العام الماضي كان عامًا سيئًا بالنسبة للسلام والأمن الدوليين. بالطبع كانت هناك نقاط مشرقة في 2014. عملية السلام الكولومبي كانت داعية للأمن. الجولة الأخيرة في المحادثات الإيرانية النووية كانت ناجحة أكثر مما اعتقده الكثيرون. تونس، بالرغم من أنها لم تتعاف تمامًا، أظهرت قوة الحوار فوق العنف. أفغانستان طوت تاريخها ولديها الآن حكومة وحدة وطنية عليها الكثير من المسؤوليات، ولا يمكن النظر لخطوة الرئيس أوباما بإعادة العلاقات مع كوبا إلا بإيجابية. ولكن للجزء الأكثر، كان عامًا محبطًا. الصراع عاود صعوده بعد انخفاض كبير تبع نهاية الحرب الباردة. حروب اليوم تقتل وتشرد المزيد من الأشخاص، وإنهاؤها صار أكثر صعوبة مما هو عليه في الأعوام السابقة.
الاضطراب في العالم العربي ازداد عمقًا: الدولة الإسلامية سيطرت على مساحات واسعة من العراق وسوريا، كثير من غزة دمر مجددًا، مصر رجعت نحو السلطوية والاستبداد، وليبيا واليمن انجرفتا في حروب أهلية. في إفريقيا، شاهد العالم قادة جنوب السودان يسيرون بدولتهم الجديدة نحو الدمار. تفاؤل 2013 اختفى في جمهورية الكونغو، مرض الإيبولا اجتاح غرب إفريقيا، وبوكو حرام قامت بعدة هجمات إرهابية في شمال نيجيريا. النظام القانوني العالمي تم تحديه بضم روسيا للقرم، وعادت الحرب إلى أوروبا بينما استمر الصراع في شرقي أوكرانيا.
بذلك، ما الخطأ الذي يخبرنا به الـ12 شهرًا الفائتة؟
على مستوى عالمي، ارتفاع التنافس الجيوسياسي يظهر، للحظة على الأقل، مؤديًا لأن يصبح العالم مكانًا أقل تحكمًا وأقل توقعًا. هذا هو الأكثر وضوحًا، بالطبع، بالأخذ بعين الاعتبار العلاقة بين روسيا والغرب. هذه ليست علاقة صفرية بعد: ستعمل الدولتان معًا على الملف النووي الإيراني، تهديد المقاتلين الأجانب، وبالجزء الأكبر بينهما: حفظ السلام الإفريقي. ولكن سياسة روسيا في الجوار تظهر تحديًا حقيقيًا، وعلاقتها مع أمريكا وأوروبا ازدادت عدائية.
علاقة الصين مع جيرانها ظلت حادة كذلك، وقد تؤدي لأزمة بين الشرق أو بحار جنوب الصين. النزاع بين إيران والسعودية يشكل ملامح العنف بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط. القوى السنية الكبرى نفسها مقسمة: التسابق بين السعوديين والإماراتيين ومصر من ناحية، وقطر وتركيا من ناحية أخرى يؤثر عبر شمال إفريقيا. في مكان آخر في القارة الإفريقية، تتدافع القوى في الصومال وجنوب السودان في صراع يسير نحو الإقليم بتسارع، والكونجو كانت مكسبًا لصراع جيرانها على التأثير والموارد.
التنافس بين القوى الكبرى والإقليمية ليس شيئًا جديدًا بالطبع، ولكن العداء بين القوى الكبرى وصل لوضع حرج في مجلس الأمن بشأن أوكرانيا وروسيا، ويترك لأقوى الأعضاء وقتًا أقل ورأس مال سياسي أقل لاستغلاله بقضايا أخرى. بينما يزداد انتشار السلطة، العدائية بين القوى الإقليمية تزداد قلقًا. الصراع بين الدول القوية يؤدي لصبغة إقليمية أو دولية للحروب الأهلية، جاعلًا حلها أكثر تعقيدًا.
الحروب وعدم الاستقرار تصبح أكثر تركيزًا من الناحية الجغرافية، منتشرة من أجزاء من ليبيا والساحل الإفريقي وشمال نيجيريا، عبر البحيرات الإفريقية العظمى والقرن الإفريقي، خلال سوريا والعراق واليمن، وصولًا إلى أفغانستان وباكستان. تأمين الاستقرار لأكثر مناطق العالم هشاشة يجب أن يكون واجبًا عالميًا للسياسة الخارجية، وليس هدفًا أخلاقيًا فقط، بالأخذ بعين الاعتبار أن هذه المناطق تعتبر جنات للإرهابيين والمجرمين الانتقاليين.
هذا يزداد تعقيدًا بتوجه مثير للقلق نحو العنف في البلدان التي تحاول الانتقال للديمقراطية. بعض أكثر مناطق العالم مشاكلًا هي تلك التي تحاول الانتقال من السلطوية، مثل ليبيا واليمن وأفغانستان والكونجو وأوكرانيا. تشكيل إجماع جديد على تقاسم السلطات والمصادر تحد عظيم، وفشله يؤدي إلى تجدد الصراع.
