تايوان وكوريا وبحر الصين.. تشكل مستقبل العلاقات الأميركية – الصينية

تايوان وكوريا وبحر الصين.. تشكل مستقبل العلاقات الأميركية – الصينية

تعتبر العلاقة بين الولايات المتحدة والصين العلاقة الدولية الأكثر أهمية وتعقيدًا وتشابكًا في القرن الحادي والعشرين. وتمثل محاولات واشنطن لعرقلة صعود بكين، وسعي الصين لتجاوز العراقيل، صراعا طبيعيا تحسمه قدرة كل منهما على إدارته بحكمة دون الانزلاق إلى هاوية قد تكلفهما معًا بل والعالم أجمع ثمنًا باهظًا.

القاهرة – توصلت دراسة “القضايا الأمنية في العلاقات الأميركية – الصينية: تايوان.. كوريا.. بحر الصين” للباحثة د. منى هاني المدرسة في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة، إلى أن الولايات المتحدة والصين لا تعتبران حليفتين بشكل واضح، فهما لا تشتركان في مصالح أمنية جوهرية أو قيم سياسية، فضلًا عن أن مفاهيمهما للنظام العالمي تتصادم بشكل كبير.

وفي حين أن الصين تتطلع إلى عالم متعدد الأقطاب، نجد الولايات المتحدة تسعى جاهدة إلى الحفاظ على النظام الليبرالي الذي تقوده حتى لو كانت قوتها النسبية تتراجع.

وفي غضون هذا نجد أن قضايا عديدة خاصة في شرق آسيا تتسبب في تصادم بين مصالح الولايات المتحدة والصين بشكل مباشر، لكن علاوة على ذلك لا تعتبر الدولتان خصمين أيضًا، فهما تنظران إلى التهديدات المتبادلة بينهما على أنها عبارة عن تهديدات أيديولوجية أو أمنية لا سبيل إلى تغييرها، فضلًا عن حقيقة أن اقتصادهما متداخل ومتشابك يجعل كلا الطرفين حريصين على تجنب الصراع.

وتوضح هاني في دراستها الصادرة عن دار العربي أن العلاقات الأميركية – الصينية تتضمن عناصر الصراع بقدر ما تتضمن عناصر التعاون، وأن كل طرف من طرفي هذه العلاقة سيحاول توجيه هذه العلاقة بما يحقق له أقصى المصالح الممكنة في ظل عناصر القوة المتاحة لديه وقدرته على تعبئتها وتوظيفها آخذًا في الاعتبار جوانب الضعف التي يعاني منها والتي يمكن أن يسعى الطرف الآخر إلى التعامل معها أيضًا وتوظيفها بما يخدم مصالحه وأهدافه.

ومن الملاحظ أيضًا أن تشابك المصالح الاقتصادية بين البلدين قد يحول دون تحوّل أي نزاع بينهما إلى مواجهة مسلحة، ولو من المنظور القريب على الأقل، فاقتصاد البلدين وصل إلى حد يجعل انفصال كل منهما عن الآخر لأي سبب وتحت أي ظرف أمرا شديد الصعوبة وباهظ التكاليف، لهذا السبب تدرك كل من الولايات المتحدة والصين أنهما ستخسران كثيرًا إذا دخلتا في صراع مع بعضهما البعض.

وتؤكد هاني على أن العلاقات الأميركية – الصينية، وإن شابها بعض التوتر، من الصعب اختزالها في معادلات صفرية لكونها علاقات متشابكة ومعقدة، كما يصعب نشوب نزاع مسلح أو حرب باردة بين واشنطن وبكين لأن هناك نقاط التقاء واتفاقا بين الطرفين مثلما توجد نقاط اختلاف وتنافس، وهو ما يجعل كلفة الصراع بين البلدين أعلى للطرفين، وعليه تدرك كل من الولايات المتحدة والصين أن هناك درجة من التنافس في المصالح، ولكن يمكن التعامل مع مثل هذه المسائل بالأساليب الدبلوماسية بعيدًا عن أساليب الصراع والمواجهة.

