مقتلة العريش: نكسة جديدة لعمليات الجيش المصري

مقتلة العريش: نكسة جديدة لعمليات الجيش المصري

ضرب تنظيم “ولاية سيناء”، الموالي لتنظيم “داعش”، مجدداً المنظومة الأمنية في محافظة شمال سيناء، بهجوم دموي ضد قوات الشرطة المصرية، أمس الأربعاء، أدى إلى مقتل 14 عسكرياً، بينهم ضباط، في توقيت مفاجئ صبيحة يوم عيد الفطر، لتضاف نكسة جديدة إلى سجل الأمن المصري في عملياته في سيناء المستمرة منذ أكثر من 6 سنوات على التوالي. وفي تفاصيل الهجوم، قالت مصادر قبلية لـ”العربي الجديد”، إن مسلحين ينتمون لتنظيم “ولاية سيناء” هاجموا كمين “بطل 14” على الطريق الدائري في مدينة العريش، بعد صلاة الفجر، في أول أيام عيد الفطر في مصر، ليقتلوا جميع أفراده، مشيرة إلى أن أصوات الانفجارات وإطلاق النار دوت في المنطقة التي يقع فيها الكمين على الطريق الدائري جراء استخدام المهاجمين للأسلحة الرشاشة المتوسطة وقذائف “أر بي جي” في الهجوم، فيما تأخرت قوات التدخل السريع وقوات الجيش في الوصول إلى مكان الهجوم.
وأضافت المصادر أن الهجوم وقع على الرغم من حالة الاستنفار الأمني التي تسود مدينة العريش على وجه الخصوص منذ أيام، في محاولة من الأمن المصري لتمرير يوم العيد من دون أي إشكاليات، إلا أن الهجوم جاء على كمين بعيد عن مركز المدينة، مشيرةً إلى أن أصوات انفجارات هائلة هزت كافة مدن محافظة شمال سيناء، بعد وقت من وقوع الهجوم، ناجمة عن قصف الطيران الحربي لأهداف مجهولة، في مناطق متفرقة من مدينتي العريش والشيخ زويد، فيما لم يُبلغ عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين نتيجة الغارات الجوية.


14 جثة على الأقل لعسكريين مصريين، بينهم ضباط، وصلت إلى المستشفى


من جهتها، قالت وزارة الداخلية المصرية، في بيان حول تفاصيل الهجوم الدموي الذي استهدف الحاجز الأمني، إن “عناصر إرهابية استهدفت فجر الأربعاء كميناً أمنياً غربي العريش، وتم التعامل مع تلك العناصر، وتبادل إطلاق النيران”، وأن الهجوم وما تبعه من ملاحقة أسفر “عن مقتل 5 من العناصر الإرهابية”، فيما قُتل “ضابط وأمين شرطة و6 مجندين… وتقوم القوات الأمنية بتتبع خطوط سير الهروب لتلك العناصر الإرهابية”. وأفاد مصدر أمني عن إرسال تعزيزات إلى النقطة الأمنية وسماع تبادل لإطلاق النار. وأضاف إن “النقطة الأمنية مطوقة حالياً من الجيش والشرطة”. وذكر مصدر طبي أن ثلاثة من عناصر قوات الأمن المركزي التابعة لوزارة الداخلية، أصيبوا بجروح في الهجوم ونُقلوا إلى مستشفى العريش العام.

وكشفت مصادر طبية في مستشفى العريش العسكري، لـ”العربي الجديد”، أن 14 جثة على الأقل لعسكريين مصريين، بينهم ضباط، وصلت إلى المستشفى خلال ساعات فجر أمس، فيما لم يجرِ حصر أعداد القتلى والمصابين، نتيجة استمرار عمليات الجيش للتمشيط في محيط مكان الهجوم، وسط حديث عن وقوع قتلى وإصابات في هجمات أخرى شنّها تنظيم “ولاية سيناء” في مناطق وسط سيناء، ضد أهداف للجيش المصري. وأكد التلفزيون المصري هذا الأمر، مشيراً إلى أن هناك مخاوف من احتمال ارتفاع عدد القتلى نظراً لورود تقارير عن هجمات على عدة نقاط أمنية.

