طرابلس- استقبلت قطر منذ أيام عبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، وسط أنباء عن زيارة يقوم بها حاليا رئيس البرلمان عقيلة صالح، ما يكشف عن عودة قطرية ملموسة إلى الملف الليبي، ولا يُعرف إن كانت هذه العودة ضمن وساطة جديدة في ملف معقد أم إن الدوحة تستثمر حالة الغياب لدى دول أخرى لتعود من جديد باحثة عن نفوذ كانت تخلت عنه منذ سنوات بعد أن تزايدت عليها الضغوط.
وقال مراقبون سياسيون في طرابلس إن الأطراف الليبية المتصارعة تنظر إلى الدوحة كوسيط يمكن أن يكون فعالا ليس فقد لخبراتها السابقة في عقد لقاءات سلام بين فرقاء سودانيين وتشاديين وفلسطينيين ولبنانيين، ولكن لغياب وسيط عربي ذي مصداقية ومصدر ثقة، لافتين إلى أن كل الدول العربية قد رفعت يدها عن الموضوع الليبي وباتت تبحث عن مصالحها بعيدا عنه بما في ذلك مصر التي لم يعد يعنيها كثيرا تدخل هذه الدولة أو تلك للوساطة أو حتى للتأثير الميداني لدعم طرف على حساب آخر، خاصة أن القاهرة وقفت على استحالة رعاية حل ليبي – ليبي برعاية مصرية في ظل تدخل دول أخرى ذات تأثير أقوى مثل تركيا.
وأشار المراقبون إلى أن مصر، التي لديها نفوذ على الأطراف المسيطرة في الشرق الليبي، لا تعارض وساطة قطر خاصة أن العلاقة بين القاهرة والدوحة تحسنت كثيرا في ظل تجاوز البرود السابق بعد وعود قطرية باستثمارات في مصر، فضلا عن أن جزءا من العداء كان ضمن ملف قطر الخليجي الذي حُلّ بشكل كامل ولم يعد لمصر مبرر للاستمرار فيه.
وإذا كانت القاهرة لا تمانع في دور قطري في ليبيا يشمل من ضمن ما يشمل منطقة الشرق الليبي، فإن الفاعلين العسكريين والسياسيين في المنطقة لن يمانعوا، وهو ما يفسر زيارة عقيلة صالح إلى الدوحة وسط حديث عن أن برفقته بلقاسم حفتر ابن المشير خليفة حفتر القائد القوي في الشرق.
وتحمل الزيارة إشارة واضحة إلى أن جماعة الشرق مستعدون لأيّ تقارب مع قطر، وهي مصدر ثقة قياسا بتركيا التي ترسل بإشارات متناقضة تجاه الفاعلين في الشرق، كما أنها لا تنسى خصومها السابقين، وخاصة الموقف من حفتر وحرب طرابلس في 2019، الأمر الذي يدفع بجماعة الشرق إلى ترجيح خيار الوساطة القطرية على دور تركي غير مضمون.
وكانت تركيا قد استفادت من انسحاب مختلف الدول المؤثرة في الملف الليبي، وخاصة انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا وعدم تحمّس الولايات المتحدة لرعاية حل ليبي – ليبي؛ لتتحوّل إلى قبلة لزيارات المسؤولين الليبيين الباحثين عن جهة دولية قادرة على جمعهم والاستماع إليهم وفرض تسوية عليهم، وكان من بينهم عقيلة صالح وكذلك رئيسا الحكومتين المتصارعتين عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا المدعوم من البرلمان.
وأوحت هذه الزيارات أن تركيا صارت تمسك بملف الحل السياسي في ليبيا، وأن الملعب مفتوح أمامها لضبط توليفة لحل يراعي مصالحها. لكن دخول قطر على خط التسوية قد يعرقل خطط تركيا خاصة أن الدوحة لا تهدف من تدخلها الحصول على امتيازات وعقد اتفاقيات طويلة المدى كما تفعل أنقرة، بل على العكس فهي يمكن أن تضخ استثمارات كبيرة للمساعدة على عودة الحياة في ليبيا.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استقبل خلال الشهر الماضي عقيلة صالح ونائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي في العاصمة أنقرة. وجرى اللقاء بعيدا عن عدسات وسائل الإعلام.
وقال اللافي في بيان عبر حسابه الرسمي في فيسبوك “تناولنا العلاقات بين البلدين، والتطورات السياسية في ليبيا”. وأكد أن “وجهات النظر اتفقت على الحفاظ على وحدة التراب الليبي، والإسراع في إجراء العملية الانتخابية عبر التشريعات اللازمة والمتفق عليها عبر حكومة واحدة قوية”.
وفي خطوة لإظهار حسن النوايا مع الدوحة والرغبة في طيّ صفحة الماضي عيّن عقيلة صالح عضو مجلس النواب عيسى العريبي مبعوثا خاصاً إلى دولة قطر.
وقال عضو مجلس النواب الليبي عبدالمنعم العرفي، الجمعة، إن عقيلة صالح سيقوم بزيارة إلى دولة قطر ويلتقي أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لـ”إنهاء الخلاف” بين الجانبين.
وأضاف العرفي، للأناضول، أن صالح “يتوجه إلى الدوحة بدعوة رسمية كان قد تلقاها من وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن، خلال لقائهما بتركيا في 2 أغسطس الماضي”.
وأوضح أن الزيارة “تأتي لتقريب وجهات النظر بين الجانبين”، مشيرا إلى أن صالح “سينقل وجهة نظر البرلمان والدولة الليبية”.
وفي السنوات الماضية، اتهم مجلس النواب الليبي قطر بـ”دعم” تشكيلات مسلحة مناوئة له، وهو ما نفته الدوحة مرارا، مؤكدة وقوفها على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة.
وأردف العرفي “قطر من ضمن أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وهي دولة عربية لا بد من التفاهم معها وطيّ صفحة خلافات الماضي وفق احترام السيادة بين الدول”. وتوقع أن “تلعب قطر دور الوسيط في الأزمة الليبية”.
وعقب اللقاء الذي عقده الشيخ تميم مع الدبيبة قال الديوان الأميري، على موقعه الإلكتروني، إنه جرى خلال اللقاء “استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين وأوجه تنميتها وتعزيزها، ومناقشة مستجدات الأوضاع في ليبيا، بالإضافة إلى مناقشة أبرز القضايا الإقليمية والدولية”.
العرب