العلاقات الباكستانية الأميركية.. تحالف يفتقد للثقة

العلاقات الباكستانية الأميركية.. تحالف يفتقد للثقة

تعود العلاقات الباكستانية الأميركية إلى الأربعينيات عندما اختارت باكستان عند تأسيسها التحالف مع الولايات المتحدة، وتنامت هذه العلاقات على أساس تبادل المصالح بين البلدين، لكنها ظلت محكومة بالمتغيرات الدولية والإقليمية، خاصة في أفغانستان، إذ تتقوى تارة وتتوتر تارة أخرى.

تحالف إستراتيجي
تعززت العلاقات بين إسلام آباد وواشنطن بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة، حيث قدمت إسلام آباد حينها دعما قويا لواشنطن في حربها ضد ما سمي الإرهاب وأفغانستان التي كانت تؤوي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

وبالإضافة إلى الدعم اللوجستي والمخابراتي الكبير الذي قدمته حكومة الجنرال برويز مشرف للأميركيين في حربهم ضد أفغانستان اتخذت عدة إجراءات، منها شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف الأشخاص الذين لهم صلة مع بن لادن والقاعدة، وتقديم الأشخاص المطلوبين للأميركيين، وحدث ذلك رغم المعارضة الشعبية القوية للحرب الأميركية على الجارة أفغانستان.

في المقابل، رفعت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في سبتمبر/أيلول 2001 العقوبات التي فرضتها بلاده عام 1998 على باكستان بعد إجرائها تجارب نووية، وقال بوش حينها إن العقوبات المفروضة على باكستان لا تخدم “مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة”.

وقرر بوش في 28 سبتمبر/أيلول 2001 منح باكستان مساعدة بقيمة خمسين مليون دولار، كما قدم لها في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 مساعدات قيمتها ستمئة مليون دولار، بالإضافة إلى إعادة جدولة ديون قيمتها 39 مليون دولار، وذلك كمكافأة لحكومة إسلام آباد لمساندتها الحرب الأميركية.

وكشف تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 أن وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) دفعت مئات ملايين الدولارات لجهاز المخابرات الباكستاني منذ عام 2001، كما دفعت عشرة ملايين دولار لقاء تسليم أحد كبار قادة القاعدة المعروف باسم “أبو زبيدة”، ناهيك عن دفعها 25 مليون دولار نظير تسليم خالد شيخ محمد.

ووفقا لما جاء في التقرير، فإن وكالة المخابرات المركزية سلمت مسؤولين من جهاز الاستخبارات الباكستاني حقائب مليئة بالدولارات مقابل أعضاء من رتب أدنى تابعين للقاعدة.
تشكيك وتوتر
ورغم الخدمات القوية التي قدمتها إسلام آباد للحليف الأميركي فإن هذا الأخير ظل يشكك ويتهم باكستان بتوفير ملاذ آمن لأسامة بن لادن ومقاتلي القاعدة وطالبان، أو على الأقل غض الطرف عن وجودهم وتحركاتهم في الأراضي الباكستانية، خاصة في جنوب غرب إقليم بلوشستان، وهي التهم التي نفتها السلطات الباكستانية مرارا.

وتركزت الاتهامات الأميركية لحليفتها في ما تسمى الحرب على الإرهاب على تصدير العنف إلى أفغانستان المجاورة عبر دعمها شبكة حقاني على الأراضي الباكستانية والتي تصنفها الولايات المتحدة حركة إرهابية.

ووصل مستوى التشكيك الأميركي إلى حد تعبير واشنطن عن قلقها من إخفاق باكستان في حماية ترسانتها النووية، وقولها بإمكانية وصولها إلى بن لادن وجماعته إليها.

وفي ظل تلك الأجواء جاءت الهجمات الأميركية باستخدام طائرات بدون طيار في باكستان والتي بدأت عام 2004 وتم تكثيفها في عهد الرئيس باراك أوباما لتزيد حدة التوتر بين واشنطن وإسلام آباد، حيث رفضت السلطات الباكستانية تلك الهجمات التي خلفت سقوط العديد من القتلى المدنيين.

اغتيال بن لادن
شهدت العلاقات الأميركية الباكستانية فصلا آخر من التوتر بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة على يد قوات أميركية قرب إسلام آباد في مايو/أيار 2011، حيث طلبت واشنطن من حليفتها تقديم قائمة بأسماء مسؤولين باكستانيين كانوا على علم بوجود بن لادن في باكستان، كما أنها أجلت منحة أميركية لباكستان تقدر بمليار ونصف المليار دولار.

