إيران تخسر جولة في صراع الهيمنة على وزارة الداخلية العراقية

إيران تخسر جولة في صراع الهيمنة على وزارة الداخلية العراقية

عقدة وزارة الداخلية في حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي متواصلة، وتحوّلت إلى مجال اختبار للقوة السياسية بين فرقاء العائلة السياسية الشيعية، وتحديدا بين تيار يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يقول إنّه مع سيادة القرار العراقي، وآخر يقوده هادي العامري القريب من إيران.

بغداد – رفع البرلمان العراقي إلى السبت جلسته التي عقدها، الخميس، وغاب عن جدول أعمالها بند التصويت على المرشّحين لشغل المناصب الوزارية الثمانية المتبقية من حكومة عادل عبدالمهدي، بعد أن أكّدت جلسة صاخبة انعقدت الثلاثاء عمق الخلافات على أسماء المرشّحين لتلك المناصب التي حاولت إيران التدخّل في تحديد من يشغلها، وخصوصا منصب وزير الداخلية الذي حاولت طهران إسناده لأحد الموالين لها.

ورد تحالف الإصلاح الذي يرعاه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بقوة على تحركات قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ببغداد التي حاول خلالها وعلى مدى يومين، الضغط من أجل تنصيب رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض الموالي لطهران وزيرا للداخلية في حكومة عبدالمهدي.

وجاء الرد عبر اجتماع رفيع عقده قادة أبرز القوى المنضوية ضمن “الإصلاح” في منزل زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، يتقدمهم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وزعيم القائمة الوطنية إياد علاوي ووزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي ونصار الربيعي الممثل الخاص للصدر.

وقررت قيادات “الإصلاح” الخروج بموقف موحد بعد أحداث جلسة الثلاثاء الماضي التي حاول تحالف البناء أن يمرر خلالها الفياض مرشحا للداخلية.

وخرج بيان الاجتماع ليؤكد “ضرورة استكمال الكابينة الحكومية وتقديم وزراء أكفاء والالتزام بالسياقات الدستورية والديمقراطية”.

ونص البيان على “بلورة موقف موحد من تحالف الإصلاح والإعمار لحوار وطني مع تحالف البناء والكتل الكردستانية”، مشيرا إلى أن التحالف سيتحرك “نحو الكتل السياسية والنواب لإقناعهم بضرورة العودة إلى السياقات الدستورية والقانونية في تمرير القضايا العالقة”.

وطالب تحالف “الإصلاح” بـ“إعطاء الوقت المناسب لتقييم عمل الحكومة الحالية ومدى التزامها بالبرنامج الحكومي وتقديم الخدمات وتنفيذ البرامج التنموية المنتظرة”، مؤكدا أهمية “تمثيل المكون التركماني والمكون الإيزيدي وباقي المكونات العراقية تمثيلا عادلا في الحكومة بما يتناسب مع مكانة هذه المكونات ودورها المجتمعي”.

استكمال الكابينة الوزارية تحول إلى مأزق يلقي بظلاله على الوضع المحتقن بالشارع العراقي المتحفز للتظاهر والاحتجاج

ويذهب محلّلون في تعليقهم على الأزمة السياسية الراهنة في العراق إلى القول إنّ عقدة وزارة الداخلية لن تكون حلولها ميسرة إلا إذا انفرط عقد التحالفات القائمة وهو أمر غير متوقع في ظل الاستقطابات الحالية التي يرى أصحابها أن لا أمل في تقديم تنازلات قد تؤدي إلى خسائر سياسية لهم ليس لها مقابل.

فكتلة الإصلاح التي يقول قادتها إنّها تخلت عن حصصها في حكومة عبدالمهدي لم تحظ خطوتها بتقدير لافت من قبل كتلة البناء الموالية لإيران بل صارت الكتلة الأخيرة أكثر شراهة وهي تتطلع لنيل المزيد من المكتسبات في ظل احتوائها لرئيس مجلس النواب الذي فقد حياديته بل ومصداقيته حين لجأ إلى أسلوب التزوير.

