لا بديل عن القمع لحماية النظام العراقي بعد الفشل في ترقيعه

لا بديل عن القمع لحماية النظام العراقي بعد الفشل في ترقيعه

محاولات الطبقة السياسية العراقية الالتفاف على مطلب إسقاط النظام المرفوع بوضوح في الاحتجاجات العارمة عبر الدفع بحلول ترقيعية من قبيل تعديل التركيبة الحكومية وملاحقة عدد محدود من الفاسدين، لا يبدو لها أي أثر على عزيمة المحتجّين في المضيّ قُدما رغم القمع الشديد الذي يتعرّضون له، والذي يتخطّى كونه مجرّد ردّة الفعل إلى قرار سياسي صارم يطبّق بشكل ممنهج لحماية النظام القائم.

يُظهر سقوط المزيد من القتلى والجرحى في صفوف المحتجّين في العراق، وجود قرار سياسي بمواصلة اعتماد الحلّ الأمني في مواجهة انتفاضة شعبية لا يبدو القائمون عليها والمشاركون فيها بصدد التراجع والقبول بأقّل من سقوط النظام.

ويبدو هاجس سقوط النظام السياسي القائم منذ قرابة الستة عشر عاما مهيمنا بقوة على العقل السياسي الأمني العراقي الذي بدأ كبار أعمدته يتحدثون علانية برفضهم التام للاستسلام لمطلب المحتجّين والمعتصمين بتغيير النظام، ما سيعني بالنتيجة مواصلة قمع المحتجّين نظرا إلى أنّ مقترحات الإصلاح الجزئي من قبيل تعديل تركيبة الحكومة وملاحقة عدد محدود من المسؤولين الفاسدين لا تجد أي صدى لدى الشارع الغاضب.

وقالت مصادر أمنية وطبية، الخميس، إن سبعة أشخاص قتلوا وأصيب 78 آخرون في بغداد بعد أن أطلقت قوات الأمن العراقية الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين بالقرب من جسرين رئيسيين بالعاصمة.

وذكرت المصادر أن سبب الوفاة في الحالتين كان إصابة مباشرة في الرأس بالذخيرة الحية وقنابل الغاز المسيل للدموع.

وقالت الشرطة إن أحد المحتجين قُتل بالقرب من جسر السنك وقتل الآخر بالقرب من جسر الأحرار، فيما ذكرت مصادر طبّية أن شخصين آخرين أصيبا بجروح خطرة أحدهما أصيب بطلقات نارية بينما أصيب الآخر في رأسه بقنبلة غاز مسيل للدموع.

وقُتل أكثر من 330 شخصا منذ بدء موجة الاحتجاج في العراق مطلع أكتوبر الماضي.

واضطر واحد من أعمدة المنظومة الأمنية وهو فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي للتعبير عن مأزق الحكومة والأحزاب السياسية، معللا رفضه للاستسلام لمطلب التغيير خلال حديثه في منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط المنعقد في إقليم كردستان العراق قائلا “إن مجلس النواب في ظل وجود النظام الديمقراطي بالعراق، قادر على تغيير الحكومة والقدوم بحكومة جديدة في ظرف نصف ساعة”، مشيرا إلى أنه “لا يجب قلب النظام من أجل تحقيق مطالب المتظاهرين”.
وتعاني المنظومة الأمنية الرسمية والحزبية والميليشياوية من نقطة القوة التي يمتلكها المنتفضون، وهي عدم الإعلان عن أسماء لجانهم القيادية، وفق تقديرات سليمة خشية الانقضاض على جسم الانتفاضة، بعد تشتيت كوادرها وزرع الشكوك بينهم عبر سياسة الترغيب والترهيب.

وسبق لفالح الفياض أن استخدم أسلوب تهديد المنتفضين ووصفهم بمثيري الشغب، وأن هناك أجندات خارجية تحركهم، ويعني الولايات المتحدة الأميركية بعد يوم واحد من عودته من زيارة لواشنطن.

