يرى خبراء اقتصاديون أن منظومة الدعم الحالية تسببت في تعميق عجز الميزان التجاري وسمحت بحدوث تجاوزات أضرت بالتوازنات المالية، مؤكدين أن الحل يكمن في منح العائلات الفقيرة تعويضات مالية ومراجعة البيانات والمعطيات لكي يذهب الدعم إلى مستحقيه.
تونس – طرح مقترح البنك الدولي بشأن استبدال دعم المواد الغذائية بتحويلات نقدية في تونس تساؤلات بشأن طرق توزيع التعويضات والمنح المالية، فضلا عن الفئات المنتفعة بها، وسط دعوات الخبراء والمراقبين إلى ضرورة أن يذهب الدعم إلى مستحقيه لتفعيل المنظومة وتخفيض تكاليف المالية العمومية.
وأكّد البنك الدولي في أحدث عدد أصدره من تقرير “المرصد الاقتصادي لتونس” على أن استبدال دعم أسعار المواد الغذائية بتحويلات نقدية تعويضية للأسر الأكثر احتياجاً سيجعل هذه المنظومة أكثر فاعليّة، ويخفض تكاليف المالية العمومية وتكاليف الاستيراد، ويعزز الأمن الغذائي في مواجهة الصدمات المستقبلية.
وأوضح التقرير أن “منظومة الدعم هي أحد الأسباب الرئيسية للارتفاع في عجز الميزان التجاري والموازنة”، فبالنسبة إلى القمح، يُظهر التقرير أنه “وعلى الرغم من أن منظومة الدعم حافظت على استقرار الأسعار للمستهلكين، فإنها فرضت ضغوطاً كبيرة على المالية العمومية للدولة، وأضرّت بالمزارعين ومصنعي المواد الغذائية، وأدت إلى الإفراط في الاستهلاك، مع حدوث تسربات خارج هذه المنظومة وهدر كبير”.
فوزي بن عبدالرحمن: هناك مشكلة في تحديد البيانات ولمن ستعطى تلك المنحة
وكلّف بند الدعم خلال العشرية الأخيرة نحو 1.24 مليار دولار في المتوسط منها 880 مليون دولار لدعم السلع الأساسية و220 مليون دولار لدعم النقل و150 مليون دولار لدعم الوقود من موازنة سنوية تتأرجح بين 12 و15 مليار دولار.
وتؤكد تقارير محلية استنادا إلى بيانات المعهد الوطني للاستهلاك أن 80 في المئة من مخصصات الدعم لا تذهب إلى مستحقيها، وهذه النسبة المرتفعة تجعل فاعلية هذه المنظومة محدودة وتزيد من الشكوك حولها.
ويقول خبراء الاقتصاد إن مراجعة منظومة الدعم باتت خطوة مهمّة رغم أنها موجعة، داعين إلى إسناد الدعم إلى مستحقيه من خلال قاعدة بيانات واضحة المعطيات وتعويضات مالية للعائلات ضعيفة الدخل.
وأفاد فوزي بن عبدالرحمن خبير الاقتصاد ووزير التكوين المهني والتشغيل الأسبق أنه “منذ أكثر من عشر سنوات ونحن نناقش هذه المسألة، ولم نفهم أنه علينا أن نبادر بالإصلاح من خلال رفع الدعم تدريجيا، والسلطة أخذت القرار بأنها ستخصص قاعدة بيانات تحتوي على مليون و200 ألف عائلة ترصد لها منحة شهرية (في حدود 80 دينارا تقريبا) مقابل رفع الدعم بصفة تدريجية”.
وأضاف لـ”العرب” أن “قيمة دعم المواد الغذائية تقدر بـ1400 مليار دينار (435.27 مليار دولار)، ويجب أن يذهب الدعم إلى مستحقيه”، متسائلا “هل أن قاعدة البيانات صحيحة، وعلى أي مقاييس بُنيت؟”.
وتابع فوزي بن عبدالرحمن “هناك مشكلة في تحديد البيانات، ولمن ستعطى تلك المنحة، للرجل أم للمرأة، لأن الرجل يمكن أن لا ينفق على عائلته، والمرأة يمكن أن تكون في خلاف مع الرجل في كثير من الأسر، كما أن الكثير يشتغلون في الاقتصاد الموازي، والنساء هنّ من يُنفقن على عائلاتهنّ، وبالتالي هناك مشكلة في التوزيع”.
