واشنطن / الرياض – قال متابعون للشأن الخليجي إن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية لا يحيط بها الكثير من التفاؤل؛ فقد تخفف بعض التوتر بين البلدين، لكن من المستبعد أن تقود إلى نتائج مهمة بسبب حدة الخلاف بين الطرفين في ملفات كثيرة، من بينها النفط وإيران واليمن.
وأشار المتابعون إلى أن الوضع تغير بشكل جذري، وأن العلاقة بين البلدين خسرت الكثير من منسوب الثقة منذ أن استلم بايدن الحكم قبل عام ونصف العام، ونتج هذا الخسران خاصة عن موقفه من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومحاولة تجاهله في مرحلة أولى ثم السعي لتحميله مسؤولية قضية خاشقجي في مرحلة ثانية، في وقت يمسك فيه الأمير محمد بن سلمان بالملفات الحيوية في المملكة ولا يمكن بناء أي شكل من أشكال الشراكة دون الحصول على موافقته.
وقلل المتابعون من جدوى التنسيق المسبق الذي سعت له إدارة بايدن بإرسال مبعوثين إلى الرياض بشكل سري، معتبرين أن الأمر أكبر من التمهيد له بزيارة أو اثنتين أو إرسال مبعوثين؛ فالتنسيق يناقش التفاصيل والترتيب لكن الوضع يتعلق بالخلاف على مستوى عال، ولا يتم حله سوى بمواقف علنية أميركية تنقض المواقف السابقة ومن خلال سلوك رسمي يتسم بالاحترام والتعاون خلال الأشهر القادمة.
وقال البيت الأبيض الخميس إن مسؤولين أميركيين بارزين قاما بزيارة إلى السعودية هذا الأسبوع لإجراء محادثات ركزت على إمدادات الطاقة العالمية وإيران، إلى جانب قضايا إقليمية أخرى.
السعودية تعلّمت الدرس جيدا وليست بصدد التجاوب مع استعراض دبلوماسي أميركي يوحي بأن كل شيء على ما يرام
والتقى المسؤولان، بريت ماكجورك كبير مستشاري الرئيس جو بايدن في شؤون الشرق الأوسط وعاموس هوشستين مبعوث وزارة الخارجية لشؤون الطاقة، بكبار المسؤولين السعوديين.
واعتبر دبلوماسيون ومحللون سياسيون في العاصمة الأميركية أن من المستبعد أن تكون نتائج زيارة بايدن إلى المملكة مهمة، وأن المؤشرات الأولية لا تظهر أي تحمّس سعودي لها وإلا لتحدث عنها مسؤولون سعوديون ولاحتفى بها الإعلام السعودي كما يفعل مع زيارات مماثلة، ومنها خاصة زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وأشاروا إلى أن اتساع الهوة بين الطرفين يجعل من التصريحات غير ذات جدوى، فإدارة بايدن لا تستطيع أن تغدق الوعود بأي شكل من الأشكال لتهدئة خواطر السعوديين، ذلك أن حجم العتب السعودي كبير جدا، ولا يحتاج إلى أي كلام لتبديده.
ويرى هؤلاء أنه حتى لو تمت الزيارة فإن بايدن لن يكون قادرا على تقديم الوعود أو تنفيذها إذا أطلقها، سواء بالضغط على السعودية في موضوع زيادة إمدادات النفط أو بوعدها بأن واشنطن ستؤكد على الالتزامات الأمنية تجاهها بعد قرار نقل منظومات الدفاع إلى جنوب شرق آسيا من جهة أولى، ومن جهة ثانية التعامل ببرود مع هجمات الحوثيين التي استهدفت منشآت حيوية في السعودية، وخاصة منشآت النفط التي دأبت واشنطن على إطلاق تعهدات بحماية إنتاجها ونقله عبر المضايق، ما فُهم على أنه ضوء أميركي أخضر للضغط على المملكة.
