كشفت مصادر سياسية لبنانية أنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه بري سعى مرّة أخرى إلى إقناع سعد الحريري بتشكيل حكومة وحدة وطنية يمكن أن تساعد في إخراج لبنان من الانهيار الاقتصادي الذي حلّ به. لكن هذه المصادر أكّدت أن الحريري، الذي زار رئيس مجلس النواب في منزله الثلاثاء، رفض مرّة أخرى تشكيل مثل هذه الحكومة مشدّدا على أن لا فائدة تذكر منها في الظروف الراهنة وفي غياب شرط أساسي هو أن يكون حزب الله خارج الحكومة كلّيا.
وذكرت هذه المصادر أن الحريري كرّر اقتناعه بأنّ كلّ الأبواب الخارجية والعربية والدولية موصدة أمام لبنان ما دام حزب الله في الحكومة بطريقة أو بأخرى.
ويقول المانحون الأجانب إن على لبنان أن يطبق إصلاحات لمعالجة الأسباب الأساسية للأزمة غير أن حكومة حسان دياب لم تتجه حتى الآن إلى نهج جديد.
واتفق ناصر السعيدي وزير الاقتصاد اللبناني السابق مع قناعة الحريري بقوله “لا أحد سيقرض الحكومة اللبنانية”.
وشدّد الحريري على أن ما ينطبق على حزب الله ينطبق على جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر الذي لا يوجد من يقبل استقباله في العواصم العربية أو الأوروبية الفاعلة أو في الولايات المتّحدة، وذلك بسبب علاقته الوطيدة بحزب الله وتنسيقه المستمرّ معه.
وأوضحت المصادر ذاتها أن رئيس الوزراء السابق متمسّك برفض تشكيل أي حكومة تحل مكان الحكومة الحالية برئاسة حسّان دياب في ظلّ إصرار حزب الله على أن يكون في الحكومة، وإن كان ذلك بواسطة شخص محسوب عليه وليس عن طريق نواب من نوابه أو أحد قيادييه.
وذكرت أنّ حزب الله يعتبر تغييبه عن أي حكومة لبنانية بمثابة هزيمة له وانتصار معنوي للإدارة الأميركية لا يستطيع تحمّله.
وكان دياب قد تولى منصبه بتأييد حزب الله المدعوم من إيران والرئيس المسيحي ميشال عون والرئيس الشيعي لمجلس النواب نبيه بري.
ولم يشارك في الحكومة الحريري الحليف التقليدي للغرب ودول الخليج العربية ولا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
ويأتي لقاء بري والحريري بعد أيام من اعتبار حسان دياب أن الأحداث التي شهدتها بلاده مؤخرا بمثابة “محاولة انقلاب على الحكومة”، مؤكدا أنها “سقطت ولم تنجح في تعميق الأزمة”.
وقال دياب إن “الحكومة تحظى بنسبة عالية من ثقة المواطنين، الأمر الذي أزعج الكثيرين من الذين راهنوا على فشلها، لذلك انطلقت الشائعات وفبركة الأخبار واستمررنا بالعمل”، دون ذكر أشخاص أو جهات بعينها.
وشدد على أن “محاولة الانقلاب سقطت، وكل الاجتماعات السرية والعلنية وأوامر العمليات الداخلية والمشتركة، لم تنجح في الإطاحة بورشة (في إشارة إلى الحكومة) الكشف عن الفساد (..) بل كشفوا مجددا أن حياة الناس لا تهمهم، وأن هدفهم حماية أنفسهم لا التعبير عن وجع الناس الحقيقي”.
من جهة أخرى أفادت المصادر السياسية بأن البحث بين برّي والحريري تطرّق إلى الأحداث التي شهدها وسط بيروت مساء الجمعة الماضي عندما شاركت عناصر من حزب الله ومن حركة “أمل” التي يرأسها برّي في تدمير محلات تجارية وإطلاق شعارات ذات طابع مذهبي مثل “شيعة، شيعة، شيعة” وتوجيه شتائم إلى عائشة زوجة النبيّ محمّد.
وفي هذا المجال، أكّد برّي أن “أمل” لم تشارك في عملية تدمير المحلات التجارية وإحراقها وأن عناصرها لم تتدخل إلّا من أجل المحافظة على الأمن ووقف الاعتداءات على الأملاك الخاصة.
وصدر عن لقاء برّي – الحريري بيان مشترك تجاهل موضوع تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكنّه شدّد على أن “لا أولوية تتقدم على أولوية حفط السلم الأهلي وتكثيف المساعي لوقف الانزلاق للفتنة وإدانة للتخريب الذي طاول الممتلكات العامة والخاصة”.
وكان الحريري قد استقبل الرئيس المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بعد ساعات من لقاء بري.
في غضون ذلك توقعت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية أن يعقد الرئيس اللبناني جلسة حوار موسعة الأسبوع المقبل لبحث الأوضاع التي وصلت إليها البلاد وتجنّب المزيد من التدهور.
وبدأت رئاسة الجمهورية توجيه الدعوات لرؤساء الكتل النيابية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورؤساء الحكومات السابقين ورؤساء الجمهورية السابقين ومسؤولين أمنيين وخبراء اقتصاديين.
العرب