ولا يستبعد مصدر سياسي عراقي أن يتم إسقاط رئيس مجلس النواب وقد يصل الأمر إلى المجازفة بسحب الثقة من رئيس الوزراء الذي يبدو عاجزا أمام ضغوط قاسم سليماني الأخيرة التي فشلت حتى الآن في إجبار المعترضين على فالح الفياض على التخلي عن موقفهم والخضوع للموقف الإيراني الذي لا يتميز هذه المرة بما كان عليه في المرات السابقة من قوة وقدرة على صنع التسويات.

ويضيف المصدر ذاته “إذا ما تأكد للصدر إخفاق سليماني في فرض أجندته فإن ذلك سيكون عاملا مشجعا على المضي قدما في الاعتراض واعتبار عقدة وزارة الداخلية إذا ما حلت بطريقة وطنية بمثابة خشبة الخلاص لحكومة عبدالمهدي. ومن خلالها يتم الحكم على مستقبل تلك الحكومة وطريقة إدارتها للمرحلة المقبلة ومدى قدرتها على أن تكون صاحبة قرار مستقل بعيدا عن النفوذ الإيراني”.

وعلمت “العرب” أن “الصدر أبلغ قادة تحالف الإصلاح خلال اجتماع الأربعاء عبر ممثله نصار الربيعي بإصراره على رفض ترشيح الفياض”، مطالبا قادة “الإصلاح” بموقف موحد.

وبحسب مصادر اطلعت على نقاشات اجتماع منزل الحكيم فإن الحاضرين أبدوا موقفا مساندا للصدر في مواجهة ضغوط سليماني.

ويقول نواب سنّة في البرلمان العراقي إن “سليماني أبلغ رئيس البرلمان محمد الحلبوسي عبر وسطاء تمسك طهران بالفياض، داعيا إياه إلى تسهيل عملية التصويت عليه”. ويضيف هؤلاء أن “رسالة مماثلة وصلت إلى رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي”. لكن عبدالمهدي لن يكون في مقدوره، بحسب مراقبين، المضي في تحدي إرادة الصدر وحلفائه لأن هذا قد يكلفه منصبه.

ولا يستبعد مراقبون أن يقود الصدر حراكا سياسيا لإطاحة رئيس البرلمان نفسه من منصبه في حال قرر مجاراة الرغبة الإيرانية.

وعمليا، أثبت تحالف الإصلاح أنه الكتلة الأكبر في البرلمان عندما عرقل عقد جلسة التصويت على الفياض.

ويمكن لهذه الكتلة أن تلعب دورا مؤثرا ضد الحلبوسي وعبدالمهدي تحت قبة البرلمان، في حال تحول هذا الخلاف إلى صدام سياسي وكسر إرادات.

وباستثناء حقيبة الدفاع التي تتمسك بها قائمة علاوي، ليس لتحالف الإصلاح أي تمثيل حزبي في حكومة عبدالمهدي، بعدما وافق كل من العبادي والحكيم ومقتدى الصدر على مقترح التخلي عن حصصهم في الحكومة، ومنح رئيس الوزراء حرية اختيار من يراه مناسبا، ما أسهم في صعود وزراء مستقلين كوزير النفط ثامر الغضبان ووزير الخارجية محمد الحكيم ووزير الكهرباء لؤي الياسري ووزير الصحة علاء العلوان.

غير أنّ السلاسة النسبية التي ميّزت اختيار 14 وزيرا من كابينة عادل عبدالمهدي غابت تماما عن عملية استكمال سدّ شغور الوزارات الثماني المتبقية، بسبب اشتداد الخلافات حول من يشغلها.

وتسود الخشية من أن يلقي توتّر الوضع السياسي بظلاله على الشارع المحتقن أصلا والمتحفّز للتظاهر والاحتجاج على سوء الأوضاع.

العرب