جائحة كورونا تشل حركة المصحات الخاصة في تونس

جائحة كورونا تشل حركة المصحات الخاصة في تونس

يشكو قطاع الصحة الخاص في تونس من أزمة حادة أعقاب ظهور الوباء، ويهدد تراجع إقبال المرضى المحليين والوافدين المصحات الخاصة بالإفلاس. وما يزيد من صعوبات هذا القطاع، تواصل غياب الدعم الحكومي وعدم اتخاذ إجراءات جريئة وفعالة لإنقاذه وحمايته من الانهيار.

تونس – ألقت أزمة وباء كورونا المستجد بظلالها سلبا على المصحات الخاصة في تونس، التي بات الكثير منها على وشك الإفلاس بسبب تضرر السياحة الطبية وتراجع حاد في الوافدين الأجانب، وهم أبزر مرضاها، أعقاب تشديد قيود التنقل وما نجم عنه من غلق للحدود، إضافة إلى الانشغال الحكومي بمحاربة الوباء وتجنيد قطاع الصحة العمومية لهذه المهمة، فيما وقع التغاضي عن تداعيات أزمة كورونا على قطاع الصحة الخاص.

وفيما تواجه المستشفيات العمومية صعوبات مع ازدياد عدد المصابين بكوفيد – 19، فإن المصحات الخاصة تشكو من نقص في عدد المرضى خاصة الأجانب، ومن ركود مالي قد يسرع في انهيارها في ظل صمت الدولة التي يضغط عليها الوباء على أكثر من جهة.

وكشفت نتائج دراسة قامت بها “التونسية للصحة”، وهي هيكل يجمع مؤسسات تونسية ناشطة في سلاسل القيمة لقطاع الصحة بشأن تأثيرات أزمة كورونا على المصحات الخاصة، أن 97 في المئة من المصحات الخاصة باتت تعمل بخسارة ولم تعد قادرة على تغطية تكاليف الاستغلال.

وأضافت الدراسة التي نقلتها وكالة الأنباء الرسمية، أن قرابة نصف المصحات الخاصة تعيش خسائر كبيرة ما جعلها غير قادرة على خلاص أجور شهر مايو الماضي للعمال والموظفين أعقاب ظهور أزمة الوباء، بينما 2.5 في المئة فقط من المصحات كانت قادرة على دفع المرتبات إلى حدود شهر أغسطس الماضي.

ورجحت أن هذا الانخفاض في رقم المعاملات، على وجه الخصوص، يعود إلى تقلص الخدمات التي أصبحت مقتصرة خلال الأزمة والحجر الصحي على التدخلات العاجلة والأكيدة فقط، ووقف شبه كلي للكشوفات الطبية المباشرة والاستشارات بسبب منع الجولان.

حذرت الدراسة من الوضعية الكارثية والخطيرة التي سيعيشها قطاع الرعاية الصحية الخاص إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جريئة وفعالة لإنقاذ المصحات الخاصة وإنعاشها على المدى القصير والمتوسط والطويل.

وتوجد في تونس قرابة 100 مصحة خاصة منتشرة في جميع المناطق والولايات، وتوظف حوالي 17000 شخص، ولها طاقة استيعاب تناهز 6 آلاف سرير (20 في المئة من المجموع الوطني).

ويمثل هذا القطاع المتنفس الثاني للرعاية الصحية في حال حدوث أزمة تتجاوز قدرات القطاع العام. ووجدت وزارة الصحة في دعم المصحات الخاصة عبر إيواء المرضى منفذا لمواجهة الوباء. ومنذ اندلاع حالة الطوارئ الصحية، أعلن أطباء القطاع الخاص عن تطوّعهم لمعاضدة جهود زملائهم في القطاع العام لتأمين الرعاية الصحية للمرضى.

وأشار بوبكر زخامة رئيس الغرفة الوطنية النقابية للمصحات الخاصة لـ”العرب”، إلى أن “كورونا كان له تأثير قاس على المصحات الخاصة حيث أدى إلى تراجع إقبال المرضى”.

وأوضح أن “أغلب المصحات الخاصة قد فقدت خلال أزمة فايروس كورونا 80 في المئة من رقم معاملاتها، وقدرت نسبة نشاطها بـ20 في المئة فقط”. وهي نسبة لا تكفي لتغطية أجور الموظفين.

وعزا زخامة هذه الأزمة التي تغرق فيها المصحات الخاصة إلى إغلاق الحدود وبالتالي غياب المرضى الأجانب، لافتا إلى أن الأجانب يشكلون 50 في المئة من مرضى المصحات. وبين أن 80 في المئة من مرضى مصحات مدينة صفاقس من الليبيين، مضيفا أن عمل هذه المصحات تعثر منذ إغلاق الحدود، بينما وضع مصحات العاصمة تونس أقل سوءا.

واستبعد زخامة تأثر عمل المصحات بمسألة العامل الجغرافي وتركيز مصحات في مدن على حساب أخرى. واعتبر أن المشكلة تكمن في القدرة على تشجيع أطباء الاختصاص على العمل بالمدن الداخلية، في الوقت الذي يفضل الكثير منهم الهجرة، وهي هجرة تشمل كامل القطاع الصحي من تقنيين متخصصين وممرضين وليس حصرا الأطباء، حسب ما أشار إليه زخامة. ويفضل الكثير من أطباء الاختصاص في تونس السفر والعمل في الخارج على التنقل والعمل في المناطق الداخلية، بالإضافة إلى أنه يتم توزيع التجهيزات والمعدات الطبية بطريقة غير عادلة بين جهات البلاد.

