إيران ومليشيات الحشد الشعبي في العراق

إيران ومليشيات الحشد الشعبي في العراق

IRAN-Militias

ربما لم يعد صوتٌ يعلو في العراق سوى صوت إيران، وفقًا لتحليلات وتقارير عربية وغربيَّة، فإيران التي تدعم الحكومات المتتالية في العراق منذ الإحتلال الأمريكي للعراق في 9نيسان/إيريل عام2003، بل وتتدخل في تعيينها بشكلٍ أو بآخر هي التي لها صوتٌ عسكريٌّ قويٌّ داخل العراق أيضًا، هي التي تضخُّ أموالًا هائلة وتنتفعُ من كلّ هذا لا شكّ بوضع العراق في مربع أمنها القومي باعتبارها حديقتها الأمامية من ناحية وباعتبارها إحدى دول الخليج من ناحية أخرى. بالطبع لا تسيطر إيران على العراق سيطرة كاملة، ولا يمكن الحديث عن هذا وإنما تحاول إيران لفرض هيمنتها على كامل التراب العراقي، إذ نجحت في بعض الأحيان في السيطرة على قطاعات كاملة وفي بعض الأحيان لم تنجح، إلا أنها وبجدارة أصبحت أبرز لاعب على الأرض العراقية في الوقت الحالي. إذ تعتبر مليشيات الحشد الشعبي في هذا السياق إحدى أهم ورقاتها في المشهد العراقي منذ حزيران/يونيو من العام2014م وإلى يومنا هذا. وفي هذا الإطار نتساءل عن الخلفية التي تأسس عليها ذلك الحشد وأهم مكوناته، وما علاقة إيران به، وما هي المشكلات التي تواجهه، وأخيراً دوره في الاستراتيجية الإيرانية الأمنية والعسكرية والسياسية حيال العراق؟

نظراً للتحول الأمني المفاجىء في المشهد العراقي والذي ظهر في حزيران/يونيو من العام الماضي والمتمثل بسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام”داعش”، على المدينة الموصل، أدرك الإيرانيون خطورة هذا التحول الذي كان من شانه أن يهدد هيمنتها على العراق، لذا أوعزت إلى الميليشيات العراقية في سورية، بالعودة إلى العراق والمشاركة مع القوات الحكومية في مقاتلة تنظيم”داعش”. وفي خطوة داعمة لهذا التوجه أفتت المرجعية الدينية الشيعية العليا بالعراق “بالجهاد الكفائي” في 13 حزيران/يونيو 2014م، لمواجهة هجمات تنظيم الدولة الإسلامية وبذلك تأسست قوات الحشد الشعبي وهي عبارة عن  قوات شبه عسكرية تنتمي إلى المكون الشيعي ظهرت في المشهد العراقي.

ويتألف الحشد الشعبي من الشباب الشيعي العراقي موزعين على أكثر من 42 فصيلًا، بعض تلك الفصائل تتألف من حوالي مليون شخص وأخرى تضم بضع مئات، يعزو مراقبون كثرة عدد الفصائل التي يتكون منها الحشد الشعبي إلى الرغبة في الحصول على امتيازات سلطوية وعسكرية. وتنقسم فصائل الحشد الشعبي إلى قسمين: الأول هو الفصائل الكبيرة المعروفة،مثل منظمة بدر  وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وسرايا السلام ولواء الخراسان وغيرها. وهي تنظيمات ترتبط عقائديّاً وتنظيميّاً ومالياً في شكل مباشر بالإيرانيّين،  وهذا يشكّل خطراً على مستقبل تلك القوّات ودورها في الصراع السياسيّ القائم في البلد. فيما القسم الثاني هو من الشباب الذين استمعوا إلى نداء المرجعية الدينية بعد سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة في يونيو/حزيران عام 2014 وانضموا إلى قطاعات الجيش والشرطة في حزام بغداد وفي محافظات أخرى، حسب عضو لجنة الأمن النيابية عمار طعمة.