وأثارت تلك الأزمة جدلا في الداخل الباكستاني، حيث ظهرت مطالبات سياسية وشعبية بتفسير رسمي للسماح بما اعتبر انتهاكا للسيادة الباكستانية من قبل الولايات المتحدة، وصدرت دعوات لاستقالة الرئيس الباكستاني ورئيس وزرائه.

وزاد التوتر عقب ضربة جوية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في مايو/أيار 2011 على موقع في الأراضي الباكستانية قتل فيه 24 جنديا باكستانيا، فقد ردت الحكومة الباكستانية على الغارة الأطلسية بالطلب من واشنطن إخلاء قاعدة شامسي الجوية التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في شن غارات بطائرات من دون طيار على مناطق الحدود بين باكستان وأفغانستان.

وقررت الحكومة أيضا إغلاق جميع المعابر الحدودية التي تستخدم لنقل ما يقرب من نصف احتياجات الحلف من الإمدادات إلى أكثر من 130 ألف جندي أميركي وأطلسي يقاتلون بأفغانستان، معلنة عزمها مراجعة كل أوجه التعاون الدبلوماسي والعسكري والاستخباراتي مع واشنطن والناتو.

ترمب والتهديد
وبعد مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض أصبحت العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد أكثر توترا على خلفية المواقف التي اتخذها ترمب إزاء الحليف الآسيوي خارج الناتو، حيث اتهم أثناء طرحه إستراتيجيته الجديدة الخاصة بأفغانستان في أغسطس/آب 2017 باكستان بإيواء الإرهابيين، وفي نفس الشهر قال وزير خارجيته ريكس تيلرسون إن باكستان قد تفقد وضعها كحليف رئيسي للولايات المتحدة إذا لم تعمل على تغيير سياستها إزاء حركة طالبان أفغانستان.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017 حذرت واشنطن من تأثر العلاقات مع باكستان بسبب إفراجها عن القيادي الإسلامي حافظ سعيد المشتبه فيه بتدبير هجمات مومباي في الهند عام 2008، والذي اعتبرته وزارة الخزانة الأميركية “إرهابيا دوليا”.

وفي 1 يناير/كانون الثاني 2018 انتقد الرئيس الأميركي الدعم الذي قدمته بلاده لباكستان على مدى 15 عاما مضت، وكتب تغريدة في حسابه على موقع تويتر “الولايات المتحدة منحت باكستان أكثر من 33 مليار دولار على شكل مساعدات على مدار الـ15 عاما الماضية، وفي المقابل لم تقدم باكستان سوى الأكاذيب والخدع معتقدة أن القادة الأميركيين أغبياء”.

وأكثر من ذلك قرر ترمب -وفق ما أعلنت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نكي هيلي- تعليق مساعدات بقيمة 255 مليون دولار لباكستان لما وصفته بإخفاق إسلام آباد في محاربة الإرهاب.

كما توعد باتخاذ خطوات صارمة إذا لم تتخذ حكومة إسلام آباد وجيشها إجراءات على الأراضي الباكستانية ضد حركة طالبان الأفغانية وأعضاء شبكة حقاني.

من جهتها، استدعت باكستان خارجيتها السفير الأميركي في إسلام آباد ديفد هيل وسلمته رسالة احتجاج شديدة اللهجة.

كما اعتبر مجلس الأمن الباكستاني في بيان في 2 يناير/كانون الثاني 2018 أن الموقف الأميركي يشكل تهديدا للثقة بين الجانبين، في حين استخدم وزير الخارجية خواجه آصف منصة تويتر نفسها للرد على ادعاء ترمب، قائلا إن بلاده مستعدة لأن تمول مؤسسة أميركية موثوقة لتدقيق الحسابات المالية لتحقق في رقم 33 مليار دولار “ليظهر من هو الذي يكذب”.

وكان وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف قد وصف في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 الولايات المتحدة بأنها “ليست حليفا يمكن الوثوق به، فقد كانت حليفا نسبيا لنا في الستينيات والسبعينيات، وكانت سياساتها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا كارثية، وما زلنا ندفع ثمنها”.

المصدر : الجزيرة