تصحيح المسار :عواقب الازمة الخليجية-اللبنانية

تصحيح المسار :عواقب الازمة الخليجية-اللبنانية

lebnan-iran-hizbulah
على مر العقود الماضية شكلت الدول الخليجية شريان الحياة بالنسبة للجمهورية اللبنانية واقتصادها،الا ان الاحداث الاخيرة بين المملكة العربية السعودية ولبنان وضعت هذه العلاقات على المحك الامر الذي قد يكون له عواقب وخيمة على لبنان واقتصادها .
لقد جاءت هذه التطورات على خلفية امتناع لبنان عن التصويت على الاعتداء على مقرات البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران وقرار وزراء الخارجية العرب بوقف دعم الميليشيات والأحزاب المسلحة داخل الدول العربية، واعتبار ذلك تهديدا للأمن القومي العربي. بالإضافة الى الانتقادات الموجهة للسعودية من قبل حزب الله واتباعه في لبنان.
سيكون محور اهتمامنا في هذا المقال هو العامل الاقتصادي، وبطبيعة الحال سنتحدث عن الحلقة الاضعف في هذه المعادلة وهي لبنان، وماهي الاثار المترتبة على إيقاف السعودية لمساعداتها العسكرية للبنان؟ وكيف ستؤثر ردة فعل الدول الخليجية على الاقتصاد اللبناني؟ وهل ستشهر السعودية سلاحها الفتاك “الاقتصاد” في وجه خصومها من جديد؟
كما ذكرنا سابقا تشكل السعودية بشكل خاص والخليجية بشكل عام الداعم الاساسي للبنان ،فالسعودية ومنذ عقود طويلة شكلت صمام امان للاقتصاد اللبناني المرتبط بشكل وثيق باقتصاد الدول الخليجية ،اذ انه يتفاعل ايجاباً عندما تكون العلاقات اللبنانية الخليجية جيدة ويتفاعل سلباً عندما تتدهور هذه العلاقات .
الاقتصاديين اللبنانيين دقو ناقوس الخطر بعد هذه التطورات وأكدوا ان الاقتصاد اللبناني اليوم على حافة الهاوية في حال استمر التصعيد من قبل الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية الشريك الاقتصادي الاول للبنان. ،خصوصا بعد الحديث عن امكانية استغناء الشركات الخليجية عن الموظفين اللبنانيين ،وهو ما يعتبر ضربة قاسية للاقتصاد اللبناني.
ولفهم اكبر لحجم هذه الازمة على الاقتصاد اللبناني لابد من عرض مجموعة من الحقائق التي قد تكون بمثابة الكارثة الاقتصادية على الجمهورية اللبنانية في حال تصاعد الازمة مع دول الخليج ،وهذه بعض الارقام التي توضع حجم العواقب الاقتصادية :
• اول هذا الإجراءات كان بتجميد الرياض لمساعداتها المقررة لتسليح الجيش اللبناني البالغة ثلاثة مليارات دولار، كما قررت إيقاف ما تبقى من مساعدة مقررة بمليار دولار لقوى الأمن الداخلي اللبناني.
• قررت السعودية الإمارات وعدد من الدول الخليجية منع السفر إلى لبنان بالإضافة الى تخفيض بعثتها الدبلوماسية في بيروت إلى الحد الأدنى.
• يقدر عدد اللبنانيين العاملين في منطقة الخليج بنحو 750 ألف شخص، حيث يبلغ عددهم في السعودية نصف مليون لبناني ، في حين يتوزع 250الف لبناني في باقي دول مجلس التعاون الخليجي.
• حوالات اللبنانيين من الخليج إلى لبنان 8.7 مليارات دولارات ، 55% منها من دول الخليج، و70% من السعودية، ما يقارب 4.7 مليار دولار وهي تشكل نصف التحولات الخارجية للبنان من الخارج البالغة 8 مليارات دولار ،ويذكر أن 50% من العائلات اللبنانية تعتمد كليا أو جزئيا على هذه التحويلات.
• تبلغ قيمة موجودات الخليجيين في المصارف اللبنانية نحو عشرين مليار دولار بحسب تقديرات مصرفية.
• تمثل الاستثمارات الخليجية في لبنان نحو 90% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد.
• قيمة الاستثمارات الخليجية في قطاع العقار اللبناني يقدر بنحو ستة مليارات دولار ويبلغ حجم الاستثمار السعودي فقط في قطاع عقارات لبنان 85% من مجموع الاستثمارات الأجنبية ضمن القطاع، وينقسم ما بين استثمارات في قطاع الأراضي و15% مستثمرة عبر مبانٍ سكنية.
• بلغ حجم الاستثمارات اللبنانية في دول “مجلس التعاون الخليجي” نحو 4.7 مليارات دولار، منها 2.4 مليار دولار في السعودية، و1.5 مليار دولار بالإمارات، فيما كانت حصة الكويت من هذه الاستثمارات نحو 680 مليون دولار.
• استناداً إلى مركز الدراسات الاقتصادية في غرفة التجارة والصناعة في لبنان، بلغ حجم التدفقات الاستثمارية السعودية في لبنان ما بين الأعوام 1985-2009 نحو 4 مليار و819 مليون دولار نسبتها 39 بالمئة من إجمالي الاستثمارات العربية في لبنان.
• يبلغ حجم التبادل التجاري بين لبنان والسعودية 783 مليون دولار.
• القطاع الزراعي قد يكون من اكثر القطاعات تضررا من هذ الازمة ،حيث يصدر لبنان نحو 75% من إجمالي إنتاجه الزراعي إلى دول مجلس التعاون الخليجي و ويعد السوق الخليجي الاكبر للصادرات اللبنانية، خصوصاً الزراعية، ليشكل نحو 55 إلى 65% من هذه الصادرات ،ما قيمته نحو 3 مليارات دولار سنوياً، وهذا القطاع تأثر إلى حد كبير بالأحداث السورية وإقفال جميع المعابر الحدودية مع سوريا.
• بلغ حجم صادرات لبنان إلى السعودية خلال 2015 نحو 356 مليون دولار، فيما وصل حجم الصادرات إلى الإمارات وباقي دول الخليج 312 مليون دولار العام الماضي.
• يصدر لبنان نحو 50% من إجمالي إنتاجه الصناعي إلى دول مجلس التعاون الخليجي وهنا تؤكد التقارير الاقتصادية ان الصناعات التحويلية هي من اكبر الخاسرين في حال ايقاف التبادل التجاري مع دول الخليج.
• وتشير بيانات رسمية لبنانية يبلغ معدل إنفاق السائح الخليجي 15 ألف دولار، بينما لا يتعدى معدل إنفاق بقية السياح 3 آلاف دولار كحد أقصى.
• وقدّر معهد التمويل الدول (IIF) نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بـ١٫٤٪ في العام ٢٠١٥ والعجز في المالية العامّة والدين العام بـ٨٫٥٪ و١٣٨٫٢ من الناتج المحلّي الإجمالي بالتتالي.
• وحول الاوضاع الداخلية للبنان تشير البيانات الرسمية اللبنانية ان الدين العام الداخلي للجمهورية اللبنانية يقدر بــ 42.5 مليار دولار (65 ألف مليار ليرة لبنانية)، أي بزيادة أكثر من 7 في المئة سنويًا. أما بالنسبة الى الدين الخارجي، فهو في حدود 27 مليار دولار، ويزداد سنويًا نحو 3.2 في المئة. وبالتالي فإن إجمالي الدين العام يناهز الـ70 مليار دولار، أي بزيادة أكثر من 5.5 في المئة سنويًا، فالنفقات لم تتراجع، بينما الإيرادات تتراجع بنسبة 4.4 في المئة. ونسبة الدين العام الإجمالي تفوق الـ 127 في المئة من الناتج المحلي الذي يبلغ 50 مليار دولار.
ارقام واحصائيات مرعبة جدا بالنسبة للبنان، فالاقتصاد اللبناني اليوم بات على وشك الانهيار الحقيقي بسبب اصحاب الاجندة الخارجية على رأسهم حزب الله اللبناني الذي يشكل ذراع إيران في لبنان وسوريا، والذي تسبب بهزات عنيفة للاقتصاد اللبناني من خلال الدخول في مواجهات ومغامرات عسكرية لحساب اجندات لا تمت لمصلحة لبنان بصلة.