هذا يشكل معضلات لكل من النخب الإقليمية والقوى الغربية. من ناحية، نحن نعلم أن تصرف العديد من الحكام السلطويين يحفظ المشاكل لوقت لاحق، من خلال امتصاص المؤسسات وقمع المعارضين وتجاهل معظم الشعب، وغالبًا تاركين آليات التداول غير واضحة. من الناحية الأخرى، التخلص منهم في الوقت القصير يجعل الأمور أكثر سوءًا؛ تحديدًا لأن حكمهم لم يترك نظامًا يمكن الاعتماد عليه لإدارة التغيير.
السنة الماضية أظهرت بوضوح أن المجموعات الجهادية تظل تهديدًا شديدًا متناميًا؛ الدولة الإسلامية وحلفاؤها الجدد في سيناء وشمال إفريقيا، وبوكو حرام في نيجيريا، وحركة الشباب في الصومال وكينيا، وموالو القاعدة في جنوب آسيا ووسطها والقوقاز واليمن والساحل الإفريقي، يسببون عدم الاستقرار للحكومات ويقتلون المدنيين ويجذبون المجتمعات المحلية للتطرف. ولكن تجمع هذه التنظيمات معًا لا غاية له: بينما يقولون إن طموحاتهم عالمية، فإن ازدهارهم الراديكالي المتنوع يغذي المظالم والصراعات المحلية.
بالرغم من أن هذه التنظيمات الجهادية تستخدم تكتيكات إرهابية فظيعة، فإنهم أكثر من مجرد إرهابيين. هم يسعون للسيطرة على أراض. هم عادة يدمجون التكتيكات الدموية مع توعية سياسية أو اجتماعية ذكية. يقدم البعض منها نفسه على أنه بديل لدولة فاسدة وغير عادلة، موفرين الخيرات الأساسية العامة -تحديدًا الأمن والعدالة، ولو كانوا قساة مثلها عادة- عندما تفشل حكومة بفعل ذلك. قليل من الحروب التي يخضونها يقودها الجهاد العالمي. الأيديولوجية المتطرفة تأتي متأخرة، وهناك دائمًا مصادر أخرى للعنف. ولكنها أيضًا تجعل إيجاد نهاية سلمية للحروب أكثر تحديًا وصعوبة.
بوضوح، مشاكل متنوعة كهذه لا تعرض نفسها لوصفة علاج عامة. الحلول تتطلب فهمًا مفصلًا لكل صراع: دوافعه، محرضيه ومحفزاتهم ومصالحهم. أي استجابة تحتاج أن توضع ضمن نسق. ولكننا نستطيع توفير القليل من الأفكار بناء على العام الماضي.
أولًا: وكثيرًا ما تكرر العام الماضي، افتقدت السياسية للاستراتيجية. هذا ينطبق كثيرًا على الحملة الأمريكية ضد داعش، والنيجيرية ضد بوكو حرام. النشاط العسكري لن يعمل وحده، في الحقيقة هو يعمل على استدامة الأسباب الكامنة للصراع؛ عدم المساواة في السلطات، عدم التطور، توغل الدولة، سياسات الهوية، وهكذا. ما يبقي الدول معًا هو التسويات السياسية. إنهاء الحروب أو تجنب الأزمات يتطلب عملية تتوجه نحو ذلك.
ثانيًا: الحديث منطقي أكثر من عدمه. النقاط المضيئة لهذا العام: الملف النووي الإيراني، محادثات السلام الكولومبية، الانتقال التونسي، والعلاقات الأمريكية الكوبية، كلها تظهر قيمة الحوار، حتى عندما يبدو غريبًا ومستهجنًا. بالطبع هناك مخاطر، خصوصًا عند الحديث مع تنظيمات لديها أجندات إقصائية أو حيث تطغى الحوافز الإجرامية على السياسية. ولكن في هذه اللحظة، التوازن ينحاز بشكل خطير ضد الحوار: صناع السياسة يحتاجون أن يكونوا أكثر مرونة، أن يتجنبوا الإعلانات الدوغمائية حول من يمكنهم ومن لا يمكنهم الحديث معه، وحيث تكون القوة ضرورية، يجمع بينهما، حتى لو كانت لعزل أولئك الذين يتجاوزون الحدود من الأصل.
ثالثًا: الشمول السياسي يجب أن يكون مبدئًا مرشدًا لقادة اليوم. مع الوقت، هذا يعني بناء مؤسسات أكثر تمثيل وتأثير وحماية لكل المدنيين، وهذا يتطلب عملًا سياسيًا طويلًا وشاقًا ومكثفًا. في البلدان الهشة، الاندفاع لانتخابات تقوي الفائز على حساب الخاسر، أو تثبت دساتير تركز السلطة في يد شخص واحد، خطير. التهميش سبب رئيس في الكثير من حروب اليوم، فكل المجموعات الرئيسة تحتاج مقعدًا على الطاولة لتحمي مصالحها.
رابعًا: من الأفضل كثيرًا تجنب الأزمات من احتوائها لاحقًا. هذا يعني التدخل قبل أن تتحول الصراعات المحلية لبعد جهادي، على سبيل المثال. هذا يعني تحديد مظالم المجتمعات قبل أن تتسلح. هذا يعني المحاولة لإنهاء الحروب قبل أن تتكاثر الفصائل، جاعلة جهود السلام أكثر صعوبة.
