يزعم حالياً أكثر من خمسين تنظيماً ميليشيوياً شيعياً في سوريا والعراق أنهم في صدد التدرب والقتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» ومحاربتها. وتشكل عدة تنظيمات منها فروعاً مسلحة لأحزاب سياسية قائمة أو تتبع رجال دين منفردين كما تُعتبر البعض منها واجهات لمجموعات قائمة فيما تطور مجموعات أخرى أجدد هويتها الخاصة وحضورها الخاص.
بالإضافة إلى ذلك، تشكلت ميليشيات جديدة على غرار «الحشد الشعبي» وهي تنمو بالحجم والنفوذ. وبالرغم من أن عدداً من هذه المجموعات يصد بالفعل تقدم تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أن بعضها مرتبط بقادة وفصائل من المتطرفين المناهضين للولايات المتحدة، لا سيما «كتائب الإمام علي». وتهدد مثل هذه الميليشيات بعد أكثر الأمن القومي ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
«كتائب الإمام علي»
تم الإعلان عن «كتائب الإمام علي» في نهاية شهر حزيران/يونيو على أنها الجناح المسلح لـ «حركة العراق الإسلامية» الحديثة المنشأ، بعد أن ظهر أعضاؤها بزيهم الرسمي ومدججين بالسلاح. وبرز نشاط لا بأس به لها في مناطق آمرلي وطوز وديالى وهي تحارب إلى جانب ميليشيات شيعية عراقية أخرى، تعمل كلها بتفويض إيراني. وفي محافظة صلاح الدين، نشر محاربون من المجموعة أشرطة فيديو تُظهر الرؤوس المقطوعة لأعدائها المذبوحين. وفي أواخر كانون الأول/ديسمبر، شرعت المجموعة حتى في تدريب مسيحيين بهدف تشكيل مجموعة فرعية تُدعى «كتائب روح الله عيسى ابن مريم».
برز اسم شبل الزيدي، وهو أمين عام «كتائب الإمام علي»، سابقاً في صفوف «جيش المهدي» التابع لمقتدى الصدر، ويُزعم أنه أحد أكثر قادته المذهبيين شراسة. وقد سُجن في خلال احتلال الولايات المتحدة للعراق إلا أن الحكومة العراقية أطلقت سراحه في العام ٢٠١٠. وفي الصيف الماضي، فيما كانت «كتائب الإمام علي» تفرض نفسها على الساحة بعد ظهورها في حزيران/يونيو، تم تصوير الزيدي مع قاسم سليماني، وهو قائد «فيلق القدس» التابعة لـ «حرس الثورة الإسلامية» الإيرانية. وعلى ما يبدو، لدى المجموعة أيضاً روابط متينة مع الحكومة العراقية؛ ففي آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر، نشرت صوراً للزيدي على متن مروحية تابعة للجيش العراقي وأحد قادة الميليشيا الميدانيين المعروف بأبو عزرائيل وهو يستخدم سلاحاً رشاشاً تابعاً لمروحية أخرى.
ولكن يبدو أن قائداً آخر مرتبطاً بـ «حرس الثورة الإسلامية»، وهو أبو مهدي المهندس، قد تولى قيادة عمليات «كتائب الإمام علي» وجهودها من ناحية التوسع، ووجوده يفسر نمو المجموعة بسرعة قياسية. ويُعتبر المهندس، وهو يحمل شارة الميليشيا ويظهر في عدد من الصور وهو يعانق الزيدي، قائداً يتمتع بخبرة كبيرة في ما يتعلق بإنشاء مجموعات شيعية متطرفة جديدة ولديه تاريخ حافل من الهجومات ضد الأمريكيين والمصالح الأمريكية.
المهندس و«قوة القدس»
ولقد لعب المتطرفون الشيعيون العراقيون بشكل عام والمهندس بشكل خاص دوراً بارزاً ضمن العاملين الإقليميين بتفويض إيراني لعدة سنوات. فبعض الشخصيات العراقية الفاعلة بالدرجة الأكبر والتي بدأت العمل مع طهران في العام ٢٠٠٣ كانت قد ظهرت منذ عشرين عاماً قبل ذلك كعناصر مفوَّضة من قبل إيران.
