أسطورة البطولة الإيرانية تتهاوى أمام واقعية الحرب السورية

أسطورة البطولة الإيرانية تتهاوى أمام واقعية الحرب السورية

_64997_iran3

تفيد العديد من التقارير والمعلومات الميدانية، القادمة من ساحات القتال السورية، بأنّ عدد الضحايا الإيرانيين الذين يسقطون بشكل يومي بسبب انخراطهم في الصراع المسلح الدائر هناك، مازال يشهد ارتفاعا مطّردا منذ مطلع أكتوبر الجاري. وهو ما يؤشر، وفق تحليلات المراقبين، على أمرين اثنين؛ أولهما تهاوي صورة “البطولة” التي طالما روجتها إيران عن نفسها وعن مقاتليها بحرسهم الثوري وميليشياتهم المتنوعة التي تعلن الولاء لدولة الفقيه، وثانيهما إصرار طهران المتنامي على إقحام نفسها في مشاكل السوريين الداخلية ومضيها في دعم نظام بشار الأسد في محاولة لانتشاله من الانهيار.

وبغض النظر عن الأمر الأول الذي لم يعد خافيا على أحد في ظل الهزائم المتكررة التي منيت بها المجموعات المقاتلة التابعة لإيران أو تلك الموالية لها شأن حزب الله اللبناني، فقد بدأ الأمر الثاني المتعلق بالضلوع المتعاظم لطهران في الصراع السوري، يثير جدلا بين رواد الإنترنت الإيرانيين، حيث لم يتردد بعضهم في طرح تساؤلات حول هذه الاستراتيجية التي باتوا يرون أنها تضر بهم أكثر مما تنفعهم. وكانت إيران قد أعلنت منذ التاسع من أكتوبر الجاري عن مقتل 15 إيرانيا في سوريا من بينهم عشرة عناصر تابعة للحرس الثوري الإسلامي.

وتعدّ هذه المرة الأولى منذ العام 2011، تاريخ بدء النزاع السوري الذي خلف حتى الآن نحو 250 ألف قتيل، التي تعلن فيها إيران رسميا عن وقوع هذا العدد من القتلى في فترة قصيرة.

وتفيد المعطيات بأنّ الجنرال حسين همداني، وهو أحد كبار قادة الحرس الثوري وكان قد شارك في الحرب الإيرانية العراقية، قد قتل على أيدي عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” في منطقة حلب شمال البلاد، إضافة إلى ضابطين آخرين برتبة عقيد. وبعد مقتله في الثامن من أكتوبر، رفعت صور كبيرة لهمداني على طول الطرق في طهران وداخل عدد من الحدائق تكريما له. وقالت السلطات الإيرانية إن الضحايا الآخرين هم “متطوعون” يتولون حماية الأضرحة المقدسة في سوريا.

طهران لم تدل أبدا منذ اندلاع الصراع بإحصاءات عن عدد الإيرانيين الموجودين في سوريا

ورسميا، لا ترسل إيران جنودا إلى سوريا بل فقط “مستشارين”، كما تسميهم، وهم في الغالب أعضاء في الحرس الثوري، وتحت قيادتهم، يقاتل عناصر حزب الله إضافة إلى “متطوعين” إيرانيين وعراقيين وأفغان.

وفي محاولة لتبرير إرسال أولئك المستشارين ووقوع هذه الخسائر البشرية للداخل الإيراني، قال المسؤول الثاني في الحرس الثوري الجنرال حسين سلمي، مؤخرا، للتلفزيون العام الإيراني إنّ “الجيش السوري بدأ يعيد تنظيم صفوفه منذ أشهر عدة وقد طلب منا مساعدة إضافية على صعيد المشورة. ومن هنا، قمنا بزيادة عدد مستشارينا العسكريين”.