هذا مهم تحديدًا لدعم الدول الموجودة في مناطق مليئة بالمشاكل، والتي تعتبر مستقرة منطقيًا أو لم تنهر بعد على الأقل. هذا يعني التأكد من أن الدعم العسكري وحده لا يثبت الحكام، بل يورث عادات سيئة ويعني تخوفًا أكبر بمحاولة تغيير النظام. البديل من ذلك يجب أن يكون حث القادة نحو المزيد من السياسة الشمولية، توفيرًا أفضل للحاجات العامة الأساسية والخدمات، وتجنب الفساد، وتحسين العلاقات مع الجيران. لا شيء من هذا سهل، تحديدًا بالنظر للأزمات التي تجتاح قادة العالم. لكنه من الواضح أفضل من مجرد لم الشظايا في وقت لاحق. في الحقيقة، بالنظر إلى أن سعة إدارة العالم للأزمات هي الآن في نقطة حرجة، فإن انهيارًا في منطقة أخرى -كوسط آسيا مثلًا، أو الخليج- سيكون كارثيًا.
أخيرًا: كلمة عن القائمة. مثل أي قائمة أخرى، كان بها درجة من التعسف. مع الكثير من الأزمات العاصفة، حصرها بعشر صعب. نحن استثنينا السودان على سبيل المثال، التي تزال محطمة من حروب في أطرافها التي تعمل للتصعيد، مع الاستثناء المستمر للإصلاح في الخرطوم. كما لم نذكر درجات العنف الاستثنائية المرتبطة بتهريب المخدرات في المكسيك وأجزاء من أمريكا الوسطى. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يظهر هنا كذلك، ولكنه بوضوح يمكن أن يشتعل في غزة، الضفة الغربية، القدس، أو حتى إسرائيل نفسها. باكستان خارج القائمة كذلك مع هجمات كانون الأول/ديسمبر الدموية في بيشاور، والتي لا زالت تواجه تهديدات مرتبطة، سواء من الجهاديين، العنف المدني العلماني، أو جيشها الهائج.
بإبقاء هذا الشرط في الذهن، هذه هي العشر حروب لمتابعتها العام القادم:
– سوريا، العراق، والدولة الإسلامية
منذ أن سيطرت الدولة الإسلامية على أراض واسعة في شمالي العراق في حزيران، أصبح التنظيم الجهادي محط أنظار السياسية الإقليمية. نجاحه ليس إلا عرضًا لمشاكل أعمق لا يمكن حلها عسكريًا، بما في ذلك الحكومات الطائفية في سوريا والعراق، والاستراتيجيات العسكرية المبنية على المليشيات والتي تعمل على تهييج المجتمعات المحلية، وانحسار التيار العام للقوات السنية.
بحملته للانتخابات العراقية في نيسان/أبريل هذا العام، أخذ رئيس الوزراء نوري المالكي صفحة من كتاب الرئيس بشار الأسد، مستخدمًا التهديد الجهادي لحشد قاعدته الشيعية والفوز بالدعم الدولي بتقديم نفسه كحصن أمام الإرهاب. تكتيكاته كان ناجحة بقدر ما كانت مدمرة: فاز بالانتخابات، ولكن الثمن كان إقصاء معظم سنة البلاد.
بينما تأمل العديد من صناع السياسية العراقيين والأمريكيين أن استبدال المالكي بالعبادي قد يمهد الطريق لحكومة أكثر شمولية، إلا أنهم أصيبوا بالخيبة حتى الآن. القوات الشيعية الموالية لإيران لا تزال تمسك بزمام اتخاذ القرار في بغداد. خلال ذلك، وبالرغم من أن الحرب ضد الدولة الإسلامية حفزت تقاربًا جديدًا بين الحكومة الكردية المحلية وبغداد، فإن الدعم الغربي للقوات الكردية يغذي الانقسامات العراقية الداخلية والتنافسات الكردية الداخلية.
الحملة الجوية الأمريكية ضد داعش أبطأت إلى حد ما التنظيم الجهادي. على أي حال، ديناميات الصراع الأوسع على جانبي الحدود السورية والعراقية مستمرة لمصلحة التنظيم، الذي يدعي أنه العدو الجاد الوحيد لنظام الأسد -الذي يظهر أنه يستفيد من الحملات الجوية- والمدافع الوحيد عن المصالح السنية في كلا البلدين.
القدرة القتالية والمعنوية للمعارضة السورية المدعومة من الغرب تستمر بالتراجع. جبهة النصرة، حليفة القاعدة، طردت معظم الفصائل المعتدلة من مناطق الثوار في إدلب، ونظام الأسد غير قادر على إنهائهم عسكريًا. المجموعات المدعومة من الغرب تظل لاعبين رئيسيين في حلب، المنطقة الباقية الأكثر قيمة مع المعارضة، ولكن الثوار هناك يكافحون لمنع النظام من حصار حلب، وموقفين تقدم الدولة الإسلامية من جهة الريف القريب. الهزيمة هناك قد تهدد قدرة القوات غير الجهادية في الشمال ككل، ربما واضعين نهاية وساطة للصراع. الحفاظ على احتمالية لعملية سلام مستقبلية أساسية.