وبرز المهندس في بادئ الأمر كأحد الإرهابيين التابعين لـ «حزب الدعوة» العراقي والذين اشتركوا مع «حزب الله» في تفجيرات السفارات في الكويت في العام ١٩٨٣ ومحاولة اغتيال أمير الكويت في العام ١٩٨٥. وبعد أن حُكم على المهندس غيابياً نظراً لدوره في شن هذه الهجومات، تولى قيادة «فيلق بدر»، وهي الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. لم يحارب «فيلق بدر» إلى جانب القوات الإيرانية في خلال الحرب العراقية الإيرانية فحسب، بل شارك أيضاً في أعمال تخريب وإرهاب استهدفت نظام صدام حسين. وعمل المهندس مباشرةً مع «فيلق القدس» ومحاربين آخرين من الشيعة العراقيين الذين كانوا يعارضون صدام.
وفقاً لوثائق عراقية حصلت عليها قوات التحالف، كان رئيس هيئة الأركان في «فيلق بدر» هادي العامري، الذي ترأس «منظمة بدر» في ما بعد (أُعيدت تسميتها على هذا النحو في محاولة لإعادة فرض نفسها كحزب سياسي) وصار نائباً بعد الإطاحة بصدام حسين. وفي خلال التسعينيات، خلف المهندس، أبو مصطفى الشيباني كقائد لـ «فيلق بدر». وفي هذه المرحلة، كان المهندس قد حصل على الجنسية الإيرانية وأصبح مستشاراً لسليماني، وهو قائد «فيلق القدس». وقد سكن المهندس والشيباني في المجمع ذاته التابع لـ «حرس الثورة الإسلامية» الإيرانية لبعض الوقت، وتحولا لاحقاً مع العامري إلى قادة عسكريين شيعة أساسيين في الفترة التي تلت اجتياح العام ٢٠٠٣. وفي العام ٢٠٠٨، نشر مركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية “وست بوينت” تقريراً استنتج فيه أن “بعض المتمردين الشيعة الذين هم من أبرز المطلوبين للعدالة في العراق يرتبطون، على غرار «فيلق بدر»، بسياسيين عراقيين يعملون علناً في بغداد”.
واليوم، ما زالت هناك روابط قائمة بين «منظمة بدر» والميليشيات الحديثة المنشأ. على سبيل المثال، يترأس أحد أعضاء المنظمة السابقين، وهو النائب والقائد الميليشيوي الشيخ عدنان الشحماني، جماعة «التيار الرسالي». ويبدو أن لدى «كتائب الإمام علي» روابط مماثلة بتلك الميليشات؛ ففي أيلول/سبتمبر، أعدت حتى ملصقات عن الشهادة تحيي ذكرى القائد الراحل لـ «منظمة بدر» أبو زهرة الغفاري. وقد تفسر مثل هذه الروابط كيف نمت «كتائب الإمام علي» بهذه السرعة الكبيرة وكانت تتضمن أصلاً عدداً مهماً من المحاربين المتدربين على ما يبدو.
نموذج «كتائب حزب الله»
حتى في خلال دعمها لحلفائها السياسيين مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ومقتدى الصدر، دعمت إيران أيضاً أجنحتهم العسكرية المتمثلة بـ «فيلق بدر» و «جيش المهدي». وعندما خاضت «منظمة بدر» التي أُعيدت تسميتها غمار السياسة، شجعت إيران المتطرفين على الانشقاق وتشكيل مجموعات عسكرية خاصة بهم، تماماً كما شجعت في ما مضى المتطرفين الشيعة على الانشقاق من «حزب أمل» اللبناني لإنشاء «حزب الله». وبالتالي، فك كل من الشيباني والمهندس ارتباطهما بـ «منظمة بدر» وأسّسا مجموعات إرهابية اضطلعت بدور مركزي ضمن الشبكات المفوَّضة من قبل إيران.