وانطلاقًا من ذلك سعت هاني في دراستها إلى إثبات مدى صحة ما سبق من خلال تناول عدد من القضايا الأمنية الهامة في العلاقات الأميركية – الصينية، والمتمثلة في قضية تايوان والقضية الكورية وقضية بحر الصين الجنوبي، لمعرفة مدى تأثير هذه القضايا على مسار العلاقات ومستقبلها.

وتضيف أنه بالنظر إلى قضية تايوان فإنها تعد من أكثر القضايا حساسية وأهمية في العلاقات الأميركية – الصينية، فمازالت توجد نقاط اختلاف كثيرة بين الولايات المتحدة والصين؛ ذلك أن واشنطن رغم أنها تلتزم بسياسة الصين الواحدة كما صاغها إعلان شنغهاي، إلا أن حكوماتها المتعاقبة تمسكت كذلك بمجموعة متميزة من المصالح مع تايوان باعتبارها شريكًا هاما للاستقرار والرفاهية، استنادًا إلى خصائص موقعها الإستراتيجي في مضيق تايوان، وباعتبارها من أكبر المستثمرين الخارجيين، وأحد أكبر الاقتصادات التجارية في العالم.

وكمحصلة لكل تلك الاعتبارات حصلت تايوان على دعم المصالح الاقتصادية والثقافية الأميركية، وعلى تزايد اهتمام الكونغرس بوضعها ورفاهيتها كقوة إيجابية للتنمية الإقليمية اقتصاديًا وسياسيًا. لذلك تعارض أميركا استخدام القوة لاستعادتها من قبل الصين، وبالتالي وفقًا لقانون العلاقات مع تايوان أصبحت أميركا ملزمة بالحفاظ على قدراتها ومقاومة اللجوء إلى العنف أو أية أشكال قسرية أخرى من شأنها أن تضر النظام الأمني أو الاجتماعي أو الاقتصادي لشعب تايوان.

وفي المقابل تنظر الصين إلى قضية تايوان باعتبارها جزءًا من الهدف طويل الأمد في تحقيق الوحدة الوطنية، والنتيجة الوحيدة التي لا يمكن أن تقبلها الصين هي انفصال تايوان عنها، ففي حال سعت تايوان إلى الاستقلال ستصبح سلامة الأراضي والتكامل الإقليمي للصين مهددين، ولذلك تعارض الصين بشدة أي تعديل في وضع تايوان وأية محاولة للاستقلال من جانبها، وتدعو الولايات المتحدة إلى الالتزام بسياسة الصين الواحدة والبيانات المشتركة الثلاثة، مؤكدة على أن المعالجة الملائمة لمسألة تايوان تشكل المفتاح الرئيسي لنمو العلاقات السليمة والدائمة بين البلدين.

وتوضح هاني أن سياسة الاحتواء المزدوج التي تتبعها واشنطن، والتي تحفظ تايوان من خطر الاستقلال الفوري، وتُقيد صاحبة الأرض الأساسية من الأساليب غير السلمية لحل القضية، لم تتغير بعد. لذا تستطيع الولايات المتحدة أن تستمر في سياستها القائمة على التوازن المضاد مع التأثير على صعود وهبوط القضية التايوانية.

وإذا سعت الصين إلى حل القضية التايوانية بأسلوبها الخاص، فإن هذا الأمر سوف يؤدي إلى مواجهة جادة وصراع.

وأصبحت مبيعات الأسلحة لتايوان تمثل خطرًا كبيرًا، وأصبحت المعاملات العسكرية الأميركية – التايوانية أكثر انفتاحًا من الجانبين، وإذا لم يتم كبح جماح هذا الاتجاه والقضاء عليه في الوقت المناسب، فإن الخطر سيكون واضحًا. هذا بالإضافة إلى أن واشنطن لم تغير إستراتيجيتها التي تضع تايوان كعامل مؤثر لاحتواء التوجه المستقبلي للصين أو التأثير في هذا التوجه. ومن ثم فإن خيوط تلك القضية تجتمع بين أيدي كل من الولايات المتحدة والصين ولن يحسمها سوى مصالح هاتين الدولتين، ومن المؤكد أن قضية تايوان ستظل موضع شد وجذب بينهما لوقت طويل.