– أوكرانيا
أوكرانيا ربما لم تكن أكثر أزمات العالم موتًا، ولكنها حولت العلاقات بين روسيا والغرب إلى أسوأ أحوالها. أكثر من 5000 شخص قتلوا في شرق أوكرانيا منذ بدء الصراع المفتوح في آذار/مارس 2014، منهم 1000 بعد وقف معلن لإطلاق النار في 5 أيلول/سبتمبر. بداية الشتاء قد تضيف بعدًا جديدًا للصراع: الأغلبية في مناطق الانفصاليين الشرقية في دوينستك ولوهانسك عليها أن تضع نهاية، سعيًا للحصول على الدفء والدواء والغذاء والمال، التي تعاني جميعًا من أزمات بسبب انهيار الاقتصاد المحلي وتضييق المفاصل الاقتصادية من كييف. قيادة الانفصاليين أنشأت مؤسسات حكومية وظيفية، ليس لديها أي مسؤولين مدربين تقريبًا، ولن تتمكن من الاستجابة لأي حالة طارئة إنسانية بنفسها.
هناك بوادر أمل. بالرغم من أن موسكو مستمرة بدعم “الجمهوريات” المنشقة الصغيرة التي أنشأتها في أجزاء من دوينستك ولوهانسك، إلا أن حماستها للانفصاليين تنحسر. لم تعترف بهم، وهي الآن تشدد علانية أن المستقبل يكمن داخل حدود أوكرانيا.
على أي حال، تظل الحالة غير قابلة للتوقع. بداية 2015 لا تعكس قدرة أي طرف على فرض إرادته عسكريًا، ولكن بما أن كليهما لديه لوبيات داعمة للحرب، فقد يحاولون. أجزاء أخرى من جنوب غرب أوكرانيا -مناطقل مثل كاركيف وزابوريشيا، هادئة نسبيًا حتى الآن- قد تهيج إذا هيجت موسكو الأمور، ربما لفتح طريق أرضي للقرم عبر جنوب غرب أوكرانيا. المزيد من المتطرفين الانفصاليين يأملون الآن أن هذا سيحصل. الرئيس الحالي بيترو بوروشينكو يدرك أن إصلاحًا اقتصاديًا وسياسيًا أمر ضروري لاستقرار أوكرانيا طويل الأمد، إلا أنه يتحرك ببطء لتنفيذه. الغرب يحتاج أن يحافظ على الضغط السياسي عليه ليستمر.
في الفترة القصيرة، مهمات المجتمع الدولي هي فصل الأطراف المتنازعة، تشجيع كييف على التواصل مع أبنائها في الشرق، وضع الحدود الأوكرانية الروسية تحت الرقابة الكاملة للمراقبين الدوليين، والتحول التدريجي من المواجهة المسلحة إلى المفاوضات السياسية. ظهور صراع متجمد آخر في المحيط الأوروبي لا زال قابلًا للتجنب، بقليل من الحظ وكثير من الطاقة وسياسة نحو موسكو تدمج الضغط المكثف مع الحوافز السياسية لعدم التصعيد.
– جنوب السودان
الشهر الماضي، نشبت خلافات كبيرة بين الحزب الحاكم والجيش تحولت إلى حرب بين القوات الموالية للرئيس سلفا كير وأولئك الموالين لنائبه السابق رييك ماشر. الحاميات العسكرية انقسمت، غالبًا بعنف، إلى خطوط قبلية. الاشتباكات انتشرت بسرعة من العاصمة بينما دمر القتال مدنًا رئيسة ومستثمرات نفطية. بوجود القوات الأوغندية والمتمردين السودانيين الذين يقاتلون مع القوات الحكومية -ومع الأنباء التي تقول إن السودان تمول كلًا من الطرفين- الحرب وصلت إلى الدول المجاورة وتهدد بمزيد من عدم الاستقرار في منطقة تعاني مشاكل أساسًا. الحكومة تدين بمستقبلها المالي للدفع للحرب، تاركة البلاد على حافة الإفلاس.
بعض التقديرات تقول إن الحرب خلفت ما يقارب الـ50 ألف قتيل وأكثر من مليوني نازح. المنظمات الإنسانية، حتى الآن، استطاعت تجنب المجاعة، ولكنهم يواجهون عداء واضحًا. نهاية الموسم المطري في كانون الأول قد يجلب تصاعدًا في العنف.
الجهود لإنهاء الحرب لم تنجح. الهيئة الحكومية للتنمية، وهي مجموعة شبه إقليمية من أعضائها أوغندا والسودان، تتصدر جهود الوساطة، ولكن المحادثات لديها أثر قليل وليست شاملة. وقف إطلاق النار ينتهك باستمرار. لا أمريكا ولا الصين وضعتا ثقلهما الكامل وراء عملية السلام. المجموعات المسلحة تتكاثر، والكثير منها الآن تحت تحكم كير وماشار، يغذي الصراعات الجانبية التي تحصل في ظل الحرب الأهلية.
كيف يمكن للعالم أن يوقف النزف؟ مجلس الأمن -تحديدًا أمريكا والصين اللتان تحافظان على علاقات قريبة مع القوى الإقليمية- تحتاج الدخول بأكثر فعالية. حظر للسلاح، إذا تمت مراقبته عن قرب، قد يزيد التأثير على كل الأطراف. الضغط الأمريكي على أوغندا، متصاحبًا مع الضغط الصيني على السودان ومدمجًا مع ضغط من قوى المنطقة الإقليمية والرئيسة على كير وماشار قد ينهي المأزق. آلية لضمان أن المخزون النفطي لا يغذي الصراع يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، بالترافق مع الضغط على خطوط دعم المعارضة. الوسطاء يجب أن يوسعوا الحوار مع المجموعات المسلحة والمتشددين عبر البلاد. جنوب السودان هي واحدة من أشد أزمات العالم دموية. بعكس سوريا وأوكرانيا، هناك أمل أكبر لعمل دولي منسق، كما أنها لن تقسم مجلس الأمن. مع هذه المنطقة المقسمة، حان الوقت للقوى الكبرى لتتحرك بقوة أكبر.