في العام ٢٠٠٧، شكّل المهندس «كتائب حزب الله». ونظراً لارتباطه القديم بـ «حزب الدعوة» و«فيلق القدس»، لم يكن من المفاجئ أن تتلقى مجموعته الجديدة تدريبات متقدمة ومعدات مهمة أكثر من تلك المتوفرة لدى جميع اللاعبين الآخرين المفوضين من قبل إيران في العراق. وبالرغم من أن «كتائب حزب الله» كانت منفصلة مبدئياً عن المنظمة التي تحمل الاسم عينه في لبنان، إلا أنها طورت روابط وثيقة مع «وحدة ٣٨٠٠» التابعة لـ «حزب الله» اللبناني والمخصصة لتسليح المجموعات العسكرية الشيعية في العراق وتدريبها.
في تموز/يوليو من العام ٢٠٠٩، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية المهندس و«كتائب حزب الله» على اللائحة السوداء نظراً “لارتكابهم وتوجيههم ودعمهم أو تشكيلهم خطراً كبيراً لجهة ارتكاب أعمال عنف ضد قوات التحالف وقوات الأمن العراقية”. وعُيّن الطرفان بموجب القرار التنفيذي رقم ١٣٤٣٨، الذي يستهدف مجموعات المتمردين والميليشيات وداعميها؛ فضلاً عن ذلك، أُضيفت «كتائب حزب الله» إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية.
بحسب المعلومات التي نُشرت في خلال هذه التعيينات، كان المهندس يوظف خبراء لبنانيين من «حزب الله» منذ بداية العام ٢٠٠٧ لتدريب «كتائب حزب الله» ومجموعات خاصة مقاتلة شيعية أخرى على حرب العصابات واستخدام المتفجرات وأسلحة متنوعة ضد قوات التحالف. وتولى المهندس أيضاً قيادة شبكات تهريب كانت تنقل الذخائر والأسلحة من إيران إلى العراق لتسليمها لتلك الميليشيات. بالإضافة إلى ذلك، قدم المهندس أشكالاً أخرى من الدعم اللوجستي لشن هجومات ضد القوات العراقية وقوات التحالف، مثل تسهيل حركة أعضاء الميليشيات الشيعية المحلية.
وتحت إمرة المهندس، كانت «كتائب حزب الله» أول من انضوى في حرب سوريا من بين الجهات المفوضة من قبل إيران. وفي آذار/مارس من العام ٢٠١٣، بعد تشييع عدة أعضاء لبنانيين من «حزب الله» كانوا قد قُتلوا في سوريا، باتت «كتائب حزب الله» المجموعة الثانية التي تعلن خسارتها مقاتلين هناك. وتزعم المجموعة أنها فقدت حوالي ٤٠ مقاتلاً بالإجمال، حتى أنها خصصت قسماً جديداً لدفن الشهداء في مقبرة وادي السلام في مدينة النجف. كما ساهمت في إنشاء ميليشيات شيعية تتخذ سوريا مقراً لها مثل «لواء أبو الفضل العباس»، ومجموعات تتخذ العراق مقراً لها مثل «حركة حزب الله النجباء».
ولكنّ القتال في سوريا لم يشغل أنظار «كتائب حزب الله» عن التفاقم السريع في أعمال العنف الذي شهده العراق السنة الماضية. كما هي الحال مع الجهات الأخرى المفوضة من قبل إيران، كانت «كتائب حزب الله» قد سبقت الحكومة العراقية ورجال الدين التقليديين في دعواتهم العامة إلى حشد شيعة العراق ضد «داعش». وفي نيسان/أبريل، أطلقت ميليشيا جديدة وهي «سرايا الدفاع الشعبي»، دعوات لانضمام المتطوعين إليها. وفي بداية أيار/مايو، زعمت «كتائب حزب الله» أنها فقدت مقاتلين اثنين تابعين لها في محافظة الأنبار، وهما أول ضحيتين سقطتا في قتالها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». ومذاك، تعمل «كتائب حزب الله» و«سرايا الدفاع الشعبي» على مدى المناطق المركزية في العراق، من أنبار إلى سامراء وصولاً إلى ديالى.
لماذا هناك الكثير من الميليشيات؟
من خلال مساهمة المهندس في نمو «كتائب حزب الله» و«كتائب الإمام علي»، يتضح أن الجهات المتطرفة المفوضة من قبل إيران تتخذ أشكالاً ووظائف متعددة، حتى أن بعضها يكتسب استقلالية عبر توسيع حجمها أو دخول معترك السياسة العراقية.