وكانت مدينة العريش، قد شهدت هجوماً مشابهاً منتصف فبراير/شباط الماضي، حينما اقتحم مسلحو تنظيم “ولاية سيناء” كمين “جودة 3″، وقتلوا جميع من كان فيه، وانسحبوا من المنطقة، في افتتاحية دموية للعام الثاني للعملية العسكرية الشاملة “سيناء 2018″، لتعاد الكرّة مرة أخرى في كمين “بطل 14″، ما يشير إلى عدم وجود أي تغيير في آليات انتشار قوات الأمن المصرية، أو الاستراتيجيات المتّبعة في التعامل مع التنظيم الإرهابي، وهجماته المتكررة، في ظل استخدام “ولاية سيناء” لنفس الآليات من حيث توقيت الهجوم واختيار الأهداف على مدار السنوات الماضية. وشهدت السنوات الماضية اعتداءات عدة تشبه هجوم العريش الدموي الأخير، ومنها الهجوم على كمين المطافئ وحاجز حي الصفا في العريش، وكمين كرم القواديس بالشيخ زويد، وارتكاز البرث في رفح، ومعسكر القسيمة، وكمين زغدان بوسط سيناء، وكلها أدت إلى قتل وإصابة جميع من كان فيها، فيما تمكّن المعتدون من الانسحاب، مع تعرّضهم لبعض الخسائر البشرية. وغالباً ما يختار التنظيم وقت ما بعد الفجر لمهاجمة مواقع الجيش، بينما اعتاد على تنفيذ هجمات في توقيتات معينة بات السكان في سيناء يعرفونها جيداً.


في ظل عدم تغيير الوضع الميداني إلى نظام أمني جديد، ستستمر هجمات التنظيم وبوتيرة أكبر


وتعقيباً على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء، لـ”العربي الجديد”، إن ما حصل فجر أمس الأربعاء انتكاسة جديدة للعملية العسكرية الشاملة التي بدأها الجيش المصري في فبراير/شباط 2018 والتي كان يراد منها إنهاء وجود تنظيم “ولاية سيناء”، إلا أن الهجمات لا تزال مستمرة، ما يكشف عدم وجود أي تغيير جوهري في آلية عمل المنظومة الأمنية في سيناء، مشيراً إلى أن كل الهجمات السابقة لم تكن كافية لتتداعى القيادات الأمنية لإيقاف نزيف الدم الحاصل في صفوف العسكريين، في ظل أنهم باتوا أهدافاً سهلة للتنظيم، خصوصاً على صعيد الكمائن الثابتة المنتشرة في كافة مناطق محافظة شمال سيناء. وأضاف الباحث، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن “كافة الأطراف المعنية في سيناء، لطالما طالبت بضرورة استخدام استراتيجيات أمنية جديدة في التعامل مع التنظيم الإرهابي، واستغلال فترة ضعفه التي تبعت العملية العسكرية الشاملة، إلا أن هذه المطالبات لم تجد آذاناً صاغية لدى القيادات الأمنية، التي أبقت الوضع على حاله، على الرغم من كل الخسائر البشرية والمادية التي منيت بها قوات الأمن على مدار السنوات الماضية”. وتوقع أنه “في ظل عدم تغيير الوضع الميداني إلى نظام أمني جديد، ستستمر هجمات التنظيم وبوتيرة أكبر، في ظل إعادة انتشار التنظيم وترتيب أوراقه، جراء خفوت نجم العملية العسكرية الشاملة، وعودة الهجمات بصورة واسعة في مناطق سيناء، من دون وجود حل جذري للقضاء على التنظيم، كما اعتقد النظام المصري خلال السنوات الماضية”.

ويشنّ الجيش المصري عملية عسكرية واسعة النطاق منذ فبراير 2018، بهدف إحكام السيطرة على محافظة شمال سيناء، في أعقاب انتشار تنظيم “ولاية سيناء” بشكل كبير، في كافة مدن المحافظة، وشنّه مئات الهجمات ضد قوات الجيش والشرطة، من دون القدرة على كبح جماح الهجمات. إلا أن القوات العسكرية، التي جرى حشدها في المحافظة، والقصف الجوي الدائم، كان لهما الأثر الكبير في إعادة السيطرة الأمنية بشكل نسبي على المحافظة، والتقليل من حجم الخسائر في صفوف قوات الجيش والشرطة، بعد انخفاض عدد هجمات التنظيم.

العربي الجديد