– نيجيريا
نيجيريا تواجه عاصفة كاملة في 2015. أولًا: تمرد عنيف من مجموعة بوكو حرام يستمر بتدمير الشمال، خصوصًا في الشمال الأخصب. احتلت المجموعة مزيدًا من الأراضي هذا الصيف، وهجماتها منذ ذلك توجهت نحو الكاميرون وقد تتحول إلى النيجر وتشاد. الآن وصلت سنتها الخامسة، دون إشارة للانتهاء، خلف الصراع ما يقارب الـ13 ألف قتيل، و800 ألف نازح.
استجابة الرئيس جودلاك جوناثان اعتمدت بشدة على المقاييس العسكرية. بينما حققت حملات الحكومة بعض الانتصارات، فإنها لم تنجح بإنهاء التمرد. في بعض الأحيان، أنشأوا مزيدًا من الأعداء للحكومة: العمليات كانت ثقيلة الوطأة وعشوائية، مع مشاركة من قوات الأمن والمليشيات المحلية في عمليات قتل خارج القانون وتعذيب. ضحايا واضحون في بعض المعارك كانوا جنودًا يرفضون القتال أو يهربون من الوحدات. أكثر من 200 فتاة في شيبوك خطفوا من المسلحين في نيسان/أبريل الماضي في هجوم كان الحدث الرئيس عالميًا، لا زالوا مفقودين، معززين إدراك حكومة للخروج عن عمقها.
ثانيًا: انخفاض أسعار النفط العالمي أضعف الحكومة التي تعتمد على مبيعات النفط بأكثر من 70% من دخلها. في الشهرين الأخيرين من 2014، نيجريا خفضت سعر النفط الذي تستخدمه مرتين لتخطط ميزانيتها (واصلًا إلى 64 دولارًا للبرميل) متعهدة بعدم تعزيز المقاييس التضخمية للبلاد. عملة البلاد النايرا انخفضت قيمتها لأول مرة منذ ثلاثة شهور.
ثالثًا: الانتخابات التي ستعقد في شباط/فبراير 2015 ستزيد عدم الاستقرار. الانتخابات النيجيرية حامية الوطيس دائمًا، ولكن احتمالات العنف هذه المرة مرتفعة. لأول مرة منذ عودة الحكم المدني في 1999، حزب الشعب الديمقراطي الحاكم يواجه تحديدًا حقيقيًا بتحالف معارض، مجلس التقدميين، الذي اتحد خلف مرشح رئاسي، الجنرال المتقاعد محمدو بخاري الذي سينافس الرئيس جوناثان.
كما في الانتخابات السابقة، الحملات والتصويت سيرى عنفًا على مستوى الدولة. النتيجة الرئاسية المتنازع عليها قد تكون أكثر قلقًا: إذا خسر بخاري، قد ينزل المعترضون إلى الشوارع في المدن الشمالية، كما حصل عندما خسروا في انتخابات 2011 -ولكن هذه المرة ستعمل بوكو حرام على زيادة الدم. إذا خسر جوناثان، داعموه في الديلتا هددوا منذ الآن على إشعال العنف هناك.
– الصومال
بينما أدت الهجمات المشتركة بين قوات الاتحاد الإفريقي والجيش الصومالي لانتصارات كبيرة ضد الشباب، فإن الحكومة الصومالية الفيدرالية لا زالت تكافح لتحكم فعليًا. بالرغم من الدستور الاتحادي المؤقت، الاشتباكات بين الرئيس ورئيس الوزراء تصاعدت نحو صراع كئيب في نهاية 2014 أدى للإطاحة بالأخير. الخلاف السياسي على المستوى الفيدرالي والمناطقي يهدد الآن طموح الحكومة بإجراء استفتاء على الدستور في 2016.
بالرغم من وجود أراض تحت السيطرة النظرية للحكومة المركزية أكثر من أي وقت مضى منذ بداية التسعينيات، فإن الواقع هو مجموعة من المسلحين المحليين الذين يفرضون السيطرة. الأهداف المتوائمة بتشكيل الدولة والانتخابات الوطنية لا تزال بعيدة الأمد، محليًا، في لعبة صراع صفري للمتمردين، قد تزيد الصراع. في هذه البيئة، مهمة الاتحاد الإفريقي ستكافح لتحافظ على حياديتها؛ على الأقل لأن معظم جنودها يأتون من بلدان مجاورة. وبالرغم من الخسائر الإقليمية والقتل المستهدف لقائدها من طائرة أمريكية بدون طيار، لا زالت الشباب تحافظ على قدرتها على الضرب داخل وخارج البلاد، خصوصًا في كينيا، حيث تدعي أخذ دور البطل في قضية الأقلية المسلمة المهمشة.