وكنتيجة لذلك، فإن لدى 13 محافظة (ولاية) من أصل 24 أقل من سرير إنعاش لكل 100 ألف ساكن، حسب دراسة حديثة عالجت مسألة تهميش مناطق الجنوب والوسط. آما بخصوص تراجع إقبال المرضى المحليين من أصحاب الأمراض الأخرى فهو ناجم عن تراجع الإمكانيات المالية، وبسبب المخاوف من العدوى.

ومع الأزمة الاقتصادية وتدهور المقدرة الشرائية، توقعت الدراسة انخفاضا للمصحات الخاصة بنسبة 30 في المئة في الطلبات المحلية من خدمات الصحة والعلاج خلال الفترة القادمة، وعودة تدريجية للنشاط الدولي فقط أوائل عام 2021، لافتة إلى آن نصف عدد المصحات الخاصة يحقق 40 في المئة من العائدات بفضل المرضى الأجانب.

بخصوص الخطط الحكومية لدعم قطاع الصحة الذي يشكو من التغييب حسب رأي الكثير من الأطباء، يرى زخامة أن المشكلة ليست في دعم الدولة فهي ترصد أموالا للنهوض بهذا القطاع. وبرأيه فان الإشكالية تكمن في سوء التسيير الإداري الذي وصفه بـ”المخل”.

ويلاحظ زخامة إهمالا ولا مبالاة من قبل بعض مسؤولي القطاع وأيضا نهبا لموارد الدولة.

من جهته، يشير سمير شطورو، رئيس النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص، في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الدولة لا توفر الدعم المطلوب للمصحات الخاصة التي تضررت بشكل كبير جراء الوباء وباتت على شفا الانهيار”.

ويبين شطورو أن تراجع نشاط عمل المصحات يعود إلى كثرة الإجراءات التي فرضتها أزمة كورونا على المريض المحلي أو الوافد.

وتابع “توقيف الرحلات الجوية القادمة من دول مجاورة وأيضا كثرة الإجراءات زادا من الصعوبات على المريض للقدوم إلى تونس”. ولمواجهة الأزمة المالية التي تعاني منها المصحات وتهدد بإحالة موظفيها على البطالة، دعت نقابة الأطباء الحكومة بكل إلحاح إلى فتح المجال الجوي خاصة مع طرابلس الليبية، حيث يشكل المرضى الليبيون نسبة هامة من مرضى المصحات، حسب شطورو. وأضاف “لا توجد طائرات تنقل المرضى الليبيين إلى تونس”.

ويسافر الكثير من الليبيين إلى خارج البلاد لتلقي العلاج. وتعد تونس وجهتم المفضلة لتلقي الخدمات الصحية بسبب قربها الجغرافي.

وأوضح شطورو أن أغلب المرضى الليبيين اختاروا اسطنبول وجهة جديدة حيث توفر تركيا 8 طائرات يوميا خاصة بليبيا في حين تنعدم الطائرات إلى تونس وسط صمت حكومي. ورأى أنه “من الضروري استعادة حركة الطيران مع دول الجوار وتخفيف الإجراءات خاصة للدول التي تشهد تحسنا في وضعها الوبائي”.

ووقع اعتماد بروتوكول صحي خاص بالمرضى الأجانب الوافدين على تونس لتلقي العلاج في أعقاب ظهور الوباء. وينص هذا البروتوكول على توجيههم إلى الحجر الصحي الإجباري إما بالنزل أو بالمصحات التي تتكفل بعلاجهم، إضافة إلى إجبارية الفحوصات.

97 في المئة من المصحات الخاصة باتت تعمل بخسارة ولم تعد قادرة على تغطية تكاليف الاستغلال

ويوصي الخبراء بضرورة تشكيل خطة طوارئ تمكن من تقليص الأعباء المالية على المصحات وخطة إنعاش وتنمية للقطاع قائمة على الحوار والعمل المشترك بين الهياكل العمومية والخاصة. ومع ذلك تبدو هذه الخطة صعبة التطبيق في ظل الصعوبات والتحديات التي تكبل قطاع الصحة في البلد.

وفاقمت أزمة الوباء متاعب قطاع الصحة خاصة داخل المؤسسات الصحية ضعيفة التجهيز وسط تنديد الأطباء بنقص التجهيزات ووسائل الوقاية والمطالبة بتحديثها.

وحسب وزارة الصحة، من المقرر إنشاء مستشفيات ميدانية في مدن عدة، لكنها حذرت في المقابل من محدودية عدد العاملين، خصوصا في وحدات العناية المركزة. ولجأت المؤسسات العمومية إلى المصحات الخاصة الذي أبدت ترحيبا بمد يد العون في بداية الأزمة الصحية، فيما اتهمها الكثيرون بالتربح عبر الترفيع في ثمن الفحوصات الخاصة بكورونا.

العرب