باسل الترجمان: هذه خطوة للبحث عن حلول منطقية للأزمة الاقتصادية
وأردف “رفع الدعم هي الخطوة التي يجب أن تفعّل، وتأثيراتها ستكون إيجابية على الميزانية العمومية، في ظلّ وجود ممارسات فساد في منظومة الدعم”.
وتسعى تونس التي تعاني أسوأ أزمة مالية للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي مقابل حزمة من الإصلاحات لضبط الاختلالات المالية المزمنة.
وتشمل الإصلاحات المقترحة من صندوق النقد الدولي زيادة أسعار الوقود والكهرباء وتجميد رواتب القطاع العام، علاوة عن مراجعة منظومة الدعم.
وقال المحلل السياسي باسل الترجمان “هذا حلّ من الحلول التي نجحت في اعتماده عدّة دول من بينها الأردن والمغرب، وهو عبارة عن دفعات نقدية شهرية للعائلات التي تستحق خاصة وأن جزءا كبيرا من الأموال (80 في المئة) لا يذهب إلى مستحقيه”.
وأضاف لـ”العرب” أن “تعديل آليات صندوق الدعم التي تسببت في إفلاس الدولة وحرمان الشباب من إيجاد فرص عمل خطوة في إطار البحث عن حلول منطقية للأزمة الاقتصادية، وإعادة توزيع عادل للمال العام على مستحقيه”.
وفي وقت سابق أكد تقرير للمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية (أي تاك) أنّ إصلاح منظومة الدعم يعتبر جزءا من سياق وطني يتسم بتشديد قيود الميزانية من ناحية، والبحث عن كفاءة أكبر لنظام الدعم كوسيلة لمكافحة الفقر من ناحية أخرى.
حسن بن جنّانة: يجب استبدال منظومة الدعم بمنحة عائلية تعطيها الدولة
ولاحظ التقرير أنه من الضروري أيضًا النظر في تأثير الإصلاح على الأداء الاقتصادي للبلاد، والذي يمثل شرطًا لا غنى عنه للحفاظ على المكاسب الاجتماعية المستهدفة على المدى الطويل، وبالإضافة إلى ضمان وصول الفئات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض إلى المواد الغذائية الأساسية، يمكن أيضًا اعتبار الإعانات الغذائية وسيلة لخفض التكاليف في العديد من قطاعات الصناعات الغذائية أو حتى كدعم مباشر لأسعار المنتجين لاسيما في قطاع إنتاج القمح.
وسبق أن أفاد الخبير الاقتصادي حسن بن جنانة بأن “ثورة يناير 2011 جاءت بالحرية السياسية فارتفعت معها الأسعار والطبقة الوسطى أصبحت تفقّر شيئا فشيئا، وهو ما يستدعي استبدال منظومة الدعم بمنحة عائلية تعطيها الدولة للمواطن”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “تونس تشتري قنطار القمح من روسيا بمبلغ 450 دينارا (146.40 دولار) بينما تشتريه من المزارع المحلي بمبلغ 200 دينار (أكثر من 65 دولارا)، ويجب تحسين مستوى الزراعة وعلى الأسعار أن تأخذ حقيقتها، والدولة مطالبة بأن تقرب المزارع من الأسواق العالمية”.
وتبلغ كلفة الدعم لسنة 2022 نحو 4.2 مليار دينار تونسي (1.385 مليار دولار)، ما يعادل 3.3 في المئة من الناتج الداخلي الخام. وتحتاج تونس إلى اقتراض 7.2 مليار دولار من بينها حوالي 5 مليارات دولار على شكل قروض خارجية خلال العام الجاري.
وتواجه تونس أزمة اقتصادية حادة وارتفاعا في نسبة التضخم، حيث بلغ العجز التجاري للبلاد 4.3 مليار دينار (1.44 مليار دولار) في الربع الأول من 2022، مقابل 3 مليارات في نفس الفترة من 2021.
العرب