أصحاب المصلحة الصوماليين -الإقليميون والمناطقيون- يحتاجون لنقل الأولويات لتوافق تحديات البلاد. عليهم أن يركزوا على الاستقرار المحلي، بما في ذلك عبر مجالس المقاطعات والبلدات، وتأسيس مؤسسات ذات جذور اجتماعية. يجب أن تكون هناك انتخابات محلية بدل الوطنية. مخاطر المسار المتقلب الآن تهدد غضب المتبرعين من حكومة محلية لا تستطيع الاستلام، وتقوي قوة المتمردين على السيطرة على الرئاسة.
– الكونغو
السنة الماضية همشت كثيرًا من الآمال التي كانت بعد التقدم في الكونغو في 2013. الإصلاحات الموعود بها من الرئيس جوزيف كابيلا، تحديدًا المرتبطة بالشق الأمني، توقفت. بينما شهد 2013 القوات الكونغوية وفرقة أمريكية خاصة، ولواء قوات التدخل، تهزم مليشيا M23 المدعومة من رواندا، فإن جهودًا لتهميش مليشيات أخرى ظهرت. القوات الكونغوية شنت عمليات ضد القوات الديمقراطية المتحالفة، ولكن قيادتها لا زالت كبيرة، ومقاتلون غير معروفين لا زالوا يرتكبون مجازر بحق الفلاحين في مناطق نفوذها.
المزيد من التحدي، هو القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، بقايا قوات شبه عسكرية من الهوتو بعد مذبحة رواندا في 1994. الحكومة الكونغوية مع لواء قوات التدخل، تحديدًا من جنوب إفريقيا وتنزانيا، عاجزة عن إيقاف أعداء رواندا، القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، بالطريقة التي أوقفت بها حلفاءها M23. استراتيجية ضد القوات الديمقراطية لا يمكن بناؤها على الجانب العسكري وحده. إجراءات أنعم -استقرار بلد ثالث، خطة نزع سلاح تعتني بالمقاتلين والمجتمعات، إجراءات أمنية ضد الشبكات غير الشرعية التي تدعم القوات الديمقراطية، واتفاقية حول العملية القضائية لقادتها- تحتاج أن تدمج مع تهديد حقيقي للقوة.
للآن، التهديد معدوم. أعداد مقاتلي القوات الديمقراطية القليلة يسلحون أنفسهم بطريقة تبدو أنها لن تنزع سلاحها بنفسها: مهلة الستة الشهور لهذه العملية، معززة بقوى إقليمية، كانت بوضوح تكتيكًا لكسب الوقت. بينما توقف نزع سلاح المليشيات، تصاعد آخر للعنف في المناطق الشرقية لا زال محتملًا، خصوصًا إذا انسحبت رواندا من العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.
كما في نيجيريا، الانتخابات القادمة في الكونغو هي التحدي الأكبر في بيئة هشة سياسيًا. كابيلا، الذي يملك القليل من الشرعية، والذي منع دستوريا من القيام بفترة رئاسية ثالثة، قد يحاول تغير القانون أو تأجيل التصويت لإطالة مدته. أي خطة من هذه ستشعل مظاهرات معارضة. بالنظر إلى أن العنف في شرق الكونغو عرض لحكومة كينشاشا السيئة وفقدان الدولة لوظيفتها، فإن التصويت القادم سيكون محوريًا لاستقلال البلاد كما هو للمليشيات والبلدان المجاورة المتدخلة.
– أفغانستان
أفغانستان، لأول مرة في تاريخها، شهدت انتقالًا سلميًا للسلطة العام الماضي. الرئيس حامد كارازاي غادر المكتب، إذ استلمه منه أشرف غني، والمشارك في الانتخابات عبد الله عبد الله أصبح الرئيس التنفيذي لأفغانستان باتفاقية مشاركة سلطات. ولكن، الأزمة المتفاقمة مع الانتخابات تقول إن حكومة وحدة غني قد تواجه تحديات كما قد تواجه فرصًا. العلاقات بين المخيمين لا زالت حادة، فهم لم يتفقوا بعد على نقاط أساسية، بينما تفتقد صفقات مشاركة السلطة لآليات لحل النزاعات. الحزبية قد تضع الإصلاحات المطلوبة سريعًا والتي وعد بها غني في وضع حرج: تقوية المؤسسة، التحقق من الفساد، موازنة القوة التنفيذية، والتحرك نحو نظام حكم أقل مركزية. الحكومة الجديدة كذلك تواجه تمردًا من طالبان. “غني” وقع اتفاقية مع واشنطن مهدت الطريق لـ12 ألف جندي، أغلبهم أمريكان، للبقاء في أفغانستان للقيام بعمليات مكافحة إرهاب، وتقديم الاستشارة والتدريب والتقييم للقوات المحلية، التي تحارب بشدة ضد طالبان.
ولكن العنف يتزايد، والمتمردون يكسبون في المناطق النائية. في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وزير الدفاع الأفغاني قال إن 2014 كان أكثر سنة دموية بالنسبة للقوات الأفغانية منذ احتلال أمريكا للبلاد في 2001، وتقرير سابق للأمم المتحدة حذر أن السنة قد تشهد عددًا أعلى من القتلى والجرحى. بينما تنسحب القوات الغربية، وصول كابول للمحافظات أصبح أضعف، وستعاني للحفاظ على قوائم الجيش بوضعها الحالي بدون مليارات الدولارات من التبرعات.
