففي ذلك الوقت ضاعفت موسكو مساعداتها العسكرية وصارت تتدخل في العمليات، وزاد الإيرانيون مساعداتهم عشرة أضعاف، وفي منتصف 2014 كان لدى الإيرانيين أربعون ألف مقاتل في سوريا بين حرس ثوري وميليشيات. وقلّت الأعداد جزئياً بسبب ظهور «داعش» بالعراق، وانسحاب بعض الميليشيات الشيعية، لكن العدد هناك لا يزال وازناً. إيران وحرسها وميليشياتها و«حزب الله» وقوات الدفاع الوطني، يقاتلون بسوريا على الأرض منذ عامين ونصف. وقد أوقفوا مع الروس تقدم المعارضة عامي 2013 و2014. لكنهم تلقوا انتكاسات قوية في 2015 في شمال سوريا وجنوبها، وهذا فضلاً عن صمود المعارضة المسلحة في سائر المناطق والتي اجتمع عليها «داعش» والنظام وإيران منذ 2013. لكن ليس هذا هو السبب فقط. بل هناك وجوه فشل عانى منها بوتين وعسكريوه، وذلك في أوكرانيا التي ما استطاعوا تحقيق تقدم في شرقها، وعانوا ويعانون من العقوبات الاقتصادية الغربية. كما أن هناك انتكاسة بالعراق، فعندما تضايق حلفاؤهم من «داعش» ما لجأوا إليهم بل لجأوا للولايات المتحدة التي أنشأت تحالفاً ضد «داعش» رفضت روسيا وإيران الدخول فيه. والآن يدخل بوتين متحدياً الولايات المتحدة، في سوريا بالقتال إلى جانب الأسد، وفي العراق بإنشاء مركز استخباري لمساعدة الأسد، حسب العبادي الذي قال ذلك حتى لا ينزعج الأميركيون الذين لا يحبون فكرة أن يجمع الروس معلومات عنهم هناك.

ماذا تستطيع الولايات المتحدة فعله؟ بدا الأميركيون متفاجئين ومرتبكين، لأنّ الروس بدأوا غاراتهم بسوريا على معارضة الأسد (وليس على «داعش»)! يستطيع الأميركيون وحلفاؤهم الأتراك والعرب في الأسابيع القادمة، وبعد مراقبة التصرفات الروسية والإيرانية، القيام بأمرين: الأول إنشاء منطقة آمنة كما تطالب تركيا منذ سنتين. لكن هل يجرؤ الأميركيون والأتراك، أمام مخاطر اندفاع بوتين وهياجه، وإمكان مغامرته بضرب المنطقة بالطيران رغم عدم ضرب الغربيين والاتراك لمناطق النظام؟! والثاني زيادة دعم المعارضة بأسلحةٍ نوعية. وهذا أمر لا مشكلة فيه، لكن هل يشمل السلاح المضاد للطيران؟ لا أظن ذلك. ويستطيع هؤلاء الاستغناء عن برنامج إنشاء معارضة خاصة، ودعم «جيش الفتح» والجيش الأول. لكنْ عندهم مشكلة «النصرة» بالشمال. وهذه المشكلة ليست موجودة في الجنوب، فهل تنشأ منطقة آمنة هناك؟ لا أظن الأردن يجرؤ على ذلك!

يندفع الروس والإيرانيون مجدداً كما في عام 2013. والمطلوب اندفاعة خليجية تركية بغطاء أميركي. سيزداد النزاع شراسة ودموية، وستزداد كل الأطراف عنفاً. الأميركيون يتحدثون عن عام، وقد يكونون مخطئين ويطول الأمر أكثر. فيا للعرب، ويا لسوريا!

د. رضوان السيد

نقلا عن صحيفة “الاتحاد”