وبالنسبة إلى القضية الكورية تشير إلى أن الولايات المتحدة والصين تشتركان في هدف واحد تسعيان إلى تحقيقه، ألا وهو نزع القدرات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، بيد أن رؤيتيهما تختلفان في كيفية تحقيق هذا الهدف. حيث ترى واشنطن أن الضغط على كوريا الشمالية هو أفضل وسيلة للتأثير عليها حتى تغير سلوكها، بينما يرى الكثير من الدبلوماسيين والأكاديميين الصينيين أن فرض العقوبات على كوريا الشمالية وممارسة تكتيكات الضغط عليها يحملان تداعيات سلبية، لذلك نرى أن واشنطن تميل بشكل عام إلى اتباع منهج أكثر تشددًا وصرامة تجاه كوريا الشمالية، ومن جانب آخر تسعى واشنطن أيضًا للضغط على الصين بقوة لكي تضغط بدورها على كوريا الشمالية بغية تخليها عن الاستمرار في برنامج أسلحتها وصواريخها النووية.

في حين أن الصين تتطلع إلى عالم متعدد الأقطاب، نجد الولايات المتحدة تسعى جاهدة إلى الحفاظ على النظام الليبرالي الذي تقوده حتى لو كانت قوتها النسبية تتراجع

وقد تجنبت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما المباحثات المباشرة مع كوريا الشمالية بشأن الصواريخ والتجارب النووية، وتبنت منهجا تم وصفه بـ”الصبر الإستراتيجي”، وهي عبارة عن سياسة صُممت للضغط على النظام في كوريا الشمالية عن طريق الإصرار على الالتزام بنزع السلاح النووي، ومحاولة إقناع الصين بأن تتشدد في موقفها عن طريق تصعيد العقوبات. ورغم أن الحوار مستمر، سواء كان حوارًا ثنائيًا أو تحت رعاية مباحثات الأطراف الستة، لم تؤت الجهود ثمارها.

ولذلك أحدث التحول إلى إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب هزة عنيفة في السياسة الأميركية تجاه كوريا الشمالية، حيث أعلن معاونو ترامب عن نهاية منهج “الصبر الإستراتيجي” الذي تبنته إدارة باراك أوباما، وصرحوا بأن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، بما في ذلك احتمال القيام بضربات عسكرية استباقية لإحباط تجارب كوريا النووية وتطوير برنامجها الصاروخي، وحذر ترامب أيضًا من أن واشنطن سوف تكون جاهزة للقيام بعمل أحادي الجانب ضدها إذا ظلت الصين غير مستعدة لبذل المزيد من الضغوط على جارتها، حيث أن الصين على الرغم من أن البرنامج النووي والصاروخي لكوريا الشمالية يتسبب في مشاكل لها فيما يخص استقرار وأمن المنطقة، إلا أنها تتجنب التحركات التي من الممكن أن تتسبب في انهيار مفاجئ للنظام الكوري الشمالي، وذلك لأن كوريا الشمالية تعد منطقة عازلة بين الأراضي الصينية وكوريا الجنوبية التي تعتبر موطنًا للكثير من القوات العسكرية الأميركية، فإن أي انهيار محتمل للنظام الكوري الشمالي أو غزو كوريا الشمالية عن طريق الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية سوف يُزيلان هذه المنطقة العازلة، ولن يصبا في مصلحة الصين الإستراتيجية.

