سعي إيراني لإخماد حراك العراق

سعي إيراني لإخماد حراك العراق

منذ بداية التظاهرات في العراق بداية الشهر الجاري، كان الطابع المميز لها رفضها أي حزب أو طائفة أو فصيل سياسي، وتقديم نفسها على أنها حراك وطني، مطالبه واضحة، وهي تغيير المنظومة الحاكمة المتهمة بالفساد، وتأمين حياة كريمة وخدمات أساسية للشعب. ونتيجة النفوذ الواسع لإيران في العراق، إن كان عسكرياً عبر فصائل متنوعة، أو سياسياً عبر حلفاء في الحكومة ومجلس النواب، أطلق المحتجون شعارات ضد تدخّل طهران في القرار العراقي، ورفعوا العلم الوطني فوق قنصليتها في كربلاء، وهتفوا «إيران برة برة.. بغداد حرة حرة». ويرى مراقبون للشأن العراقي أن عدم استقالة أي مسؤول، واستمرار قتل المتظاهرين بالرصاص الحي، من دون أن تحاكم السلطة رجل أمن واحدا، يشير إلى ضغوط إيران على السلطة في العراق، وتحريك فصائلها ومواليها في الحشد الشعبي، بهدف منع إسقاط المنظومة الحاكمة، واختراق الحراك العراقي واخماده. وكان آخر ما صدر من إيران حول حراك العراق، مطالبة المرشد علي خامنئي بـ«معالجة أعمال الشغب وانعدام الأمن الذي تسببه في بلادهم أميركا والكيان الصهيوني وبعض الدول الغربية بأموال بعض الدول الرجعية».

اختطاف الحراك في صيف عام 2018 شهد العراق احتجاجات مماثلة، كانت تدعو لمحاسبة النخب الفاسدة، لكن بعضها سرعان ما تحول إلى حرب بالوكالة بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وبعض فصائل الحشد الشعبي، حيث أقدم كل طرف على حرق المقرات أو استهداف السفارات التي تقف إلى جانب أحدهما ضد الآخر، وانحسرت الاحتجاجات في نهاية المطاف، بعد الاتفاق السياسي الذي حدث إبان تشكيل الحكومة. وفي مقالة نشرتها مجلة واشنطن إكزامينر الأميركية، قال المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) مايكل روبن، معلّقاً على الحراك العراقي الجديد: «الاتفاق الحكومي تداعى الآن.

الفرق يكمن في أن ما كان حربا بالوكالة في صيف 2018 بدأ يصبح شيئا أشد خطورة، فالاحتجاجات وما يكتنفها من مخاطر تبيّن إلى أي مدى تستطيع بعض القوى اختطاف التحركات الشعبية». وتابع روبن – الذي يعمل حاليا باحثا مقيما في معهد أميركان إنتربرايز لأبحاث السياسات العامة – أن «أتباع الصدر على أهبة الاستعداد لمقارعة قوات منظمة بدر وعصائب أهل الحق المقربة من الحرس الثوري الإيراني»، لافتا إلى أن «الصدريين يريدون من حكومة عبد المهدي تقديم مزيد من التنازلات.. إسقاط الحكومة يُنذر بمزيد من عدم الاستقرار، خاصة إذا ترافق ذلك مع رغبة الصدريين في محاربة النفوذ الإيراني في العراق عبر وسائل عنيفة عدة، فطهران غير مستعدة للتخلي عن نفوذها في العراق من دون قتال». الصدر والعامري على الرغم من أن الصدر وزعيم كتلة الحشد الشعبي في البرلمان هادي العامري كانا الداعمَين الرئيسَين لعبد المهدي، فان تواصل التظاهرات، وسقوط عدد كبير من القتلى، دفعهما إلى التحرّك، تجنّباً للأسوأ، حيث أعلنا، أمس، أنهما سيتعاونان لـ «سحب الثقة» من عبد المهدي، المستقل، الذي يطالب الشارع بإسقاطه منذ مطلع أكتوبر. ورد العامري – وهو رئيس تحالف الفتح – على رسالة من الصدر، دعاه فيها إلى التعاون معه لسحب الثقة من عبد المهدي، قائلاً: «سنتعاون معا من أجل تحقيق مصالح الشعب العراقي وإنقاذ البلاد، بما تقتضيه المصلحة العامة». وأرسل الصدر رسالته إلى العامري، بعد أن طالب عبد المهدي بانتخابات مبكرة، فرد عليه الأخير بالقول: «إذا كان هدف الانتخابات تغيير الحكومة، فهناك طريق أكثر اختصاراً، وهو ان تتفق مع العامري لتشكيل حكومة جديدة».

لكن الصدر عاد، أمس، ليشدد للعامري على وجوب التحرك، لأن التأخير «سيجعل من العراق سوريا واليمن»، حيث تحولت ثورتا شعبَي البلدين إلى حرب أهلية. وبذلك، أصبح مصير عبد المهدي بين يدي البرلمان، الذي لا تزال جلساته مفتوحة حتى إشعار آخر. وكان البرلمان دعا عبد المهدي للحضور «فوراً»، لما قد يتحول إلى جلسة مساءلة وتصويت على سحب الثقة. لكن رئيس الحكومة لم يعلق حتى الآن على تلك الدعوة، كما أن البرلمان لم يحدد موعداً لالتئام مشرعيه لاستئناف جلسته. وأعلن النائب عن كتلة «سائرون» النيابية بدر الزيادي، عن بدء جمع تواقيع نيابية لاستجواب رئيس الوزراء «تمهيداً لإقالته». وكانت أولى خطوات الضغط السياسي للصدر على عبد المهدي، السبت الماضي، حين قرر نواب كتلة «سائرون» بدء اعتصام داخل البرلمان. رأي المتظاهرين يرى مراقبون أن عبد المهدي غير المدعوم حزبياً أو شعبياً، لا يزال رهينة زعماء الأحزاب الذين أتوا به إلى السلطة، ويتهمهم المحتجون بالتقصير في توفير الوظائف والخدمات، وبملء جيوب المسؤولين بأموال الفساد الذي كان سبب تبخّر أكثر من 450 مليار دولار في 16 عاماً، وفق أرقام رسمية. وقالت الباحثة في معهد الأزمات الدولية ماريا فانتابي إن استقالة أو إقالة عبد المهدي «سينظر إليها كنقطة تحول من قبل المتظاهرين». ووفق فانتابي، قد يؤدي إلى «استراحة» للحراك أكثر منه «نهاية للحراك»، إذ إنه باحتلال الساحات في المدن الكبيرة من البلاد، «يؤكد العراقيون وجودهم» في وجه مسؤوليهم. وشددت الباحثة نفسها على أن «انتخابات مقبلة وفق القانون الانتخابي نفسه، ستأتي بالوجوه نفسها إلى البرلمان، وستؤدي إلى التحالفات نفسها (…) لإيجاد رئيس للوزراء»، في برلمان منقسم، حيث يتبادل أعضاؤه الاتهامات بالولاء لإيران أو للولايات المتحدة. ممثلة الأمم المتحدة تستقل الـ«توك توك» بلاسخارت مستقلةً التوك توك في خطوة لافتة، وصلت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت إلى ساحة التحرير في بغداد، أمس، مستقلة التوك توك. وفي مركز الاحتجاجات الواسعة، وسط العاصمة العراقية، التقت بلاسخارت المتظاهرين واستمعت إلى مطالبهم.

القبس