ساسة العراق منشغلون باقتسام كعكة السلطة وتحصين مناصبهم

ساسة العراق منشغلون باقتسام كعكة السلطة وتحصين مناصبهم

بغداد – في وقت بلغت الأزمة ذورتها اثر الاحتجاجات الشعبية في العراق، باتت البلاد أمام طريق مسدود مع تمسّك قادة الأحزاب والتيارات بمكاسبهم المالية والسياسية ورفضهم لأي تنازل، وتصب حالة التخبط السياسي في البلاد حسب مراقبين في صالح حركة الاحتجاج لأنها تكشف تشبث رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي بالسلطة وتزيد من زخم الغضب الشعبي ضد الأطراف الداعمة له.

وتعمل معظم التيارات الشريكة في السلطة وفق مقولة “كلام الليل يمحوه النهار”: في تصريحاتها تأييد للإصلاح وعزم على مكافحة الفساد والاستجابة لطلبات المحتجين في بغداد ومدن الجنوب منذ الأول من أكتوبر، وفي الخفاء عمل متواصل على تقاسم المغانم والمناصب، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية عدة.

ويرى مراقبون أن الفساد الذي استشرى في العراق وتسرّب إلى مختلف مفاصل الدولة، تحوّل إلى ما يشبه المؤسسة واكتسب كبار رموزه حصانة لا تدعمها فقط الأموال المنهوبة، بل تحميها أيضا مؤسسات الدولة التي يشرفون على إدارتها ويتحكّمون في تعيين موظّفيها، فضلا عن القوانين التي شرّعوها بأنفسهم وجعلوا فيها ثغرات يمكنهم النفاذ عبرها.

وترفض الأحزاب وأركان السلطة العراقية الخضوع لمطالب المحتجين المتمسكين بالتغيير خشية فقدان مكاسبها في بلد غني بنفط يدر مليارات الدولارات سنويا.

ولم تغير الاحتجاجات التي راح ضحيتها نحو 350 شخصا غالبيتهم من المتظاهرين، من الممارسات السياسية في بلد يحتل المركز 168 من 180 على لائحة أكثر الدول فسادا، بحسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية.

ويقول مصدر مقرب من السلطة “الوضع وصل إلى نفق مظلم، وليس هناك حل في الأفق للأزمة الحالية رغم الضغط الشعبي الجاري”.

من جهته، يرى سياسي عراقي بارز إن مسؤولي الأحزاب والكتل “يرفضون الخروج من التشكيلة الوزارية التي تضيّع مكاسبهم”.

ورغم ضغط الاحتجاجات المطلبية غير المسبوقة منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين في العام 2003، تتمسك السلطة بنظام المحاصصة.

وبحسب الخبير الاقتصادي علي المولوي، زاد عدد موظفي القطاع العام ثلاثة أضعاف منذ 2003، بينما كانت الزيادة في الرواتب التي تدفع لهؤلاء… تسعة أضعاف!

وبلغ حجم رواتب القطاع العام 36 مليار دولار، أي نحو ثلث موازنة العام 2019 التي تعد الأكبر في التاريخ الحديث للعراق.

ومن المتوقع أن ترتفع قيمة هذه الرواتب في موازنة 2020، مع سعي السلطات لزيادة الانفاق وتوفير مزيد من الوظائف أملا بتهدئة المحتجين، ومحاولة خفض نسبة البطالة التي تبلغ 25 بالمئة لدى الشباب.

يقول مصدر حكومي إن المناصب باتت تخضع لمنطق البيع والشراء، موضحا أن “وزارة معينة تخصص لحزب سياسي، ويقوم الأخير ببيعها لمن يدفع المبلغ الأكبر”.

ويشير الى ان بعض الوزارات بيعت بـ20 مليون دولار.

وفي بلد متعدد الطوائف والانتماءات، باتت هذه العوامل أساسية في التعيينات الرسمية، بحسب الباحث العراقي حارث حسن.