ولم يتردد في تهديدهم بالقتل معلّلا ذلك بالحفاظ عن هذه السلطة التي يقول قادة الأحزاب الطائفية والميليشيات المسلّحة إنّهم قد دفعوا دماء كثيرة من أجلها، دون أن يعرف المتابعون شيئا عن تلك “الدماء المدفوعة” من أجل سلطة تسلّموها من الأميركيين إثر احتلال عسكري أزاح النظام السابق.

ويُجمع المتابعون للشأن العراق على أنّ مشروع الانتفاضة العراقية بات واضحا في أهدافه التي على رأسها تغيير النظام السياسي بدءا

بإسقاط حكومة عادل عبدالمهدي، وكان أحد الحلول التي طرحتها أطراف سياسية بينها التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وتيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم قبل أن يتراجع عن رفعه لواء المعارضة ويستجيب لقرار قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بالإبقاء على عادل عبدالمهدي بعد اجتماعه مع الصدر ابن المرشد الشيعي علي السيستاني.

وتعززت محاولات تفادي إسقاط الحكومة بالوثيقة الهزيلة التي صدرت عن اجتماع الأحزاب، الإثنين الماضي، ونصّت على إعطاء مهلة 45 يوما لعبدالمهدي كخطوة إنقاذية للإبقاء على الطبقة السياسية واستمرارها في السلطة. لكن الردّ الحاسم جاء من منتفضي ميدان التحرير ببغداد حيث أحرقوا تلك الوثيقة وأعلنوا استمرارهم بانتفاضتهم لحين تحقيق الخطوات الأولى في التغيير.

وتسود قناعة عامّة داخل العراق وخارجه بأنّ الانتفاضة لن تتراجع لا تحت طائلة القمع ولا بفعل وعود الإصلاح الفضفاضة.

وعلى هذا الأساس أصبحت بعض الأوساط الإقليمية والدولية تخشى من عودة العراق إلى دوامة العنف وانزلاقه نحو المجهول. فيما اقتنع البعض بأن الانتفاضة العراقية تمتلك من الإصرار والانضباط ما يؤهّلها لبلوغ غايتها الأساسية وهي إحداث تغيير سياسي جذري بالبلد.

وكتب مايكل نايتس الباحث الاستراتيجي الأميركي في معهد واشنطن للشرق الأدنى تقريرا أبدى فيه إعجابه بانتفاضة العراق، معتبرا أنها تشكّل لحظة فريدة في التاريخ الحديث للبلد، ولافتا إلى أنّها “المرة الأولى التي يقوم فيها الشبان العراقيون بإطلاق احتجاجات جماعية، بدلا من الدهماويين الإسلاميين”. كما طالب الإدارة الأميركية بأن تكون واضحة بشأن ما تريد ولا تريد رؤيته في العراق.

وسخر نايتس من المراهنة على استمرار النظام العراقي حتى وإن تمسكت النخب الفاسدة بالحكم بالقوة، وتساءل عن الخطوة اللاحقة لرفض الوضع الراهن، وما هو نوع التغيير الذي يجب أن تؤيده الولايات المتحدة. وقدم في تقريره توصيات للقيادات السياسية الأميركية مطالبا بضرورة “أن تدعم واشنطن التغيير المنظم

الذي يشمل العمليات الدستورية والقانونية”. كما حثّ إدارة ترامب على تفعيل قانون ماغنيتسكي الذي طبق في شهر يوليو الماضي ضد أربعة قادة عراقيين بارزين ملاحقين في قضايا إرهاب وفساد وأثار الذعر في صفوف النخبة الفاسدة.

ولهذا يريد نايتس أن يرى هو والعالم شمول بعض الأشخاص بهذا القانون مثل أبوجهاد وفالح الفيّاض وأبومنتظر الحسيني وغيرهم من المسؤولين الميليشياويين والأمنيين.

العرب