تعثرت جهود توحيد الصف الكردي التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا، في اللحظات الأخيرة في ظل تباينات حول عدد من الملفات ومنها عودة البيشمركة السورية من إقليم كردستان العراق، ومشاركة المرأة في السلطة، ومناهج التعليم.
وتتهم شخصيات سياسية قريبة من الاتحاد الديمقراطي القوة الأبرز على الساحة الكردية المجلس الوطني بنسف فرص التوصل إلى تسوية، خدمة “لأجندات معادية”.
ويرى متابعون أن عوامل عدة ساهمت في تفجر الخلافات بين الطرفين وفي مقدمتها انشغال الراعيتين للمفاوضات باريس وواشنطن بأوضاعهما الداخلية، وتحسب الفرقاء الأكراد لما قد تحمله الانتخابات الأميركية من تحولات.
وكان المجلس الوطني طالب مؤخرا بتغييرات على مستوى الرئاسة المشتركة، بما يخصم من حضور المرأة الكردية، كما طالب بإلغاء مناهج التعليم المعتمدة حاليا في مناطق الإدارة الذاتية، والعودة إلى مناهج الحكومة السورية، فضلا عن إلغاء التجنيد الإلزامي، والاستفادة من عناصر البيشمركة السورية التي لا تزال في إقليم كردستان العراق.
وأثار إصرار المجلس الوطني الكردي على مطالبه استفزاز القوى المقابلة، لاسيما الاتحاد الديمقراطي الذي يستشعر بأن المجلس أراد خلط الأوراق مجددا في اللحظات الأخيرة وإعادة التفاوض إلى النقطة الصفر.
واعتبر مراقبون أن موقف المجلس الذي ما يزال ضمن تحالف قوى الثورة والمعارضة السورية نابع من دوافع سياسية في علاقة بما قد تحمله الانتخابات الأميركية من تغييرات يمكن الاستفادة منها لناحية الإطاحة بالغريم السياسي والأيديولوجي حزب الاتحاد، الذي كان استفاد بشكل كبير من احتضان الإدارة الأميركية الحالية له.
وبدأت المفاوضات بين المجلس الوطني الكردي وهو ائتلاف سياسي يضم نحو 15 حزبا، والاتحاد الديمقراطي الكردي في أبريل الماضي، برعاية الولايات المتحدة وفرنسا، وبمشاركة إقليم كردستان العراق.
وخطت تلك المفاوضات التي تهدف إلى إعادة ترتيب البيت الكردي وتوحيد تصوراته بشأن تسوية الأزمة في سوريا، بما يشمل هنا شكل النظام المستقبلي، خطوات هامة ولاسيما في العلاقة بالترتيبات السياسية بين الفرقاء.
وأظهرت الإدارة الأميركية الحالية خلال المسار التفاوضي ميلا للاتحاد الديمقراطي، الذي كان الحليف الأساس لها في الحرب على تنظيم داعش من خلال ذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب الكردي العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية.
ويقول المراقبون إن المجلس الوطني لم يكن راضيا على مسار التفاوض، بالنظر إلى الضغوط الأميركية المسلطة عليه بشأن تقديم تنازلات، وهو يخشى أن يجد نفسه ضمن مظلة كردية يقودها الخصم السياسي الاتحاد الديمقراطي.
ويشير المراقبون إلى أنه مع اقتراب لحظة الحقيقة في الانتخابات الأميركية، وظهور إمكانية كبيرة لفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن قرر المجلس على ما يبدو إعادة بعثرة أوراق التفاوض.
وقال الرئيس المشترك لمجلس حزب الاتحاد الديمقراطي في إقليم الفرات أحمد شيخو “الشروط التي طرحت خلال مباحثات الوحدة الوطنية الكردية تخدم العدو”. وأضاف شيخو أن “على أولئك الذين يهربون من المسؤولية التاريخية بوضع شروط تضرب الوحدة الوطنية وتؤسس لبناء أهداف العدو العدول عن هذه السياسة والابتعاد عن المصالح الشخصية والحزبية”.