ولكسب ود مليشيات “الحشد الشعبي” خصصت الحكومة العراقية قبل أيام جزءًا من ميزانية الدولة الاتحادية لعام 2015 لدعم المليشيات المسلحة، فقد أمر رئيس الوزراء حيدر العبادي، في بيان صادر عن مجلس الوزراء، بإطلاق 60مليون دولار أمريكي لبناء قدرات “الحشد الشعبي”، وتخصيص جزء من الموازنة لهذا الغرض. ويتقاضى كل فرد في الحشد الشعبي 500 دولار أمريكي شهريًا تدفعها الحكومة العراقية التي اشترطت على كل فصيل، ليحظى بالدعم المالي، أن يكون بحجم لواء ويتمتع بهيكلية واضحة. كما تتقلى فصائلهم الكثير من الدعم من رجال الأعمال الشيعة. وتعدّ سرايا السلام التابعة للسيد مقتدى الصدر وسرايا العتبات التي تتألف من خدم (بالمعنى الشرعي) المقامات الشيعية الأكثر تمويلًا. فأغلبية رجال الأعمال العراقيين يؤيدون الصدر بعدد مقاتلي الحشد الشعبي، ولكنه يقدر بعشرات الآلاف، ويشرح قيادي في تشكيل “سرايا الجهاد” المتواجد في أطراف سامراء مخصصات الحشد الشعبي بقوله “عناصر الحشد يستلمون مرتبات شهرية وبدل طعام، أما الإجازات التي يتمتع بها المقاتل فتحدد حسب القطاعات العسكرية التي يتبع لها والوضع الأمني فيها، فعناصر الحشد يعملون بطريقة 50في المئة دواما و50 في المئة استراحة، فيما يتلقون عناية صحية من قبل الوحدات الطبية التي نشرتها وزارة الصحة في المناطق التي يتواجد فيها الحشد الشعبي”.

أما عن علاقة إيران بالحشد الشعبي يمكن القول، يترأس ميليشات الحشد الشعبي جمال محمد جعفر، المعروف باسمه الحركي، أبو مهدي المهندس، الذي يقول عنه مسؤولون عراقيون، إنه اليد اليمنى لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، ويثني عليه البعض من مقاتلي الحشد الشعبي على أنه بمثابة قائد لجميع القوات التي تعتبر كلمته كالسيف عليها.ورغم إنكار الحكومة العراقية لوجود دعم إيراني لتلك المليشيات إلا أن وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي اضطر في النهاية إلى الاعتراف بأن إيران تقدم “دعما كبيرا” لمليشيات الحشد الشعبي المتحالفة مع القوات العراقية، وكان كشف قيادي في ائتلاف “الوطنية” برئاسة ئيس إياد علاوي قد أكد على أن الحرس الثوري الإيراني هو من يتولى تجهيز ميلشيات الحشد بالأسلحة والمعدات القتالية والدعم المالي.

كما نشرت عدة وكالات أنباء صورًا لقائد فيلق القدس قاسم سليماني بصحبة أعضاء في ميليشيات الحشد الشعبي كهادي العامري، وأكدت مصادر أن سليماني يشرف بنفسه على تحركات هذه الميليشيات. فالمستشارون الإيرانيون المتواجدون في العراق ساعدوا العراقيين في كل شيء، من المساعدات التكتيكية إلى توفير إمكانات الاستطلاع والإشارة اللاسلكية باستخدام الطائرات المسيرة لإجراء المسح الإلكتروني والتقاط الاتصالات الراديوية، ويحذر قيادي عراقي من أن المخطط الإيراني يقضي برفع تعداد قوات “الحشد” إلى ضعف العدد الحالي البالغ، لأن المطلوب بعد القضاء على “داعش” في العراق العودة إلى تقوية الدولة الطائفية التي أرسى قواعدها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وقد ساهم الدعم الإيراني لوحدات الحشد الشعبي المشار إليه آنفاً، في تحقيق انتصارات عراقية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في الساحة العراقية.

أما عن الهدف السياسي لايران في دعمها للحشد الشعبي فيتلخص في الآتي: أن العناصر المقاتلة بالنيابة عن إيران ستسعى إلى استغلال دورها البارز في الحرب للهيمنة على انتخابات مجالس المحافظات العراقية في عام 2017 والانتخابات النيابية في عام 2018. وإذا تكلّل سعيها هذا بالنجاح، فقد تُسقط النظام السياسي، متجاوزةً بذلك التكنوقراط والمعتدلين الشيعة ومن بينهم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وكما هو الحال في انتخابات في بلدان أخرى، فسيؤدي المال هنا أيضاً دوراً في المنافسات السياسية العراقية. وكان نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قدّر أنه في الانتخابات البرلمانية في عام 2010، أنفقت إيران 100 مليون دولار لدعم العناصر العراقية المقاتلة بالنيابة عنها. وفي الأعوام المقبلة، قد تطلق إيران العنان لموجة من الحملات الإعلامية التي ترعاها والدعاية الانتخابية على مستوى الشارع والتأييد دعماً لقادة «وحدات الحشد الشعبي» السابقين الذين تحولوا إلى مرشحين للانتخابات. وعلى نطاق أوسع، إن ضخ السيولة في جهود إيران لتعزيز نفوذها – بما في ذلك توفير الكهرباء للمحافظات الحدودية العراقية بأسعار مدعومة، واستغلال الموظفين الحكوميين والقادة الشيعة لنفوذهم، والقيام باستثمارات مرتبطة بالحج – قد يشكّل الضربة القاضية على المعتدلين الذين يناضلون للمحافظة على الاستقلال الاستراتيجي للعراق في وجه الضغط الإيراني الشديد بالفعل.

