سؤال يتصاعد في العالم: السياسة حرفة أم وجهة نظر

سؤال يتصاعد في العالم: السياسة حرفة أم وجهة نظر


لندن – أثارت ظاهرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلا مقلقا لدى المفكرين الغربيين حول جدارة قيادات العالم وقدرتها على مواجهة استحقاقات خطيرة.

وذهبت بعض الأطروحات إلى التشكيك في فكرة الاقتراع العام بصفتها وسيلة سهلة تتيح للشعبوية العبور نحو السلطة، ما يفقد السلوك السياسي القيادي عقلانية مطلوبة لإدراك مشاكل الساعة وفهم معطياتها.

والأمر وإن كان بارزا من خلال صعود تيارات اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية في أوروبا، إلا أن المعضلة تنسحب بسهولة على العالم العربي، خصوصا وأن موسم “الربيع العربي” أخرج إلى الصدارة وجوها ارتجلت العمل السياسي دون التحلي بالمراس والخبرة الضرورية لاتخاذ القرارات الصائبة.

وفيما وعدت هذه “الثورات” بتطهير للطبقة السياسية وتحديث لأدائها، أظهرت النتائج أن الطبقة السياسية التي حكمت أو تحاول أن تحكم بعض هذه البلدان، استفادت من موجات الشعبوية التي تدفقت على هذه البلدان من أجل الاستيلاء على مقاليد الإدارة والحكم، في ظروف صعبة ومعقدة تحتاج إلى رجالات دولة من الطراز الأول.

لكن فشل الأداء كان ناتجا عن هذا البون الشاسع بين الكفاءات المتوفرة وبين المشاكل الضخمة التي كشفت عنه هذه الانتفاضات.

ويرى خبراء في العلوم السياسية أن ممارسة السياسة في العالم العربي لم تستند على كفاءات علمية وخبرات متراكمة بقدر اعتمادها على قواعد الولاء.

كما أن النظم السياسية نجحت في ترويض مجتمع السياسيين وجعله طيعا ليتناسب مع معايير ديمومة السلطة بعيدا عن أي تحديث يتطلب كفاءة في أداء السياسيين ومواهبهم في قيادة المجتمعات.

وطالبت الكاتبة البريطانية جولييت سامويل بإعادة الاعتراف بالسياسة كمهنة لها أصولها وتقاليدها، معتبرة أن الأمر بات من الشروط الضرورية لمواجهة تيار جديد يهدف إلى تغيير جذري في العمل السياسي.

وقالت إن الحكومات في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها يديرها “سياسيون محترفون” لم يسبق لهم أن حصلوا على “وظيفة حقيقية”.
جولييت سامويل: السياسيون الجدد إما ثوريون خطيرون أو مزيفون أو بلا كفاءة

ويتدرج السياسيون في بريطانيا من عضوية حزبية إلى منصب صغير في مجلس محلي، قبل أن يتم الدفع به في الانتخابات البرلمانية التي إن تمكن في النجاح فيها فيصبح عضوا في مجلس العموم (البرلمان).

وداخل البرلمان عادة ما يتم تعيين الأعضاء الجدد كمساعدين لأعضاء مخضرمين في مجلسي العموم أو اللوردات. بعد ذلك يتم تصعيد السياسي لمنصب حكومي لا يحمل أهمية كبيرة، لكن إن أثبت كفاءة يتولى حينها منصب وزير دولة في وزارة مهمة.

لكن سامويل مازالت تعتقد أن هؤلاء السياسيين لا يعرفون واقع الحياة، وأن هذا السبب يقف وراء ظهور تيار من الزعماء السياسيين يقترحون البديل لما هو قائم، مثل دونالد ترامب، وجيريمي كوربن، ومارين لوبن، وأليكسيس سيبراس، وخيرت فيلدرز.

وتصف سامويل السياسيين الجدد، بأنهم يقدمون أنفسهم بديلا للمنظومة السياسية التقليدية، ويعتبرونها سببا لمشاكلنا، ولا بد من القضاء عليها نهائيا، لأنهم لا يعرفون كيف يديرونها.

وقالت “إن التيار الجديد من السياسيين الذين يعرضون بديلا للمنظومة التقليدية مثل ترامب وكوربن إما أن يكونوا ثوريين خطيرين أو مزيفين أو يكونوا بلا كفاءة”.

وفيما يستنتج المواطنون العرب عدم جدارة الطبقة السياسية التي أنتجتها القلاقل العربية، فإن الحالة الأميركية تقدم نفسها كل يوم كبرهان على الركاكة التي يدير بها الرئيس الأميركي شؤون البلاد.

وما هو لافت أن الولايات المتحدة، بحكم خبرتها في الحكم وفي إنتاج الكوادر الكبرى لإدارة الدولة قادرة على تصويب أداء سيد البيت الأبيض أيا كانت هوية هذا الرئيس.

لكن الأمر يبقى دون حل لدى البلدان العربية من حيث أن أنظمة الحكم اكتفت بطبقتها السياسية وألحقت أي كفاءات كامنة بها، بحيث أن أي تغيير في نظام الحكم يطيح بطبقة التكنوقراط وسياسيي الصف الأول، دون أن تكون هناك بدائل متوفرة لغياب أدوات أو عمليات إنتاج هذه الكفاءات.

العرب اللندنية