أوباما من إيران وكوبا إلى فيتنام: أعداء أمريكا حلفاؤها؟

أوباما من إيران وكوبا إلى فيتنام: أعداء أمريكا حلفاؤها؟

24qpt999

تشكّل زيارة الرئيس الأمريكي الحاليّة لإيران، منظوراً إليها ضمن الحركة التي ابتدأت بالاتفاق النووي مع إيران، وبإعادة العلاقات مع كوبا وزيارتها، وصولاً إلى زيارته المرتقبة لهيروشيما (المدينة التي قصفها الأمريكيون بالقنبلة الذرّية خلال الحرب العالمية الثانية) نقلة دراميّة ضمن سياق تاريخيّ مملوء بالمعاني.
لقد كانت الحرب الأمريكية التي بدأت في ستينيات القرن الماضي ضد فيتنام والهزيمة المدوّية اللاحقة لواشنطن فيها عام 1975 إعلاناً هائلاً على إمكان انتصار أمّة آسيويّة فقيرة يقودها حزب مركزيّ شيوعيّ على أقوى وأغنى أمّة رأسمالية وديمقراطية على الأرض.
لقد تركت تلك الحرب بأعداد قتلاها وجرحاها ومعاقيها والجرح النرجسيّ العميق لسقوط الغطرسة الامبريالية ندوباً غائرة في الشخصية العامة للبلاد تم التعبير عنها بآلاف الصور والمقالات والدراسات وعشرات الأفلام والروايات. زيارة فيتنام (وهي ثالث زيارة لرئيس أمريكي بعد بيل كلينتون وجورج بوش الابن) تشير إلى محاولات أمريكية دؤوبة لتجاوز هذا العبء النفسيّ الكبير، وحين نعطفها على زيارته لهيروشيما يوم الجمعة المقبل (الأولى لرئيس أمريكي) ونربطها بالحدثين الإيراني والكوبيّ، سنلاحظ أن أوباما يحاول اختتام مرحلة فاصلة في التاريخ العالمي الحديث بدأت بالمجزرة الكونيّة الهائلة لأول قصف نووي في التاريخ ضد هيروشيما وناغازاكي عام 1945، وهو ما فتح السباق المخيف مع الاتحاد السوفييتي فأوصل العالم إلى مشارف حرب نووية (خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962).
المعاني الاستراتيجية والرمزيّة التاريخية لعملية التصالح الأمريكية وأهمية الدينامية التي يتبعها أوباما مع خصوم الماضي قضايا لا تخفي المصالح الآنية لكل هذه النقلات المحسوبة وارتباطها بحسابات الحاضر الأمريكي لا بحقوق الانسان التي نافح عنها أوباما في كوبا وإيران وفيتنام، أو باحترام أرواح مئات آلاف اليابانيين الذين قُتلوا بالقصف النووي خلال الحرب العالمية الثانية.
أحد التفسيرات المباشرة للزيارة الفيتنامية (ولاحقا اليابانية) تظهرها سخرية صحيفة «غلوبال تايمز» الرسمية الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني التي علّقت على قرار إلغاء حظر أمريكا بيع الأسلحة إلى فيتنام بالقول إنه يظهر رغبة واشنطن بتخفيف معايير حقوق الإنسان من أجل تحجيم الصين. حوّلت الصين مناطق صخرية نائية في بحر الصين الجنوبي إلى جزر بها مهابط طائرات وموانئ وهي تتنازع مع عدد من دول المنطقة وبينها فيتنام حقوق السيادة على هذا البحر وتجد أمريكا في فيتنام حليفاً ضروريّاً لها في هذه القضية الاستراتيجية وهو أمر تمّت الإشارة إليه بقول أوباما إن «الدول الكبرى يجب ألا تستأسد على الدول الأصغر»، وهو يقصد بالطبع الصين… وليس بلاده!
لكن الحركة التاريخية الأمريكية ليست باتجاه واحد، ففي عام 1945 الذي انتهت فيه الحرب الأمريكية مع اليابان وبدأت فيه الحرب الفيتنامية (مع فرنسا ثم أمريكا) واستمرت ثلاثين عاماً لم يجد الزعيم الشيوعي الكبير هوشي منه غير كلمات من «إعلان الاستقلال» الأمريكي للتعبير عن رغبة شعبه بالمساواة مع شعوب الأرض والحياة والسعادة، كما أنه سافر إلى فرنسا في مطلع شبابه وانضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي لكنه قال لاحقا إن «الوطنيّة هي محط إلهامه وليس الشيوعية» وعاد إلى بلاده بعد احتلال اليابانيين لها عام 1941 ليتعاون ضدهم (وضد حكومة فيشي الفرنسية المتعاونة معهم) مع الأمريكيين الذين زودوه بالمال والعتاد ورجال الاستخبارات!
دروس التقلّب بين الخصومة والتحالف موجودة إذن في صلب التاريخ الفيتنامي الحديث، ولكنّ أكبر دروس هذا التاريخ، بحسب هوشي منه، أن الفرنسيين والأمريكيين غزاة طارئون والخطر الحقيقي هو في الصين التي حكمت فيتنام قرابة ألف عام.
الحكاية الفيتنامية ـ الأمريكية (كما الحكايات الإيرانية والكوبية واليابانية) حمّالة أوجه ويمكن أن تقرأ بأكثر من اتجاه وتستطيع قلب الأعداء الطارئين إلى حلفاء ممكنين، لكنها لا يمكن أن تغيّر الخطر الصينيّ الجاثم على فيتنام، ولا الحسابات الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء بكين. هنا، لا في الدفاع المزعوم عن حقوق الانسان تكمن المسألة.

صحيفة القدس العربي