أما عن هدف إيران العسكري المستقبلي المنوط بمليشيات الحشد الشعبي فيتحور بادماجها في الجيش العراقي بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام”داعش” وبذلك تستنسخ إيران تجربة حزب الله في لبنان لتطبقها في العراق ولكن على نحو مغاير، فالحزب في لبنان يشكل أحد التيارات القوية الضاربة في النظام السياسي اللبناني غير الحكومي، أما في الحالة العراقية فإن تلك المليشيات ستكون في عصب النظام السياسي العراقي الحكومي، في إحدى أهم مفاصل الدولة العراقية وهي وزراة الدفاع العراقية، وبذلك يكون لإيران جيش رديف يدافع عن مصالحها الإقليمية خارج أراضيها. وبذلك تكتمل حلقات المليشيات المسلحة التابعة لإيران في دول ذات أولوياتها إقلبيمية لها: العراق مليشيات بنكهة الجيش الوطني سوريا قوات الدفاع الوطني ولبنان مليشيات حزب الله.

وفي الآونة الأخيرة برزت عدة مشكلات في داخل مليشيات الحشد الشعبي الذي قد يؤثر على مشروع إيران في العراق وتتمثل هذه المشكلات تعاني من عدم دفع الرواتب وقلّة المؤونات والمعدّات العسكريّة. وفي هذا السّياق، تحدّث قائد عسكريّ في سرايا العتبة العبّاسية المرتبطة بالمقامات الشيعيّة في كربلاء أن هناك تمييز واضح بين القوّات المرتبطة بإيران وغيرها، من حيث تلقّي الدعم والمعونات الّتي تقدّمها إيران في الحرب ضدّ داعش، فنحن لدينا إمكانات بسيطة من خلال ما تقدّمه إلينا الحكومة العراقيّة والعتبات المقدّسة، ولكن بدر والعصائب وكتائب حزب الله تتمتّع بوضع أفضل منّا، وهي غير معتمدة على الحكومة والجيش العراقيّ أساساً”.

وقام عدد من المنتسبين إلى قوّات “الحشد الشعبيّ” بمظاهرات في بغداد بـ21 آب/أغسطس للمطالبة بدفع رواتبه المتراكمة لأشهر عدّة. كما أنّ ضعف الدعم والتأخير في دفع الرواتب أدّيا إلى تقليل نسبة المتطوّعين في الوحدات القتاليّة غير المرتبطة بالميليشيات المنتمية إلى إيران.

ويمكن إرجاع هذا السبب وفق مصادر إعلامية أن خلال معارك تكريت في آذار/مارس من هذا العام بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بفتح أبواب تواصل مع قسم من قوّات “الحشد الشعبيّ” غير المنتمية إلى إيران. ويعدّ توسيع هذه التّواصلات وتقديم دعم أكبر إلى القوّات غير المنتمية ضروريّين جدّاً لإيجاد توازن داخليّ ضمن قوّات الحشد، ومنع تحكّم ايران بتلك القوّات واستخدامها كورقة ضغط لصالح أجندتها الإقليميّة.

لذلك ضغطت ايران من خلال ممثلها في العراق قاسم سليماني على حكومة حيدر العبادي بعدم صرف الرواتب لتلك المليشيات غير خاضعة لها، خاصة أن الحكومة الإيرانية شعرت بأن تلك المليشيات ما عادت لها أي فاعلية في ساحات المواجهة مع تنظيم الدولة وأنها بدأت تترك ساحات المعارك والبقاء في محافظاتها، لذا يأتي منع الحكومة العراقية صرف رواتب  تلك المليشيات مقدمة للاستغناء عن خدماتها، وعدم ضمها في تشكيلات الجيش العراقي المستبقلي الذي ترغب إيران أن يكون خالص الولاء لسياسة ولاية الفقية في العراق، لإكمال لمشروعها التوسعي في المشرق العربي وصوب شرق البحر المتوسط.

            وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية