تبدد الآمال التركية في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة

تبدد الآمال التركية في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة

 

 

واشنطن – منذ ترؤسه البيت الأبيض ضرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالأعراف الدبلوماسية عرض الحائط، ليخلق لنفسه دبلوماسية جديدة قائمة على التهديد والوعيد، طالت القاصي والداني لتضع بلاده وجها لوجه مع أقرب حلفائها.

وطالت دبلوماسية التهديد التي يتبعها ترامب العديد من المنظمات الدولية كالاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى جانب دول حليفة لبلاده كبريطانيا وألمانيا وكندا تسببت بزعزعة العلاقات مع هذه الدول، ليضيف على هذه القائمة مؤخرا، تركيا الحليفة لبلاده في حلف الناتو.

تزايد الخلافات
أطلق ترامب تهديدات بفرض عقوبات واسعة على تركيا في حال لم تطلق سراح القس الأميركي أندرو برانسون، المتهم بالتجسس لصالح منظمتي “بي كا كا” و”غولن” اللتين تصنفهما أنقرة كمنظمتين إرهابيتين.

هذه التهديدات قوبلت برد قاس من أنقرة. وحذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأحد، الولايات المتحدة من أن فرض عقوبات لن يجبر أنقرة على “التراجع”.

وقال أردوغان في أول تصريحات له منذ توتر العلاقات في أعقاب تهديد ترامب، الخميس الماضي، باتخاذ تدابير ما لم يطلق سراح القس أندرو برانسون “لا يمكنكم أن تجعلوا تركيا تتراجع من خلال فرض عقوبات”. ونقلت عنه صحيفة حرييت قوله “على الولايات المتحدة ألا تنسى أنها يمكن أن تخسر شريكا قويا ومخلصا مثل تركيا ما لم تغير موقفها”.

التركيز على ترامب، الذي تصافح مع بوتين بقبضة اليد في قمة حلف شمال الأطلسي في أوائل يوليو، كان سوء تقدير كبير من تركيا

وتوترت العلاقات بين الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي في أعقاب سجن القس برانسون، الذي كان يشرف على كنيسة بروتستانتية في مدينة إزمير المطلة على بحر إيجه.

وسجن لسنتين تقريبا بتهمة الإرهاب، لكنه وضع قيد الإقامة الجبرية الأربعاء الماضي. وكانت العلاقات قد توترت بين الدولتين على خلفية عدد من القضايا منها دعم واشنطن لفصيل كردي سوري تعتبره تركيا مجموعة إرهابية، وعدم قيامها بتسليم الداعية فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا.

وبعد هذه التصريحات وتوتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن بشكل مفاجئ، تبدّدت أيّ آمال تركية في أن تخفّ حدة الأزمة مع الولايات المتحدة بفعل العلاقة الشخصية بين زعيمي البلدين.

ومع تزايد العداء لأنقرة في الكونغرس الأميركي بسبب خلافات تشمل مصير القس المسيحي أندرو برانسون وعقوبات إيران وخطط تركيا لشراء نظام دفاع صاروخي روسي، كان ينظر المسؤولون الأتراك إلى ترامب على أنه يمثل حماية محتملة في مواجهة أسوأ تداعيات لانهيار العلاقات.

وحسب ما ذكره موقع أحوال التركي، في علاقة تعاني من تبادل الاتهامات وسوء التفاهم المتبادل في سياسات الشرق الأوسط، التي لا يمكن التوفيق بينها في ما يبدو، يتبين أن تعليق الآمال على ترامب قد يكون خطأ في التقدير.

وحينما علق الأتراك الآمال في أن يقود ترامب العلاقة مع بلدهم إلى أجواء هادئة، وجه الرئيس نفسه ونائبه مايك بنس تحذيرا مباشرا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعقوبات تلوح في الأفق.

وقال سنان أولجن الدبلوماسي التركي السابق والمحلل في مركز كارنيجي أوروبا “تغريدة ترامب عن برونسون تظهر أن ثمة نقاط ضعف في هذه الإستراتيجية”.

ولم يكشف ترامب عن الشكل الذي يمكن أن تتخذه العقوبات، لكن مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأميركي لتقييد القروض إلى تركيا من المؤسسات المالية الدولية وافقت عليه لجنة الخميس الماضي، وهي خطوة مبكرة مهمة لإقرار التشريع.

وفي الآونة الأخيرة، بات القس برانسون محور التركيز المعلن للغضب الأميركي من تركيا، التي كانت ذات يوم واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن الثقة بين البلدين الحليفين في حلف شمال الأطلسي ظلت تتآكل منذ سنوات.

وكانت اللحظة الأسوأ لتركيا عندما قررت واشنطن في عام 2017 تسليح وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية، لقيادة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سوريا.

وحاولت تركيا أن تهون من شأن أيّ تهديد من الكونغرس، قائلة إن ترامب سيقرّر في نهاية المطاف الأمور. وقال أردوغان للبرلمان التركي في الأسبوع الماضي “هذا شيء يعود تماما إلى تقدير الرئيس الأميركي”، مشيرا إلى مبيعات مقاتلات إف- 35.

وقال أردوغان “ليس لدينا أدنى قلق في هذه النقطة”. فيما تحدث مسؤول تركي عن تفاهم أفضل آخذ في الحدوث. وربط التحسن الملحوظ بما قال إنها سيطرة ترامب المتزايدة على السياسة الأميركية على النقيض من “عقلية بعض أعضاء الكونغرس”.

لكنّ مسؤولين أميركيين ومحللين يقولون إن التركيز على ترامب، الذي تصافح مع بوتين بقبضة اليد في قمة حلف شمال الأطلسي في أوائل يوليو، كان سوء تقدير كبير من تركيا.

وقال آرون ستاين الزميل المقيم في المجلس الأطلسي بواشنطن “المشكلة في تفكير الحكومة التركية هي أنها مازالت تعتقد أن هذا الأمر يعود إلى السلطة التنفيذية. الكونغرس هو الذي يُحدّد الأجندة الآن… يجب أن يمثل ذلك تحذيرا”.

ملفات المنطقة
تملك تركيا نفوذا في الشرق الأوسط وما وراءه وذلك بثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي وقواتها في سوريا والعراق وقاعدة جوية لحلف شمال الأطلسي في جنوب البلاد. وكان ينظر إلى تركيا لسنوات على أنها نموذج يمزج بين الإسلام والديمقراطية لا سيما في السنوات الأولى لحكم أردوغان المستمر منذ 15 عاما.

لكنّ واشنطن انتقدت حملة القمع التي أعقبت المحاولة الفاشلة للبعض من الضباط في الجيش للإطاحة بأردوغان ويقول منتقدون غربيون إنه يدفع تركيا نحو حكم الفرد. وأردوغان الذي أعيد انتخابه الشهر الماضي بسلطات جديدة يرفض الانتقادات ويقول إن تركيا يجب أن تكون قوية للتعامل مع تهديدات الصراع الإقليمي وأنصار رجل الدين فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب. وينفي غولن ذلك.

وقدمت تركيا طلبات متكررة دون جدوى من أجل تسليم غولن. وتقول واشنطن إن المحاكم تطلب أدلة كافية قبل أن تتمكن من تسليم رجل الدين. وفي داخل تركيا، يتزايد العداء للولايات المتحدة وفي حين تتباعد المشاعر الشعبية، تتباعد كذلك السياسات التي تتبعها أنقرة وواشنطن في المنطقة لا سيما بشأن سوريا وإيران.

ومع تمركز القوات الأميركية إلى جانب مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، حذر أردوغان في وقت سابق من هذا العام، من أن الجنود الأميركيين قد يقعون في مرمى نيران أي عمل عسكري تركي ضد المقاتلين الأكراد قرب مدينة منبج.

حالة من التأزم والتوتر غير مسبوقين في العلاقات التركية الأميركية، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يجد نفسه أمام ضغوط دولية جديدة

وتلوح في الأفق خلافات جديدة بشأن إيران. وأعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع طهران ودعا إلى فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية.

وتقول تركيا، التي تشتري قدرا كبيرا من نفطها من إيران المجاورة، إن واشنطن لا تستطيع أن تملي شروطها في ما يتعلق بالتجارة مع الدول الأخرى. وقال المسؤول التركي “ثمة شيء واحد كان دائما نقطة الخلاف في هذه العلاقة… عندما يتخذ الأميركيون قرارا بشأن شيء، يريدون من الجميع الانصياع لهم. يعتقدون أن قرارهم ملزم دوليا وهو ليس كذلك”.

تداعيات اقتصادية
من شأن توتر العلاقات بين تركيا وأنقرة أن يؤثر على مصير العلاقات الاقتصادية المتجذرة بين البلدين، والتي تبلغ 20 مليار دولار. ومثلت الولايات المتحدة، العام الماضي، خامس أكبر سوق للمنتجات التركية، إذ صدرت إليها أنقرة 5.5 بالمئة من إجمالي صادراتها.

وبدأ عجز ميزان التجارة الخارجية لتركيا مع الولايات المتحدة يتضاءل خلال آخر ثلاث سنوات. وقال رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية، رئيس مجلس العمل التركي الأميركي، محمد علي يالتشين داغ، إن “العالم يمر بمرحلة الكل فيها بحاجة إلى الكل”.

وأضاف يالتشين، في تصريح صحافي، أن “الدول المتحالفة والصديقة يجب أن تحل المشكلات بينها دون فرض عقوبات على بعضها”. وشدد على “ضرورة بقاء قنوات الاتصال بين البلدين مفتوحة، والابتعاد عن التصريحات التي لا يمكن الرجوع عنها”.

ويخلص متابعون إلى أن ترامب يتعامل مع تركيا ضمن دبلوماسية التوعد والتهديد التي ينتهجها منذ وصوله البيت الأبيض وهو ما يرجح مزيد تأزم العلاقات، ويستشهد هؤلاء بسيل تهديدات ترامب على دول “الناتو” بسبب عدم التزامها بتخصيص 2 بالمئة من ناتجها القومي لدعم الحلف، مرددا عبارة “لن ندافع عن أوروبا” مرارا وتكرارا، الأمر الذي تسبب باهتزاز العلاقات بين أوروبا وواشنطن.

كما خصص ترامب انتقادات واسعة لألمانيا، قائلا “يدفعون (الألمان) المليارات والمليارات لروسيا ثمنا للغاز والنفط، ويريدون الحماية منها”.

وبعد القمة التي جمعت ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الفنلدية هلسنكي، في وقت سابق من الشهر الجاري، انتقد ترامب في تصريحات لقناة “فوكس نيوز” سياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في استقبال اللاجئين، قائلا “كانت ميركل في وقت من الأوقات سوبر ستار، إلى أن سمحت بقدوم الملايين من اللاجئين إلى ألمانيا”.

أما القشة التي قصمت ظهر البعير في زعزعة العلاقات بين واشنطن وبرلين فهي تصريحات ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على واردات الألمنيوم والفولاذ.

وواصل الرئيس الأميركي عبر حسابه في “تويتر” توجيه تهديداته إلى دول الاتحاد الأوروبي، حتى وصل به الأمر لأن يصنف الاتحاد على أنه من الدول “العدوة” لبلاده. كما ضرب ترامب بالاتفاقيات الدولية عرض الحائط.

العرب