تتعرّض سورية، اليوم، لضربات متعددة الجهات، إذ يقصف الطيران الروسي المناطق الشمالية الغربية، كمحافظتي حلب وإدلب، في وقت يشن فيه التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة هجمات في المناطق الشمالية – الشرقية. في غضون ذلك، يواصل النظام السوري قصف الأحياء الشعبية بالبراميل المتفجرة التي تقتل عشرات المواطنين يومياً، في حين يقوم تنظيم الدولة الإسلامية بقتل السوريين والعراقيين وتهجيرهم من مدنهم وقراهم، ويقضي في طريقه على جميع المعالم الحضارية والتراثية العربية، لكن جنون القتل والتدمير ليس وحده ما يخيف العرب على مستقبلهم، بل أيضاً الغياب التام لأية جهة عربية تساهم في إخراجنا من هذا النفق المظلم. مثال واضح على ذلك، التنسيق العسكري بين واشنطن وموسكو لعملياتهما العسكرية في سورية بحجة “تجنب وقوع تصادم بينهما”، من دون العودة أو الاكتراث لرأية أي جهة عربية.
هل هذا هو المصير الذي بات على العرب التعايش معه؟ هل هو مصيرنا العيش في ظل الانقسامات الطائفية المخيفة التي عجزت مؤسسات الدول عن التصدي لها؟ في ضوء واقعنا هذا، يتساءل المواطن العربي، أين هي جامعة الدول العربية؟ لماذا لم تأخذ مبادرة جدية لضمان مستقبل الأمة، قبل أن يحصل الانهيار الكامل؟ هل يجوز بعد سبعين عاماً على تأسيسها أن تبقى شاهدة على هذا التفكك السائد، من دون اتخاذ أية مبادرة شجاعة تعيد إلى العرب شرف الانتماء إلى الأمة؟
آن الأوان لأن تعبئ الجامعة الطاقات الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية، في سبيل وقف هذا التدهور، واستئناف مسيرة الوحدة القومية، التي وحدها تصحح الشطط وتبلور الإرادة وتعيد الأمل وتستعيد الكرامة واقعاً جديداً، بدلاً من الواقع الراهن الذي أجاز للغير هندسة مصيرنا والتلاعب بمستقبلنا وإجهاض إرادتنا وتدمير طاقاتنا. وهنا، لا بد لمثل تلك المبادرة من أن تشمل وجوهاً عربية متنورة ومثقفة، وأن لا تقتصر على الممثلين الرسميين للدول.
آن الآوان لأن تتحرك جامعة الدول العربية، بعد أن أصبح مصير القضية الفلسطينية، التي هي في صلب القضايا العربية، معلقاً، والتمدد الإسرائيلي متواصلاً. ألا يكفي أن التعنت الإسرائيلي باقٍ بدون التزام واضح من جماهير الأمة وممثلتهم الرسمية جامعة الدول العربية؟ حان الوقت أن تعد الجامعة خطة واضحة المعالم، تنبثق من ميثاقها، وبالتالي أن تضطلع بمسؤولياتها تجاه الشعب العربي، وإعادة الحيوية لعملها، مما يخولها إطلاق المبادرات البناءة والشجاعة، وبالتالي، أن تصبح جامعة الشعب العربي، إضافة إلى دورها جامعة للأنظمة العربية.
باتت الحالة العربية الراهنة خانقة، وستحاسبنا الأجيال المقبلة عما فعلناه، أو لم نفعله، لدرء المخاطر المحدقة بنا. وسوف تكون جامعة الدول العربية في طليعة المسؤولين عن الانهيار الكامل المتربص بنا، ما لم تطلق، اليوم قبل الغد، مبادرة متكاملة، تكون على قدر الصعاب التي تعيشها أمتنا.
بناء على سنوات العمل التي قضيتها في هذه المؤسسة، أنا على يقين تام من أن لدى جامعة الدول العربية القدرة على لعب هذا الدور الجامع، في هذه المرحلة المفصلية. فبعد عقود من الشلل والهامشية، لا بد للجامعة من أن تخرج من الظل، وتتحرر من القيود التي فرضتها على نفسها، وأن تواجه المعوقات الجمة أمامها، والحواجز التي وضعت لتهميشها. آمل في أن تكون تجربتي في الجامعة ومعرفتي بآلياتها وطرق عملها تجيز لي الكلام المباشر والصريح. وعليه، أدعو القيّمين على هذه المؤسسة العريقة إعادة إحياء رسالتها السامية، لكي تكون على قدر مسؤولياتها القومية تجاه الأمة.
كلوفيس مقصود
صحيفة العربي الجديد