اغتيال “أبو العطا” وقواعد الاشتباك

اغتيال “أبو العطا” وقواعد الاشتباك

تأتي عملية اغتيال القائد في سرايا القدس بغزة “بهاء أبو العطا” فجر الثلاثاء، الثاني عشر من نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري، ومحاولة اغتيال عضو القيادة السياسية للحركة “أكرم العجوري” في سوريا، في ذات الساعة، في خضم حراك سياسي إسرائيلي داخلي حساس، ووضع فلسطيني ليس أقل حساسية.

فمن جهة، أقدم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على هذا العمل، في ظل حالة شد وجذب، بينه وبين باقي الأحزاب والتحالفات السياسية، قد تُفضي إلى انتخابات ثالثة خلال أقل من عام، أو ذهابه إلى السجن في حال عدم تمكنه من حسم منصب رئيس الحكومة لصالحه، ما يجعله يتصرف كـ”الراقص على الماء”، لتجاوز هذا المنعطف الخطير.

ومن جهة أخرى، تشهد الساحة الفلسطينية، حراكاً محموماً بين الفصائل الفلسطينية فيما يتعلق بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية، بينما يستمر الوضع الأمني في غزة في حالة جمود وترقب، في ظل تعثر التفاهمات بين إسرائيل، والفصائل، وتواصل الخروقات الأمنية بين الفينة والأخرى.

ولم يكن خافياً على أحد، توجّه المنظومة الأمنية الإسرائيلية مؤخراً نحو تصفية القائد “أبو العطا”، وهي التي ما فتئت توجّه أصابع الاتهام بشكل مُباشر نحو هذا الاسم، مع كل حالة إطلاق للصواريخ من غزة خلال الفترة الماضية، والتي ساهمت إحداها في صناعة مشهد إهانة لنتنياهو نفسه بعدما أُجبر على مغادرة منصة احتفال انتخابي بمدينة أسدود في سبتمبر/ أيلول الماضي، على وقع صافرات الإنذار وسقوط الصواريخ.

وعليه فقد عزم نتنياهو على إغلاق الحساب مع “أبو العطا”، إلا أن حادثة الاغتيال هذه، وبالرغم من خطورتها كأسلوب قديم جديد في السياسة الإسرائيلية تجاه القيادات الفلسطينية، فهي لا تُشير إلى أن إسرائيل قررت فعلاً تفعيل هذا التكتيك على الأقل في هذه المرحلة.

وقد عبّر نتنياهو نفسه بذلك خلال مؤتمره الصحافي الثلاثاء، حينما صرّح بأن اغتيال “أبو العطا” هو حالة خاصة، وأن إسرائيل لا ترغب في خوض مواجهة عسكرية حالياً.

لذلك، وعلى ما يبدو أن نتنياهو استعد لدفع ثمن ما، مقابل هذه العملية في إطار محدود، واستيعاب تلقّي عشرات الصواريخ إلى قلب مدن “إسرائيل”- تعترض القبة الحديدة معظمها- مقابل التخلص من صُداع في الرأس استمر طويلاً، إلا أن هذا الثمن قد تزيد تكلفته لاحقاً بحسب معطيات الميدان.

ويتضح من هذا السلوك الإسرائيلي أن نتنياهو سعى إلى تحقيق عدد من الأهداف وهي:

1- استخدام عملية الاغتيال كورقة سياسية انتخابية بهدف تغيير قواعد اللعبة في الأزمة الداخلية الإسرائيلية؛ للضغط على الأحزاب من أجل الذهاب إلى تشكيل حكومة طوارئ يضمن أن يكون هو رئيسها.

2- توريط وزير الدفاع الجديد “بينت”– الذي عينه مؤخراً- في سبيل إخراجه من الحلبة السياسية خاسراً بشكل مُبكر، وهو الذي- أي بينت- لطالما تشدّق بضرورة العودة إلى سياسة الاغتيالات لضمان أمن إسرائيل.

3- حرف أنظار الجمهور الإسرائيلي عن قضايا الفساد الموجهة ضده؛ لخلق حالة جمعية تدفع باتجاه تشكيل حكومة قوية -يكون هو رُبّانها – قادرة على إدارة الأزمة مع غزة.

4- صناعة “شو” إعلامي، لتعزيز صورته أمام الجمهور الداخلي بأنه ما زال الشخصية الأقوى على الخارطة السياسية الإسرائيلية، والقادر على توجيه ضربات موجعة لأعداء إسرائيل.

5- رسالة واضحة إلى إيران وحلفائها في المنطقة، بهدف ضرب قواعد التحالف التي تبنيها مع قوى المقاومة الفلسطينية، والسعي إلى زعزعتها من خلال الاستفراد بالجهاد الإسلامي وإبعاد حماس عن المواجهة.

6- رسالة تهديد ضد قادة المقاومة الفلسطينية، وتلويح عملي بإمكانية اللجوء مُجدداً إلى سياسة التصفيات الجسدية، وأن يد إسرائيل طويلة وقادرة على الوصول لكل من يُهدد أمنها.

وفي خضم تلك المعطيات تدخل حسابات جديدة على الخط، من خلال الألسن السليطة للمُعارضة الداخلية ضد نتنياهو، والتي ستُشكك في جدوى الإقدام على خطوة كهذه، في ظل الثمن الكبير الذي تدفعه إسرائيل منذ بدء الجولة الحالية.

فقد أشارت إلى ذلك “شيمريت مائير” معلقة الشؤون العربية في راديو 103 الإسرائيلي من خلال القول بأن اغتيال “أبو العطا” لا يستحق الثمن الذي تدفعه إسرائيل، وبسبب اغتياله تعطلت الحياة في نصف إسرائيل، الأمر الذي يُمثّل مُشكلة كبيرة لصورة الردع الإسرائيلي، وإن هذا الثمن سيكون مقبولاً فقط في حال أدى إلى تحرّك أكبر ضد الجهاد الإسلامي في غزة.

وكما هو متوقع، لم يستمر العدوان طويلا، حيث تم الإعلان صباح الخميس، عن وقف لإطلاق نار، كون جميع الأطراف لم تكن راغبة بالدخول في مواجهة طويلة.

ورغم انتهاء جولة القتال، والذي سيحاول نتنياهو توظيفها لصالحه، إلا أنه سيصطدم بحقيقة أن المقاومة الفلسطينية استطاعت الحفاظ على قواعد الاشتباك التي ثبتتها على مدار أكثر من عام ونصف مضت، ولن تسمح بتغييرها بهذه البساطة.

الأناضول