ويوضح ان “صيغة الحكم الاتني-الطائفي وزعت السلطة والموارد بين العديد من اللاعبين” المؤثرين في التركيبة الحاكمة، مشيرا الى أن هؤلاء “استفادوا من ضعف المؤسسات الرسمية لتعزيز سلطاتهم الذاتية”.

في الآونة الأخيرة، وبينما كان عشرات الآلاف من العراقيين في الشارع يطالبون ب “اسقاط النظام” والاصلاح، تسربت قائمة بتعيين عدد كبير من المدراء العامين والوكلاء في الوزارات وفق انتماءات حزبية وسياسية.

فعلى سبيل المثال، عيّن فالح، شقيق هادي العامري رئيس ائتلاف “الفتح” وزعيم منظمة بدر المقربة من إيران وأحد الداعمين لوصول عبد المهدي الى السلطة، رئيسا لدائرة المنظمات في وزارة الخارجية والتي تتعامل مع غالبية المنظمات الدولية.

وبحسب دبلوماسي عراقي طلب عدم كشف اسمه، لا يتقن فالح العامري الإنكليزية، ولم يسبق له شغل منصب رسمي.

كما عيّنت شقيقة العامري مستشارة في وزارة الخارجية.

وعيّن جعفر الصدر، إبن عم رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، سفيرا للعراق في لندن، وهو الآخر لا يجيد الإنكليزية. كما عيّن أحمد الصدر، إبن شقيق مقتدى، في منصب السكرتير الأول في السفارة.

وبحسب المصدر الدبلوماسي، لا يمكن شغل هذا المنصب قبل 13 عشر عاما من الخدمة في السلك، وهو امر غير متوافر في الموظف المعين.

ويتساءل المصدر ذاته “كيف لبلد مثل العراق التواصل مع العالم وايصال مشاكله عبر تعيينات لأشخاص دون كفاءة ولم يعملوا في مجال الدبلوماسية، ولم يوقعوا في حياتهم على ورقة واحدة ولم يتخذوا قرارا؟”.

يسمع المتظاهرون بوعود وخطوات تبقى عمليا دون أي تطبيق فعلي.

ففي مجال مكافحة الفساد المالي على سبيل المثال، أعلن رئيس الوزراء قائمة بـ60 اسما من المتورطين وأحالهم على هيئة النزاهة المختصة بمكافحة مختلف الفساد في الإدارات الرسمية، وإن كان دورها شبه معطل بسبب الضغوط السياسية المتبادلة من قبل أطراف مختلفة.

وأصدرت الهيئة أوامر توقيف بحق مسؤولين غالبيتهم من الوزراء والمحافظين السابقين، لكن يرجح أن تبقى حبرا على ورق نظرا لأن غالبيتهم خارج البلاد، والبقية اتهموا بقضايا صغيرة لا تقارن بحجم الشبهات التي تحوم حول المسؤولين الكبار.

وباتت المناصب الرسمية جزءا من وضع يد الأحزاب على مقدرات الدولة ومواردها المالية والعقود والاستثمارات.

في خضم ذلك، كرر المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني، دعوة حكومة عبد المهدي الى إصلاح جدي، كما سبق له ان دعا سلفه حيدر العبادي للقيام بذلك في الأعوام الماضية.

وفي خطبة الجمعة، أبرز المرجع الأعلى الذي يحظى بثقل وازن، ضرورة الاسراع في انجاز قانون جديد للانتخابات.

يقول المصدر المقرب من السلطة “الاصلاحات التي دعت اليها المرجعية والمتظاهرين تستهدف الغصن الذي يقفون عليه”، في إشارة الى المسؤولين الحاليين، لأن أي قانون يتيح للمستقلين شغل مقاعد برلمانية “لا يناسبهم، ويقوض وجودهم”.

إبعاد هؤلاء عن السلطة هو أبرز مطلب يكرره المحتجون، ومنهم محمد طالب (25 عاما) في ساحة التحرير وسط العاصمة.

يقول طالب “ما نريده هو طرد ومحاسبة كل هؤلاء السراق والفاسدين الذين أحرقوا العراق ودمّروا أرضه وخيراته وسرقوا قوت عائلاته”.

العرب