أثناء زيارته للصين وباكستان والسعودية أثناء أسابيعه الأولى للرئاسة، أشار غني بحكمة لمصلحته بإنهاء النزاع عبر الوساطة. الخطر هو أن هذا سيرفع استفزاز باكستان، والتي لا زالت علاقتها مع كابول متوترة، وحيث يستقر متمردو أفغانستان على طول الحدود. أثناء ذلك، عدد هجمات طالبان، حتى الآن على الأقل، يقول إن المتمردين سيستمرون باختبار قوتهم ضد الجيش الأفغانستاني. القتال سيظل مكونًا أساسيًا للتفاوض، و2015 يعد بأن يكون عامًا عنيفًا آخر للأفغان.
– اليمن
الانتقال اليمني انهار. العملية السياسية سقطت ضحية لتنافس النخب، وانتقال توازن السلطة ذهب لصالح الحوثيين -حركة شيعية زيدية سيطرت على كثير من البلاد انطلاقًا من مقراتها شمال غرب البلاد- وحركة انفصالية متنامية في الجنوب. بينما استنزفت الأوضاع الاقتصادية والأمنية، مصداقية الدولة -والثقة بالرئيس عبد ربه منصور هادي كوسيط صادق بين الفصائل- تعاني. الحوثيون، المدعومون من جبهة سياسية واسعة غاضبة من الركود السياسي، سيطروا على العاصمة في أيلول/سبتمبر 2014. وافقوا على خطة لوضع حكومة جديدة، اتفاقية السلم والشراكة، ولكنهم انتهكوها من خلال تضييق الخناق على العاصمة وتوسيع سيطرتهم جنوبًا وغربًا داخل قلب البلاد السني ومنطقة إنتاج النفط في مأرب.
بينما لا تملك اليمن تاريخًا من الصراع الطائفي، فإنها تبدأ بكسب واحد. الصراع الحوثي بلغ مداه مع الإصلاح، الحزب السياسي الذي يتضمن الجناح اليمني للإخوان المسلمين، بجانب القاعدة بشبه الجزيرة العربية، المشكلة في 2009 من المليشيات اليمنية والسعودية. تقدم الحوثي أجج مخاوف الجنوبيين من أن الحكم الذاتي الفيدرالي، كما اتفق عليه بعد الحوار الانتقالي الذي تبع إسقاط الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لن ينجح.
قوى محلية وكبرى لها سجل مختلط في اليمن. السعودية ومجلس التعاون الخليجي كانوا مصرين على جلب الفصائل معًا أثناء الأزمة في 2011. السعوديون كذلك وضعوا مليارات الدولارات لرفع ميزانية الدولة. ولكن بعد دخول الحوثيين إلى صنعاء، عبرت الرياض عن شكوكها بدعم حكومة تهيمن عليها مجموعة تعتبرها واجهة إقليمية لإيران. وإذا لم يتشجع السعوديون للاستثمار في اليمن وسحبوا دعمهم الاقتصادي، فقد تنهار الدولة اليمنية. إيران والسعودية، اللذان يعاديان القاعدة، يجب أن يتعاونا بينما تنزلق البلاد نحو حرب أخرى بالوكالة.
دور مجلس الأمن كان مختلطًا. في شباط/فبراير 2014، فرضت عقوبات على أي مجموعات سعت للإخلال بالانتقال. بعد سيطرة الحوثي على صنعاء، فرضت عقوبات على قائدين حوثيين بالإضافة للرئيس السابق صالح، بدعم الرئيس هادي والسعوديين. هذا ارتد عليهم، مؤديًا لتسريع مؤقت لأولئك الذين سعت لإضعافهم. حزب مجلس الشعب العام الذي كان يقوده صالح سحب دعمه من الحكومة وانسحب من القيادة، بينما رحب الحوثيون بالعقوبات كوسام شرف. لا يبدو أن أيًا من هذه المجموعات سيسعى لحل وسط قريبًا.
– ليبيا والساحل الإفريقي
انتقال ليبيا انهار كذلك، والفوضى المتزايدة تنتشر عبر حدودها. الأزمة السياسية أنتجت مجلسين تشريعيين متنافسين: برلمان معترف به دوليا في طبرق، ومؤتمر وطني عام يهيمن عليه الإسلاميون في طرابلس. الحكومة الليبية لا تتمتع الآن بسلطة حقيقية: الثقة بمؤسسات الدولية، التي تبلغ أقل مستوياتها الآن، تفتت. اغتيال مسؤولين، ومحاولة انقلاب يقوده جنرال مضاد للإسلاميين قسمت البلاد، عاكسة الاستقطاب الإقليمي. التضارب على ثروة النفط والغاز، التنافس بين المليشيات والقبائل، مصالح القوى الخارجية المتنافسة، وعدم الاتفاقات على بنية دولة ما بعد القذافي كلها تهدد بتقسيم البلاد.