ومن الجانب الآخر تعلمت السعودية الدرس جيدا وليست بصدد التجاوب مع استعراض دبلوماسي أميركي يوحي بأن كل شيء على ما يرام، ولا الأمير محمد بن سلمان بصدد تقديم تنازلات لأنه صار يعرف حقيقة ما يدور في عقل بايدن نحوه شخصيا ونحو المنطقة استراتيجيا.
وترى السعودية أن الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة بالتخلي عن دورها التقليدي كضامن لأمن الشرق الأوسط، وأن العلاقة معها ستكون على ضوء هذا التطور، أي البحث عن شركاء آخرين للتغطية على غياب الدور الأميركي التقليدي في المنطقة.
ويعتقد مراقبون أن رغبة بايدن في زيارة السعودية تؤكد فشل الفكرة التي تتبناها إدارته والتي تعتبر أن التجاهل سيجعل السعودية تغير موقفها وأن الأمير محمد بن سلمان سيبحث عن إرسال الوسطاء لإذابة الجليد مع البيت الأبيض، مشددين على أن بايدن وقف بنفسه على التغيير الكبير الحاصل لدى السعوديين، وخاصة على جدية قرارهم تغيير استراتيجية الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة في المجالين الأمني والعسكري، وتنويع الشركاء بطريقة تؤدي إلى فتح أبواب استثماراتهم أمام شركات صينية وروسية وهندية وفرنسية في سوق كانت الأولوية فيها للشركات الأميركية.
ويعزو المراقبون قلق واشنطن من التغييرات التي تحدث في السعودية إلى أنها طالت أحد الثوابت في العلاقات الثنائية، وهو التحالف الدبلوماسي ووقوف المملكة إلى جانب الولايات المتحدة في خلافها مع أي من خصومها، لكن الآن الأمر صار مختلفا فالسعودية تقف إلى جانب روسيا وتتحالف معها في أوبك+ لتثبيت أسعار النفط وترفض مطالبة واشنطن بزيادة الإمدادات.
ويعزو هؤلاء المراقبون سبب زيارة بايدن للسعودية إلى موضوع النفط ومحاولة حلحلة موقف الأمير محمد بن سلمان لتغيير تحالفه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فمن دون مساندة السعودية لن تفضي ضغوط واشنطن على موسكو إلى أي نتيجة.
ولم يستبعدوا أن يحاول الرئيس الأميركي قبل الزيارة وخلالها ترضية السعوديين بإطلاق تصريحات فضفاضة ضد إيران وأذرعها في المنطقة والتشديد على وقوف بلاده إلى جانب المملكة في الدفاع عن أمنها القومي، لكن الأمر بالتأكيد لن يجد الصدى الضروري لدى القيادة السعودية.
وقال البيت الأبيض الخميس إن كبير مستشاري الرئيس بايدن في شؤون الشرق الأوسط ومبعوث وزارة الخارجية لشؤون الطاقة كانا في المنطقة لمتابعة المحادثات حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار وضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية، وغير ذلك من القضايا الإقليمية.
وأضاف أن الزيارة كانت “لاستعراض التفاعل مع السعودية بخصوص أمن الطاقة” وأن المسؤولين الأميركيين لم يطلبا زيادة صادرات النفط السعودية. وتابع “طلب النفط هو ببساطة أمر خاطئ. هكذا نرى الأمر إلى جانب كونه سوء فهم لكل من تعقيد القضية ومناقشاتنا المتشعبة مع السعوديين”.
وقال أيضا إن مجموعة أوبك+ ستتخذ القرار بنفسها في ما يتعلق بالنفط و”نتشاور مع جميع المنتجين المعنيين بشأن أوضاع السوق بما في ذلك السعودية”.
وتقول مصادر إن بايدن وفريقه يبحثان إمكانية المرور بالسعودية وإسرائيل بعد أن يسافرا لحضور قمتين في ألمانيا وإسبانيا في أواخر يونيو القادم.
العرب