“من يحتج لأسباب اقتصادية يجب عليه أن يعرف أن هذه المشكلات ستصفعه، لأنه عندما تصل الحركات الاجتماعية إلى مستوى الشارع فإن من بدأوها لن يبقوا في قيادتها، بل إن آخرين سيسحبون منهم القيادة”، هكذا حذر اليوم (الاثنين) نائب الرئيس الإيراني، اسهاق جهنجيري. ومثل رئيسه حسن روحاني فإنه ووزراء آخرين في حكومة إيران ومنهم وزير الدفاع ما زالوا يتخبطون في مسألة الرد المناسب على المظاهرات الآخذة في الاتساع في المدن الإيرانية، والتي سلبت حياة على الاقل 16 شخصا (حسب المعطيات الرسمية) حتى الآن.
تحذير جهنجيري الذي بحسبه على المتظاهرين الحذر من “جهات اجنبية”، وفي الاساسي غربية، التي من شأنها أن تستغل هذه المظاهرات. ويوجه التحذير أيضا إلى زملائه ومؤيدي روحاني من التيار الاصلاحي. نائب الرئيس يشير إلى أن المحافظين حرس الثورة الإيراني يمكن أن يحولوا المظاهرات رأسا على عقب، ويقمعوها بقبضة حديدية، وأن يأخذوا من أيدي روحاني الصلاحيات لادارة مفاوضات من الجمهور المتظاهر.
متحدثون من المحافظين ومنهم اعضاء برلمان من الكتل الراديكالية لم يعودوا يكتفون فقط باتهام الولايات المتحدة والسعودية بالمظاهرات، بل يطالبون الحكومة التصرف بشدة من اجل قمعها على الفور. تصريح روحاني الذي يقول إن للمواطنين الحق في الاحتجاج شريطة أن يكون ذلك بدون عنف، يعتبر حسب رأيهم ضُعفا، والاسوأ من ذلك، ربما حتى تشجيع مواصلة التظاهر، من اجل أن يستطيع روحاني استغلالها كأداة ضغط لتسريع الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية له التي يعارضها المحافظون.
من اجل تحقيق هذه الإصلاحات، ولا سيما في الاقتصاد، فقد عقد اليوم الرئيس روحاني اجتماعا لرؤساء لجان البرلمان الهامة من اجل البحث مرة اخرى في بنود الميزانية المعدة للعام 2018، وبحث الخطة الخمسية السادسة التي اساسها تنويع مصادر الدخل وتشجيع الاستثمارات الاجنبية من خلال تعديل قوانين الاستثمار، اعادة تنظيم جهاز البنوك وتقليص تأثير رفع الضرائب المخطط له. الميزانية المعدة التي تمت المصادقة عليها من قبل اللجنة البرلمانية تبلغ نحو 104 مليارات دولار، 6 في المائة فقط، أكثر من ميزانية السنة الماضية. هذه الميزانية ستخصص الحكومة منها 4.5 مليار دولار لايجاد نحو 450 ألف مكان عمل جديد.
ولكن هذا الجزء من الميزانية سيأتي على حساب الغاء الدعم لحوالي 25 إلى 30 مليون مواطن يحصلون الآن على راتب شهري مباشر (حوالي 10 دولارات للفرد) تصل إلى حساباتهم البنكية. هذا الرقم يكفي لإثارة غضب الجمهور، حيث أن الامر يتعلق بالمس بالطبقات الضعيفة. وعلينا ان نضيف إلى هذا نية رفع اسعار النفط من 23 سنتا لليتر إلى 35 سنتا، ضريبة الخروج من البلاد ستصبح 60 دولارا وهي ثلاثة اضعاف ما هي عليه الآن، وضرائب اخرى. كل ذلك سيرفع مستوى المعيشة، وفي المقابل سيعرض للخطر انجاز روحاني الاقتصادي الاساسي، الذي نجح في تقليص التضخم من 40 في المئة في 2013 إلى 10 في المائة هذه السنة.