وانتقدت عضو تنسيقية مؤتمر ستار في شمال وشرق سوريا ريحان لوقو في تصريحات لوكالة “هاوار” الكردية مطالب المجلس الوطني لاسيما في علاقة بإلغاء الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية والتي تفرض المناصفة بين المرأة والرجل.
وقالت لوقو إن “المرأة لعبت وتلعب دورا كبيرا في ثورة روج آفا (مناطق الإدارة الذاتية) من الناحية السياسية والدبلوماسية والعسكرية والإعلامية”. وأضافت “من هنا جاءت الحاجة الملحّة لبناء نظام الرئاسة المشتركة في مؤسسات الإدارة الذاتية، وحزب الاتحاد الديمقراطي أول حزب في روج آفا قام بإنشاء نظام الرئاسة المشتركة في العام 2010”.
وشددت على أن “نظام الرئاسة المشتركة حق شرعي للمرأة ولا أحد يستطيع منعها، وهو نظام يمتاز بمرونة وشفافية في الآراء لمواجهة النظرة الأحادية الجانب ولحماية مكتسبات ثورة روج آفا التي ذهب ضحيتها الآلاف”.
ويراهن المجلس الوطني على فوز الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة، لما سيحدثه ذلك من تغييرات متوقعة على صعيد السياسة الخارجية الأميركية، بما يشمل سوريا.
ويأمل المجلس بفوز بايدن في قيادة القاطرة الكردية في مفاوضات الحل النهائي لتسوية الأزمة السورية، لاسيما وأنه الأكثر قبولا لدى الأطراف الإقليمية خصوصا تركيا، التي تضع فيتو على الاتحاد الديمقراطي ومشاركته في أي مفاوضات مستقبلية بشأن الصراع في هذا البلد.
وتصنف تركيا الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري تنظيمين إرهابيين بزعم أنهما امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل على أراضيها، وشنت ثلاث عمليات عسكرية ضده منذ العام 2015.
في المقابل حاولت في السنوات الأخيرة احتواء المجلس الوطني ضمن مظلة المعارضة السورية.
ومن المتوقع أن ينتهج بايدن في حال فاز في الاستحقاق الانتخابي سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما التي قامت على دعم المعارضة السورية، وموازنة العلاقة مع قوى إقليمية على غرار تركيا الشريكة في حلف الناتو.
وفي المقابل ركز ترامب وفريقه على دعم أكراد سوريا ولاسيما الاتحاد الديمقراطي، دون اهتمام بالغضب التركي ويتوقع بفوزه بولاية جديدة مواصلة ذات السياسة.
وهاجم ساسة ومثقفون أكراد مطالبة المجلس الوطني بإلغاء اللغة الكردية واعتبر بعضهم أن مطالبته بالعودة لمناهج تعليم الحكومة السورية فيما هو ضمن مظلة قوى الثورة والمعارضة تعكس أن الهدف من شروطه ليس مبدئيا بل هو التملص من الاتفاقيات المبدئية التي جرى التوصل إليها.
وقال السياسي عثمان علي أوسي لوكالة أنباء هاوار “إن طلب المجلس الوطني الكردي تغيير المناهج الدراسية في مناطق الإدارة الذاتية بشمال وشرق سوريا يثبت أن المجلس لا يمثل الشعب الكردي وقضيته بل يمثل أعداء الكرد ومخططاتهم الذين هدفهم القضاء على ثقافة الكرد”.
وأضاف عثمان علي “قضيت أعواما من عمري في سجون حكومة دمشق من أجل لغتي الكردية بعد انضمامي إلى أول حزب كردي عام 1958، وحينها كان هدفنا ترقية اللغة الكردية، وأستغرب الآن من مطالب المجلس الوطني الكردي بالتنازل عن اللغة الكردية والعودة إلى التعلم بمنهاج حكومة دمشق، بعد كل هذه الخطوات التي قطعناها في مناهجنا وبلغتنا الأم”.
صحيفة العرب