وبخلاف المجموعات المتطرفة الشيعية الإيرانية الأخرى، لم تخض «كتائب حزب الله» غمار السياسة، بل ارتأت ممارسة نفوذها عبر بقائها في العراق كمجموعة مسلحة، فيما أبقت مجموعات أخرى على بنيتها الميليشيوية ولكن أدرجتها ضمن أجهزة الدولة العراقية.
قد تسعى «كتائب الإمام علي» من جهتها إلى الاضطلاع بدور سياسي في المستقبل من خلال زعمها قيام روابط بينها وبين أحد الأحزاب الأم. أما في الوقت الراهن، فقد توسع نفوذها من جنوب العراق عبر بغداد وصولاً إلى معظم المناطق الساخنة الواقعة تحت سيطرة «داعش» على الجبهات الأمامية، فيما تعمل على تدريب مقاتلين جدد وتلبية هدف إيران الاستراتيجي المتمثل بتكوين المزيد من المنظمات التي تتخذ من “المقاومة الإسلامية” أسلوباً لها.
قد يبدو إنشاء ميليشيات جديدة غير منطقي أو مخالفاً للتوقعات عندما يكون هناك أصلاً عدة مجموعات قائمة يمكن تطويرها. غير أن المجموعات الجديدة تمكّن طهران من تنويع حقيبتها السياسية والعسكرية في العراق. وتعتمد إيران هذه الباقة الواسعة من المنظمات كطريقة لإرساء إيديولوجيتها وسلطتها ببطء داخل العراق وتشريعهما. وتنمو هذه الظاهرة ببطء في سوريا أيضاً.
يرى صناع السياسات الغربيون والإقليميون أن العدد الكبير للمجموعات وجهات الاتصال ومناطق النفوذ المتداخلة يخلق المزيد من الفوضى، فيتيح لإيران وجهاتها المفوضة قابلية نفي تأثيرها بشكل منطقي إذا ما دعت الحاجة. كما يخلق هذا الوضع وهماً قائماً على حرية الاختيار والاستقلال بالنسبة إلى أولئك الذين ينضمون إلى هذه الميليشيات والأحزاب الشيعية المتطرفة أو يدعمونها.
والأهم أنه من الخطأ افتراض أن نشاط هذه المجموعات يقتصر على محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» أو العمل في سوريا أو العراق فحسب. فتركز طهران وجهاتها المفوَّضة بشكل أساسي على هذه الميادين في الوقت الحاضر، ولكنّ الميليشيات الشيعية المتطرفة بدأت بالتصرف كعناصر إقليمية تتوخى أهدافاً أوسع. فعلى سبيل المثال، وجهت «كتائب حزب الله» و«كتائب الإمام علي» ومجموعات مماثلة تهديدات متكررة إلى المملكة العربية السعودية على خلفية حكم الإعدام الصادر بحق رجل الدين الشيعي نمر النمر، بعد إدانته بتهم إشعال الفتنة الطائفية وجرائم مرتبطة بها في تشرين الأول/أكتوبر. وبالرغم من أن هذه الميليشات المتطرفة تحارب «داعش» بالتزامن مع الجهود التي تقودها الولايات المتحدة، إلا أن أعمالها وأجنداتها المذهبية منفصلة عن تلك التي يعتمدها التحالف وتناقض الهدف المتمثل بتشكيل حكومات ومجتمعات دامجة في العراق وسوريا. في الواقع، تهدد «كتائب الإمام علي» ومثيلاتها الاستقرار الإقليمي ومصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل. وقد يفيد واشنطن، حتى وهي تركز على محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، أن تستعد الآن لليوم الذي سوف تنقلب فيه الميليشيات الشيعية المتطرفة المرتبطة بإيران بشكل فاعل أكثر على مصالح أمريكا وحلفائها.
ماثيو ليفيت هو زميل فرومر – ويكسلر ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن. و فيليب سميث هو باحث في جامعة ميريلاند، ومؤسس مدونة “موكب حزب الله” ومؤلف الدراسة القادمة للمعهد “حركة الجهاد الشيعي في سوريا وآثارها الإقليمية”.
نقلا عن معهد واشنطن