وهنا لابد من التأكيد على دور إيران وأزلامها في هذه الازمة، فقد بدأت بتدمير اقتصادات الدول التي يسيطر عليها اتباعها، وهو ما يزيد من اعباءها المادية التي قد يكون لها أثر واضح على وضعها الاقتصادي والسياسي وبالتالي لن يكون بمقدور إيران تقديم الدعم لهذه الدول تماما كما حصل في العراق واليمن، فهي تحاول ان تحقق نصرا على الارض بعد ان فشلت في اليمن، واحبطت محاولاتها في الخليج، لكنها تواجه اليوم بسلاح الردع السعودي والخليجي بشكل عام وهو الاقتصاد.

اذن السعودية اليوم تشهر سلاحها الفتاك وهو الاقتصاد والمساعدات المالية والذي يعتبر من ادوات السياسة الخارجية السعودية الفاعلة، لتصحيح المواقف والتوجهات التي صدرت من بعض الشخصيات الرسمية في لبنان، وتضع الاخير امام خياران هما اما العودة الى الاجماع العربي او العزلة؟

في الختام لابد من التأكيد بأن لبنان اليوم على مفترق طرق، فانهيار العلاقات الخليجية-اللبنانية هو بمثابة اعلان لانهيار الاقتصاد اللبناني ،وربما انهيار لحكومة بيروت التي ادخلت البلاد في نفق مظلم قد يكلف البلاد ثمنا كبيرا، ناهيك ان البحث عن بديل للدعم الخليجي والسعودي على وجه التحديد هو اشبه بالمستحيل نظرا للطبيعة التاريخية الوثيقة للعلاقات الخليجية-اللبنانية، لهذا على الساسة في لبنان اجراء مراجعة فورية للسياسات القائمة ،والاسراع بالتوافق على رئيس للجمهورية وهي خطوة من شأنها ان تخفف من حدة التأزم الذي تعيشه البلاد قبل فوات الاوان.

عامر العمران

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية