بات حل البرلمان العراقي الطريق الوحيد لخروج العراق من أزمته الخانقة التي بدأت بالتحول إلى صراع سياسي كبير ينذر بمواجهات مسلحة بين طرفي النزاع “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي” اللذين يمتلكان فصائل مسلحة وأعداداً كبيرة من المقاتلين.
هذه المخاوف يبدو أنها تسربت إلى أغلب القيادات الكردية وأبرزها رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الذي دعا إلى الحوار لحل الأزمة السياسية الحالية، ملمحاً إلى الموافقة علىانتخابات برلمانية مبكرة بعد اتفاق القوى السياسية العراقية على كيفية تنظيمها وضمان نزاهتها.
لا بديل لها
موقف بارزاني كان الأقرب إلى قيادات سُنية بارزة مثل رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي الذي شدد على تنظيم انتخابات مبكرة، لكن وفق الدستور والقانون بشكل يضمن وجود إجماع سياسي على إجرائها من دون اعتراضات كبيرة.
كما دعت سروة عبد الواحد رئيسة كتلة “الجيل الجديد” وهي أبرز كتلة معارضة في إقليم كردستان، إلى “عقد اجتماع في بغداد يضم رؤساء الكتل النيابية الفائزة جميعاً في الانتخابات وبحضور الأمم المتحدة، لاتخاذ الخطوات اللازمة لحل البرلمان ووضع خريطة طريق لمرحلة ما قبل الانتخابات وتحضيراتها”.
المسار الدستوري
على الرغم من وجود تأييد داخل “الإطار التنسيقي” نفسه لإجراء انتخابات مبكرة الا أن لدى بعض أطرافه وجهة نظر تختلف عن توجهات الصدر، تتضمن ضرورة عقد جلسة للبرلمان واختيار رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة ومن ثم تحديد موعد لانتخابات جديدة بعد تشكيل الحكومة، وهو ما أطلقوا عليه تسمية “المسار الدستوري”.
وقال زعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي إن “تظاهرات الإطار التنسيقي بعثت برسالة إلى كل المكونات السياسية تتمثل باحترام المسار الدستوري والقانوني في العراق قبل اتخاذ أي خطوات بشان البرلمان الحالي”، فيما أشار إلى أنه “لا يمكن أن تستحوذ على الشارع جهة دون أخرى”.
الحل الوحيد
ورأى مدير “مركز العراق للدراسات الاستراتيجية” غازي فيصل أن “حل البرلمان هو الحل الوحيد في الفترة الراهنة لتشكيل خريطة سياسية جديدة”، فيما أشار إلى “صلاحية المحكمة الاتحادية بحل البرلمان بسبب تجاوز تشكيل الحكومة المدد الدستورية”.
وقال فيصل إن “من المؤكد أن حل البرلمان أصبح الحل الوحيد للفترة الراهنة التي تمثل أزمة سياسية وفراغاً دستورياً وصراعات وتناقضات حادة بين أطراف العملية السياسية خصوصاً الإطار التنسيقي والتيار الصدري، فضلاً عن التناقضات والتحديات التي تواجه عودة التوافق بين الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني والخلافات العميقة حول المادة 140 وقانون النفط والغاز ومسألة تصفير الأزمات وحل الميليشيات والتوازن والتوافق التي طُرحت كأساس لتشكيل الحكومة من قبل مسعود بارزاني”، مبيناً أن “هذا الأمر ينعكس أيضاً على المطالبات المهمة لتحالف السيادة التي تتعلق بمنطقة جرف الصخر وانسحاب الميليشيات من المناطق المحررة والتوازن العادل في توزيع الثروة ومسألة السجناء والمعتقلين والمغيبين”.
أزمة عميقة
واعتبر فيصل أن “الأزمة العميقة اليوم لن تؤدي الى أي انفراج إلا بحل البرلمان وإعادة تشكيل الخريطة السياسية لتستطيع الأغلبية المقبلة التي يمكن أن تظهر في الانتخابات بشرط مشاركة أغلبية المقاطعين للانتخابات السابقة إذا ما ضمنت الأمم المتحدة نزاهتها”.
وتابع فيصل أن “الأطر المتاحة لحل البرلمان تتمثل بفشله منذ 10 أشهر بانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس للوزراء، الأمر الذي كان متعمداً من قبل الإطار التنسيقي”، لافتاً إلى أن “هذا الفشل جاء على الرغم من استطاعة التيار الصدري وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني توفير 208 أصوات من مجموع 220 صوتاً هو العدد الدستوري لعقد الجلسة”.
وأكد فيصل أن “إعادة الانتخابات يمثل الحل الوحيد لإعادة خريطة سياسية متكافئة متكاملة وتشكيل أغلبية تمثل حكومة عراقية تنتخب رئيساً وأقلية ديمقراطية معارضة تلعب دوراً مهماً في السلطة التشريعية”، لافتاً إلى أن “إعادة الانتخابات هو الحل الوحيد أيضاً لتعديل بعض المواد الدستورية الغامضة في التنفيذ والتطبيق بما يعزز دور الدستور لضمان الشرعية السياسية في البلاد”.
يستبعد رئيس مركز “كلواذا” لقياس الرأي باسل حسين، أن يقدم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على تقديم تنازلات للإطار التنسيقي لحل الأزمة كونه ذاهباً باتجاه التصعيد، عاداً إياها “معركة كسر إرادات، لا يرغب الصدر في أن يظهر للجمهور منكسراً فيها”.
وقال حسين إن “هناك طريقين لحل البرلمان، الأول هو المباشر الذي حددته المادة 64 من الدستور التي نصت على أن يحل مجلس النواب نفسه بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناءً على طلب ثلث النواب الأعضاء، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء أو بموافقة رئيس الجمهورية”.
القرار بيد المحكمة الاتحادية
وأوضح حسين أن “الطريق غير المباشر يتمثل بأن تحل المحكمة الاتحادية البرلمان من طريق دعوى مقامة من خلال الاستناد إلى النظرية العامة في التفسير الدستوري بأن تفتي على سبيل المثال بالحنث باليمين المنصوص عليه في المادة 50 من الدستور، أو أن تفتي بأن مجلس النواب لم يعد يحظى بالمشروعية الدستورية نظراً لتجاوزه المدد الدستورية”، مشيراً إلى أن “المحكمة أفتت سابقاً بأن على مجلس النواب انتخاب رئيس الجمهورية في مدة وجيزة”.
بوابة العبور
واعتبر حسين أن “إعادة الانتخابات هي بوابة العبور لتجاوز الأزمة الحالية وشرط أساس لحلها، لكون البرلمان الحالي لم يعد مجسداً للتمثيل الذي أفرزته نتائج الانتخابات بسبب انسحاب الكتلة الفائزة الأولى وهي الكتلة الصدرية”، مبيناً أن “إجراء الانتخابات من دون إصلاحات دستورية عبر مظلة العدول الدستورية سيعني فقط ترحيلاً للأزمة من دون حلها”.
وأوضح حسين أن “على المحكمة الاتحادية إجراء تعديلات دستورية في ما يتعلق بالمادة 76 بأن يكلف الفائز الأول في الانتخابات تشكيل الحكومة بالتالي نتخلص من عبء الكتلة الكبرى أو الكتلة النيابية الأكثر عدداً وهي عقبة أمام تشكيل الحكومة”، لافتاً إلى أن “التعديل الثاني متعلق بالمادة 70 ويتمثل بأن تفتي المحكمة بأن نصاب جولة الاقتراع الثاني هو الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب بالتالي تنتهي مسألة نصاب الثلثين”.
وأشار حسين إلى التعديل الثالث الذي يتعلق بالمادة 72 (ثانياً ب) ويتمثل بأن تكون مدة 30 يوماً لانتخاب رئيس الجمهورية مدة دستورية وليست تنظيمية، وذلك لإجبار الأحزاب على المضي بتشكيل الحكومة والالتزام بالتوقيتات الدستورية، مؤكداً أن “عدم إجراء إصلاحات يعني أن الانتخابات المبكرة لا نفع لها”.
كذلك اعتبر الباحث القانوني علي التميمي أن “المحكمة الاتحادية بإمكانها حل البرلمان لعدم أدائه دوره الدستوري ضمن المهل الموضوعة له”. وقال التميمي إن المحكمة الاتحادية يمكنها حل البرلمان وفق المواد 47 و59 من القانون المدني المتعلق بإخفاق هذه المؤسسة (البرلمان) في أداء دورها الدستوري وتجاوز المدد الدستورية”، مشيراً إلى أن “المادة 64 من الدستور لم تنص على ذلك فإننا نعود إلى المبادئ العامة الواردة في القانون المدني التي تؤكد على أن المؤسسة عندما تعجز عن أداء دورها يتولى القضاء حلها”.
ورأى التميمي أن “كثرة الدعاوى التي تقام أمام المحكمة الاتحادية هي أفضل الوسائل للحصول على قرار حل البرلمان الذي هو مطلب شعبي عام”.
اندبندت عربي