هذه المشكلة ليست لليبيا فقط، ولكنها لجيرانها كذلك. تدفق الأسلحة والمرتزقة يفسر جزئيًا انهيار مالي في 2012، بينما سيطر متمردو الطوارق والقاعدة على الشمال، وأسقط انقلاب عسكري حكومة باماكو. عملية قادتها فرنسا ضد الجهاديين -ولكن كثيرًا منهم لا زالوا يلجأون في الصحراء أو بين المجتمعات المتنقلة. أثناء ذلك، النشاط الإرهابي تصاعد في النيجر: كما في مالي، تحاول السلطات أن تفرض سيطرتها على الصحراء الممتدة، مع الجهود التي تزداد تعقيدًا بالمتنافسين الإقليميين، تحديدًا الجزائر والمغرب. المتطرفون والمجرمون مع العلاقات الانتقالية ينتشرون عبر الساحل للهرب من العمليات الفرنسية والحصول على موطئ قدم في شمال إفريقيا، والحدود النفاذية، وسلطة الدولة الضعيفة، والقابلية الجديدة للأسلحة تعمل جميعًا لصالحهم.
كل هذا الأمن الإقليمي، خلال ذلك، يتردد صداه في جنوب ليبيا اللامحكوم. محافظة فزان الجنوبية الغربية المهملة شهدت تدفقًا لمحاربي الطوارق، بما في ذلك الإسلاميين الراديكاليين، ويصبح الآن ملاذًا للمجموعات المتطرفة. قيادة ليبيا تبدو غير قادرة على جمع تفكك البلاد. التدخلات من فرنسا، وبدرجة أقل، أمريكا أوقفت تقدم الجهاديين في الساحل. ولكن أيًا من الجهود العسكرية رافقه تنمية سياسية واجتماعية اقتصادية شاملة وضرورية لتحقيق الاستقرار، لم يتحقق؛ لذلك، حتى الآن، الاستراتيجيات السياسية متأخرة كثيرًا عن العمليات العسكرية.
– فنزويلا
بمقارنتها بالعديد من المذكورين أعلاه، فنزويلا ليست منطقة حرب. الهدوء عاد لشوارع كراكاس بعد اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن ومليشيات موالية للحكومة أدت لمقتل بعض الأشخاص، أغلبهم من المتظاهرين، في بداية 2014. ولكن الأسباب الضمنية للأزمة لا زالت موجودة، وفنزويلا قد تشهد موجة أخرى من عدم الاستقرار هذا العام.
حكومة الرئيس نيكولاس مادورو تواجه أزمة اقتصادية استاءت أكثر بالسقوط الدرامي لأسعار النفط، الذي تعتمد فنزويلا على ما يقارب الـ96% باقتصاده. الحالة كانت صعبة حتى قبل سقوط أسعار النفط: البلاد عانت من تضخم كبير (وصل إلى تقريبا 96%)، ندرة الطعام والدواء والأساسيات الأخرى، تؤدي لانهيار الخدمات العامة، وواحدة من أعلى نسب الجريمة في العالم. شعبية الحكومة سقطت بثبات منذ تولي مادورو الحكم بعد موت هوغو تشافيز في آذار/مارس 2013. نسبة قبول مادورو أقل من 25%، وهو نسبة قليلة غير معتادة بالنسبة لفنزويلا وتعكس السخط حتى بين صفوف تشافيز الذين يشكلون قاعدته.
أي من ذلك لا يمكن اعتباره غير قابل للتجاوز، لولا فشل النظام الحالي، الذي أتى للسلطة لتقوية مؤسسات الدولة. المحكمة العليا وسلطات الانتخابات ومكونات ثلاثة أخرى يدعوها الفنزويليون (السلطة الأخلاقية) مليئة بموالي الحكومة. الهيئة التشريعية التي تعمل كمنتدى للحوار السلمي هي لصقة للرئاسة. كنتيجة، تركت فنزويلا بدون صمامات أمان يمكن أن تساعد بتفريغ التوترات.
خلال اشتباكات العام الماضي، حوار مؤقت بدأ بين الحكومة وتحالف وحدة الديمقراطية المعارض. واحد من النقاط التي سجلت كان الحاجة لملء شواغر المحكمة العليا والسلطات الانتخابية واستبدال الأعضاء الثلاثة لـ”السلطة الأخلاقية” التي كانت مددهم ستنتهي نهاية العام. لسوء الحظ، لم تأخذ الحكومة المبادرة، والفرصة لنزع التوتر مع المعارضة ضاعت. ما لم يكن العاملون الإقليميون مستعدين لبذل مزيد من الحسم، الانتخابات التشريعية في 2015 ستكون فتيلًا لموجة أخرى من العنف أكثر مما ستكون فرصة لتشكيل برلمان منتخب.
الصورة التي تظهر من المرور على الصراعات قاتمة. هناك، أمل واحد: التفكك المتزايد للعالم يعني أنه ليس هناك انقسام شامل. حتى الأزمة التي تزداد عمقًا بين روسيا والغرب تهدد أوروبا، فإن بقايا الحرب الباردة تختفي بينما يطبع أمريكا وكوبا علاقاتهما. كثير من الصراعات يمكن التعامل بها الآن حسب مزاياها الخاصة، والدور المتنامي للقوى الإقليمية -بينما يضيف تعقيدًا، وفي بعض الأحيان عداوات، يشكل فرصًا لدبلوماسية أكثر إبداعًا.
هذا ليس وقت “القوى القديمة” لتبسط نفوذها، ولكن عليها أن تعلم أن صناعة السلام في 2015 تعتمد على العمل مع طيف أوسع من البلدان التي كانت عليها في السابق.
نقلا عن التقرير