الحاجة إلى تقليص العجز في الميزانية الذي يبلغ 5.3 مليار دولار، بواسطة زيادة جباية الضرائب وتقليص كبير في الدعم، توضح بأن الوضع الاقتصادي في الدولة ما زال بعيدا عن أن يكون جيدا. رغم الزيادة الكبيرة في تصدير النفط وعقد الصفقات الكثيرة بين إيران وشركات غربية في السنتين الاخيرتين منذ التوقيع على الاتفاق النووي، ورغم معطيات الاقتصاد الكلي الايجابية التي تتضمن نمو يصل إلى 12 في المئة، إلا ان التأثير على حياة الفرد في الدولة ما زال لم تتم ملاحظته. في الاساس الامر يتعلق بتقليص نسبة البطالة المرتفعة التي تبلغ 12 في المائة، نسبتها أكثر في اوساط الشباب. هنا جاء الاسراع في عرض حلول على الجمهور، حيث تستطيع أن توقف على الاقل الاحتجاج الاقتصادي قبل تطوره إلى احتجاج سياسي يحتاج إلى تدخل عنيف وشامل.
عندما تحول مفهوم “اصلاحات” إلى اتهام واستهزاء أيضا من قبل من يؤيدون روحاني، فإن الامكانية الحقيقية هي الإعلان عن الغاء جزء من تقليص الدعم، أو على الاقل تأجيل تطبيقه، وزيادة مخصصات المساعدة المباشرة وأن يتم طرح بدل بطالة اكبر وتقليص الضرائب. ولكن قرارات كهذه والتي تعارض سياسة روحاني ستضع الاقتصاد الإيراني داخل مستنقع اعمق اذا لم يرافقها برنامج عملي لاعادة إصلاح اقتصاد السوق.
عندما انتخب روحاني للرئاسة في 2013 اضطر إلى مواصلة برنامج الدعم الذي تركه له سلفه محمود نجاد، لكنه قدر وبحق أن الاتفاق النووي سيمكنه من زيادة قاعدة التشغيل في الدولة بصورة تقلص الحاجة إلى الدعم. ولكن لأنه لم يتم رفع كل العقوبات وعلى خلفية نوايا الرئيس الأميركي دونالد ترامب والكونغرس بفرض عقوبات اخرى، فقد توقفت أيضا حركة المستثمرين الاجانب الذين في أيديهم القوة لتقليص نسبة البطالة. اضافة إلى ذلك، الاستثمارات التي نفذت، ما زالت غير قادرة على ايجاد اماكن عمل جديدة بصورة يمكنها تهدئة الجمهور. ربما أنه على خلفية المظاهرات، المرتبطة كما يبدو بالنقاش على الميزانية الذي يجري هذه الايام، لن يكون امام روحاني أي خيار سوى تبني جزء من سياسة احمدي نجاد، رغم ثمنها المستقبلي المرتفع.
ليس فقط لروحاني لا توجد حلول اقتصادية سحرية، أيضا للزعيم الاعلى علي خامنئي ومؤيديه المحافظين لا يوجد برنامج اقتصادي بديل، باستثناء الوصفات القديمة التي جربت في السابق مثل دفعات مباشرة وشراء الهدوء بالمال. من هنا يجب على كل الاطراف ومنها خامنئي والبرلمان وحرس الثورة التعاون ودعم روحاني، رغم الفجوات في الآراء. “النهج الإيراني” لا يسمح حتى الآن بإقصاء رئيس في منصبه، ولا حتى ابعاد رؤساء بعد فترة ولاية واحدة. تقليد الولايتين هو جزء من نظرية الاستقرار التي قدستها القيادة العليا حتى الآن.
ولكن ربما في هذه المرة حتى هذا الدعم لن يكفي، حيث أنه اذا كان خامنئي قد اطلق حتى الآن يد روحاني في الاقتصاد وقيده في كل ما يتعلق بالإصلاحات السياسية والاجتماعية، فإن الشعارات في الشوارع تبرهن على أن المتظاهرين لم يعودوا يكتفون برد اقتصادي، بل يطالبون بتغييرات اجتماعية ليس بإمكان القيادة المحافظة أن توافق عليها. السؤال المطروح الآن هو إلى أي درجة يدرك المتظاهرون قيود السلطة الواقعة على روحاني، وهل يعتقدون أنه يمكنهم احداث تغيير ثوري، بحيث لا يسوء الوضع أكثر.
تسفي بارنيل
ترجمة صحيفة الغد