بيروت – عكست تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في بيروت مخاوف من فقدان حزب الله هيمنته على لبنان، في وقت يترقب فيه وصول 700 جندي فرنسي إلى لبنان، بعد أيام من اتصال هاتفي طالب فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئيس الإيراني حسن روحاني بالتوقف عن التدخل في لبنان.
يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية على الطبقة السياسية في لبنان لتشكيل حكومة تركز على مهام مكافحة الفساد وإنقاذ البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية.
وأجرى مسؤولون كبار أميركيون وفرنسيون وألمان محادثات في الأيام القليلة الماضية مع المسؤولين اللبنانيين، على رأسهم رئيس الجمهورية ميشال عون الذي وافق على مشاركة مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (أف.بي.آي) في كشف حقيقة التفجير الكبير الذي وقع في ميناء بيروت في الرابع من الشهر الجاري وأدى إلى تدمير قسم من العاصمة اللبنانية.
ودعت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي اللبنانيين إلى تشكيل حكومة قادرة على اتخاذ قرارات شجاعة، مشيرة إلى أن 700 جندي فرنسي يستعدّون للقدوم إلى لبنان.
وأشارت بارلي، خلال زيارتها لموقع الانفجار في مرفأ بيروت، إلى أن “هذه المشاهد الصعبة تترك أثرا كبيرا في بلدي، وكل فرنسي شعر أنه معني بما حصل”.
وجاء تصريح ظريف أشبه بالرد على الوزيرة الفرنسية، إذ قال “إن الشعب اللبناني وممثليه هم وحدهم أصحاب قرار تحديد مستقبل بلادهم، بعد الانفجار الهائل الذي هز ميناء المدينة وأودى بحياة 172 شخصا ودفع الحكومة إلى الاستقالة”.
وأضاف ظريف في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبي “من وجهة نظرنا ليس من الإنسانية في شيء استغلال آلام الشعوب ومعاناتها لتحقيق أهداف سياسية”.
وتدعم إيران جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة التي ساعدت، جنبا إلى جنب مع حلفائها، في تشكيل الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة حسان دياب.
وتزامنت زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت مع النشاط الدبلوماسي الغربي المتسارع، المطالب بحث لبنان على دك حصون الفساد وسن إصلاحات طال انتظارها على أمل فتح الطريق أمام المساعدات المالية الدولية لمعالجة أزمة البلاد الاقتصادية.
وتهكم وزير لبناني سابق على تصريح ظريف الذي اتهم دولا باستغلال آلام اللبنانيين لتحقيق أهداف سياسية.
وقال الوزير السابق في تصريح لـ”العرب” “يبدو أن ظريف ما زال يتحدث بطريقة الأجندة المغرضة، بينما العالم برمته كشف موقف الشعب اللبناني بكل أطيافه، الرافض لطائفية وفساد الطبقة السياسية الحاكمة والخاضعة لأجندة حزب الله”.
وأضاف الوزير السابق متحفظا على ذكر اسمه “أن مشكلة لبنان الحقيقية هي أنه بلد مخطوف من قبل حزب الله الذي يدار من طهران، تلك الحقيقة التي بات اللبنانيون يواجهون بها وزير الخارجية الإيراني”.
وكان اللبنانيون ينظمون احتجاجات غاضبة ضد نخبة سياسية ينحون عليها باللائمة في المحن الكثيرة التي تعصف بالبلاد حتى قبل انفجار الرابع من أغسطس، الذي أسفر عن إصابة الآلاف وتدمير أحياء بأكملها في المدينة المطلة على البحر المتوسط. وترك الانفجار 300 ألف شخص مشردين بلا مأوى. ولا يزال حوالي 30 في عداد المفقودين.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون قد أجرى محادثات منفصلة الجمعة مع كل من وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل ووزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي.
وقال هيل إن مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي (أف.بي.آي) سيشارك في تحقيق في الانفجار الذي وقع في مستودع بالميناء وأرسل سحابة ضخمة في سماء المدينة، داعيا إلى وضع نهاية “للحكومات الكسيحة والوعود الجوفاء”.
وتدفقت المساعدات الإنسانية الدولية، لكن دولا أجنبية ربطت أي مساعدة مالية بإصلاح الدولة اللبنانية التي تتخلف بالفعل عن سداد ديونها السيادية الضخمة.
ورست حاملة طائرات الهليكوبتر التابعة للبحرية الفرنسية تونير في الميناء المدمر، الذي تقول السلطات اللبنانية إن أكثر من 2000 طن من مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار ظلت مخزنة فيه لسنوات دون أي إجراءات تأمينية.
ووعد عون بإجراء تحقيق سريع في الانفجار. وقال إن التحقيق سينظر في ما إذا كان السبب هو الإهمال أو “تدخل خارجي” أو أنه مجرد حادث.
وعقد ممثلو عائلات الضحايا مؤتمرا صحافيا ووجهوا نداء إلى مجلس الأمن الدولي لحثه على تعيين لجنة تحقيق دولية وإحالة الانفجار إلى محكمة دولية.
وقال موقع على شبكة الإنترنت تم إنشاؤه ليكون صوتا للضحايا وعائلاتهم إن “”إهمال وفساد الحكومة لعبا دورا أساسيا في هذه الجريمة”.
وأضاف “لقد قررنا أن نطالب بالعدالة من أجل جميع الضحايا لنضمن أن هذه الجريمة يتم التحقيق فيها ومحاكمة المسؤولين عنها ومعاقبتهم بشكل صحيح. نحن متأكدون من أن التحقيق الدولي المستقل وحده قادر على كشف الحقيقة وتحقيق العدالة لنا… إن التحقيق الدولي والمحاكمة الدولية ضروريان لتحقيق العدالة لنا. كفى إفلاتا من العقاب، كفى ظلما!”.
وقالت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام إن استجوابا كان مقررا لبعض الوزراء الجمعة أُرجئ بعد أن قال القاضي المعين لهذه المهمة إنه لا يملك سلطة استجواب وزراء الحكومة.
وزادت استقالة الحكومة حالة الغموض. ومن المرجح أن يكون الاتفاق على حكومة جديدة مهمة عسيرة في بلد يعاني من انقسامات طائفية عميقة وفي ظل نظام طائفي لتقاسم السلطة.
وأعرب رجل دين مسيحي بارز في لبنان عن قلقه الخميس من أن لبنان جديدا “يتم طبخه في مطابخ” دول أجنبية، دون أن يذكرها بالاسم.
وقال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، الذي يطالب بأن تنأى بيروت بنفسها عن الصراعات الإقليمية، في خطبة “بدأوا يطبخون أشياء ليست لصالح لبنان أبدا ولكن لصالح بعض السياسيين والفئات، وهذا نرفضه رفضا قاطعا وسنناضل ضده ونحاربه”.
العرب