وبخصوص قضية بحر الصين الجنوبي، ترى هاني أن الولايات المتحدة بحكم وضعها كقوة عظمى، وتاريخها الممتد في المنطقة، لها مصالح متشعبة في بحر الصين الجنوبي. وبطبيعة الحال ترتبط المصالح بالدول المشاطئة لذلك البحر، والعلاقات فيما بينها، والتي من بينها وجود نزاعات حول الحدود البحرية فيما بينها، وكذلك العلاقات بين تلك الدول والولايات المتحدة ذاتها، ويمكن تلخيص أهم المصالح الإستراتيجية الأميركية في ضمان استمرار التفوق العسكري عبر تكثيف الوجود، والتصدي لتمدد القوة الصينية، والمحافظة على حرية الملاحة لأساطيلها، وحماية المصالح الاقتصادية.

الولايات المتحدة تستطيع أن تستمر في سياستها القائمة على التوازن المضاد مع التأثير على صعود وهبوط القضية التايوانية

وبالتالي ترى الولايات المتحدة أن بحر الصين الجنوبي وجزره مناطق متنازعا عليها، ولم يتم حسم النزاع بشأنها حتى الآن، ومن ثم فحرية الملاحة الدولية مكفولة في هذا البحر، وأن أي أعمال تقوم بها الوحدات البحرية الأميركية في هذا البحر لا تمثل تهديدًا للصين أو مساسًا بسيادتها، مع التأكيد على أنها لا تنحاز لمطالب طرف على حساب مطالب الطرف الآخر، وهذا صحيح من حيث كونها لم تعلن صراحة أحقية أي طرف فيما يطالب به. لكن من الواضح أنها منحازة ضد إدارة طرف محدد -وهو الصين- لتلك النزاعات، كما أنها لا توافق على ما يطرحه بخصوص آليات التسوية والحل. و مما لا شك فيه أن تطور الأحداث في بحر الصين الجنوبي يشير إلى تزايد التوتر فيه، وسواء كان السلوك الأميركي في إطار الفعل أو رد الفعل على السلوك الصيني، فإن له نصيبًا من التوتر.

أما فيما يخص الصين فهي تتصرف في بحر الصين الجنوبي من منطلق سيادتها المطلقة على معظم مياهه وجزره وشعابه وصخوره، وتستوي في ذلك الطبيعية منها أو ما يتم استحداثه، ومن ثم مشروعية كل ما تقوم به من إجراءات بناء وصيد وتنقيب وسياحة، فضلًا عن الإجراءات الإدارية والقانونية، وفي الوقت ذاته تطالب الصين بإنهاء ما تسميه اعتداءات على السيادة الصينية، سواء بالاحتلال أو بممارسات الصيد والتنقيب، أو بما تصدره الدول المحتلة من قوانين. وترفض الصين السماح بأي دور خارجي في نزاعات بحر الصين الجنوبي، ولا يقف الموقف الصيني من الأدوار الخارجية عند رفض المناورات المشتركة مع الدول التي تعدها معتدية على سيادتها، وإنما تطالب القوى الخارجية وعلى رأسها واشنطن بالكف عن إرسال وحداتها البحرية إلى بحر الصين الجنوبي، لأن ذلك من شأنه أن يهدد السيادة والأمن والمصالح الصينية، وأن تلك الإجراءات هي التي تهدد الأمن البحري. ومن ثم فإنها تؤكد أن الأمر يخص الدول المشاطئة للبحر فقط.

وتؤكد هاني أنه لا يتوقع حدوث مواجهات عسكرية في المنطقة بسبب تلك النزاعات في المدى المنظور لأسباب عدة، يتمثل الأول في أن الفجوة العسكرية بين دول جنوب شرق آسيا والصين ضخمة، ومن ثم لا يتوقع إقدام أي منها على عمل عسكري ضد الصين أو استخدام القوة العسكرية لفرض سيادتها على المناطق المتنازع عليها، ويتمثل الثاني في وجود مصلحة مشتركة بين جميع دول المنطقة في عدم حدوث مواجهات عسكرية كبيرة من شأنها أن تؤثر سلبًا على حرية الملاحة في المنطقة، وعلى استقرار تدفق التجارة والاستثمار، أما السبب الثالث فيتمثل في أن كلا من الولايات المتحدة والصين لا تريدان الدخول في نزاع عسكري مباشر.

العرب