وأقر بأن “هذا الأمر أدى إلى ارتفاع عدد الإيرانيين الذين سقطوا في سوريا”، لافتا إلى “أنّ عدد الضحايا ليس كبيرا، بل هو يفوق ما سجل في الماضي فحسب”. وأكد سلمي أن المستشارين الإيرانيين “لا يمكنهم البقاء في غرف مقفلة، بل ينبغي عليهم أن يكونوا على الأرض”. وأضاف قائلا “على المستوى التكتيكي، نقدم نصائح إلى القادة الميدانيين في الجيش السوري، وعلى الصعيد التقني نساعد هذا الجيش في تأمين المعدات وصيانتها”.

ويرى مراقبون أنّ هذه التبريرات إنما الغاية منها هي امتصاص الضغط الداخلي الذي بدأ يترجمه غضب العديد من الإيرانيين جراء إقحام أبنائهم في الحرب السورية. كما يلفت ذات المراقبين إلى أنّها تبريرات تأتي للتغطية على العجز الذي منيت به القوات الإيرانية المشاركة في القتال عن قلب الموازين لصالح نظام الأسد وفشلها في المحافظة على أسطورة “المقاتل الإيراني القوي الذي جاء لينتشل حليفه”.

في ظاهرة لافتة في الداخل الإيراني، بدأ مقتل المقاتلين الإيرانيين في سوريا يثير جدلا على المواقع الإلكترونية

ولم تدل طهران أبدا منذ اندلاع الصراع بإحصاءات عن عدد الإيرانيين الموجودين في سوريا، لكن مسؤولا أميركيا أكد، مؤخرا، انخراط حوالي ألفي إيراني ومقاتل تدعمه طهران في الهجوم الذي يستهدف قوات المعارضة السورية قرب مدينة حلب. ويتم تنسيق هذا الهجوم مع نظام الأسد وروسيا التي تشن منذ نهاية سبتمبر غارات جوية كثيفة على ما تسميه “المجموعات الإرهابية”.

وقال أمير محبيان المحلل السياسي الإيراني القريب من السلطة إن “الروس يقصفون من الجو ولكن لا بد من هجمات برية”. ولم يستبعد من هذا المنطلق إرسال قوات إيرانية برية قائلا “لا خيار لدينا ونحن جاهزون لذلك”، واصفا هذا الأمر بأنه “خيار استراتيجي لشل القدرات القتالية لتنظيم الدولة الإسلامية وتجنب حرب شاملة”.

وفي ظاهرة لافتة في الداخل الإيراني، بدأ مقتل المقاتلين الإيرانيين في سوريا يثير جدلا على المواقع الإلكترونية، ومن بينها موقعا وكالة فارس للأنباء القريبة من المحافظين والتلفزيون الرسمي. وقد كتب أحد رواد الإنترنت “علينا ألا نخسر قادتنا بهذه السهولة”، متحدثا عن “خطأ”. وردّ عليه آخر “صديقي، ليس للإسلام حدود، علينا أن نساعد المظلوم الذي يحتاج إلى مساعدة أينما كان”.

وقد أبدى العديد من هؤلاء الرواد استعدادهم لـ“التطوع” لمقاتلة التنظيمات الجهادية المسلحة بـ“مجرد “شارة” من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. لكن آحدهم، ويدعى حسن هادي، طلب منهم التريث، لافتا إلى أنه سبق له الذهاب إلى سوريا “لفترة معينة”، ولاحظ “أن القتال هناك مسألة معقدّة تتطلب قدرات محددة”.

واعتبر أنه ينبغي معرفة “ثقافة البلاد واللغة العربية مع اللهجة السورية، فضلا عن معرفة جيدة بالمناطق وأحياء مختلف المدن، إضافة إلى المبادئ الأساسية لحرب الشوارع في مدن سوريا الرهيبة”.

وتلخص هذه العبارات حالة القلق التي بدا يظهر عليها المقاتلون الإيرانيون العائدون من سوريا والتي لا شك أنها بدأت تتسرب شيئا فشيئا إلى زملائهم الآخرين الذين بدؤوا يفهمون، على ما يبدو، أنّ الترويج لأسطورة “البطولة” شيء وتجنب الفشل والواقعية في التعامل مع الأوضاع على الأرض شيء آخر.

صحيفة العرب اللندنية